22 فبراير، 2025 10:04 م

“سلطان الصريمي”.. شعره ملحمي يتميز بوعي جماعي

“سلطان الصريمي”.. شعره ملحمي يتميز بوعي جماعي

خاص: إعداد- سماح عادل

“سلطان الصريمي” شاعر يمني.

حياته..

“سلطان سعيد حيدر شمسان الصريمي”  ولد عام 1948 في الحجرية في محافظة تعز. بدأ دراسته في كتاتيب قريته، ثم انتقل مع أبيه إلى جيبوتي وأكمل دراسته هناك. ثم عاد إلى اليمن وعمل في البناء في عدن. وفي 1980 سافر إلى روسيا للدراسة، وحصل على الماجستير في الأدب الشعبي 1985، وفي 1990 حصل على الدكتوراة في فلسفة العلوم الاجتماعية في موسكو. وهو عضو في الاتحاد العام للكتاب العرب وفي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين. ترأس تحرير عدد من الصحف والمجلات.

أحلام الناس..

في مقالة بعنوان “سلطان الصريمي الشاعر المتفرد بأحلام الناس” كتب: “يعتبر الشاعر سلطان الصريمي قامة ثقافية وطنية كبيرة، ومن القلائل الذين أثرت كلماتهم في الواقع المعاش وأطربت المسامع في قصائده المغناة من قبل كبار قامات الفن والغناء في اليمن.

من منا لم تطربه أغنية “تليم الحب” للفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وأغنية نشوان للفنان الكبير محمد مرشد ناجي، و”بارق الزهر” و”أنا لك” للموسيقار أحمد فتحي، والأغنية المترددة على كل الألسنة جيلا بعد جيل “مسعود هجر”، و”أذكرك والسحايب” وغيرها للفنان الكبير عبدالباسط عبسي، وأغنية “أعشقك” و”لقاء” للفنان الكبير نجيب سعيد ثابت، فقد عبر الصريمي في كلمات هذه الأغاني الخالدة بتفرد، عن هموم الناس وأحلامهم وقضاياهم وكل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية.

الشاعر الدكتور سلطان سعيد حيدر شمسان الصريمي، واشتهر باسم سلطان الصريمي، من مواليد الحجرية محافظة تعز في عام 1368هـ، الموافق 1948م.

بدأ دراسته في مِعْلَامة القرية، ثم هاجر مع والده إلى جيبوتي وعمره سبع سنوات، وهناك أكمل دراسته الابتدائية ونتيجة لظروف قاهرة لم يتمكن من الاستمرار في الدراسة.

عاد إلى اليمن وعمل في البناء ثم في أحد المتاجر في عدن، وعند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، ترك عمله والتحق بالحرس الوطني، ثم ترك العمل العسكري والتحق بالعمل المدني، وانكبّ على المطالعة الذاتية ليرفع من مستواه الثقافي، إضافة إلى دراسته الليلية، إلى أن انتهت بتحصيل جيد حيث حصل على الماجستير عام 1985م، وفي عام 1990م حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة العلوم الاجتماعية من موسكو.

كما عمل الصريمي موظفا في عدة شركات للقطاع العام والخاص؛ منها: مدير فرع الشركة اليمنية للتجارة الخارجية في تعز في النصف الثاني من الستينيات، ومدير فرع شركة التبغ والكبريت في محافظة إب في أواخر السبعينيات، ومدير عام تسويق الألبان في الحديدة”.

وتضيف المقالة: “كما عمل الشاعر الوطني الأديب سلطان الصريمي رئيسا لمركز الكناري للاستشارات والخدمات الثقافية، ورئيس تحرير مجلة (دروب)، وعضوًا في الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ومستشارا لوزير الإعلام.

كان كذلك عضوا في الأمانة العامة والمكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، وعضو مجلس النواب من عام 1993 إلى 1997، وعمل الصريمي أمينا عاما لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين من 1990 إلى 1992، ورأس تحرير مجلة الحكمة الناطقة باسم اتحاد الأدباء، وأيضًا صحيفة الثوري لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني.

عين الصريمي مستشارا إعلاميا سابقا في سفارة الجمهورية اليمنية في القاهرة، وهو الآن متقاعد ويقضي إجازته التقاعدية في منزله في صنعاء”.

أعماله..

صدر له سبعة دواوين شعرية:

أبجدية البحر والثورة.

هموم إيقاعية.

نشوان وأحزان الشمس.

قال الصريمي.

زهرة المرجان.

هواجس الصريمي.

أبجدية الربيع.

وكتب في الأدب وعلم الاجتماع، وله كتابات وبحوث أدبية واجتماعية وسياسية، ونشر له في معظم الصحف والمجلات العربية واليمنية الشهرية واليومية والدورية.

تاريخ حافل..

في مقالة أخري بعنوان (الشاعر سلطان الصريمي.. تاريخ حافل في مجالات الأدب والسياسة): كتب “خليل المعلمي”: “قد حفل تاريخ الشاعر الدكتور سلطان الصريمي بالعطاءات الإبداعية الفذة، وبالمواقف المنحازة دائماً للكلمة والإبداع انحيازها للقضايا التي ترفع راية الوطن ومجده، وشعارات الذود عن الإنسان وحقوقه، فوق كل الرايات الأخرى، التي كثر ما كانت تأتي دوناً من ذلك في مسيرة الفقيد، سواء على الصعيد الثقافي والأدبي أو على صعيد العمل الوطني والسياسي..

عاش لسنوات صراعا مريرا مع المرض، وتاركا وراءه طيفا واسعا من الإنتاج الثقافي والإبداعي ورصيدا كبيرا يشار إليه من النضال في سبيل الكلمة والوطن، والدفاع عن الحريات، بالإضافة إلى كم هائل من الذكريات والمواقف التي تستحق التوقف عندها، وتدوينها لتكون مسارا مكتوبا وضوءا منيرا لمن يليه من أدباء ومثقفي الساحة اليمنية على امتدادها..

تجربته الابداعية..

في مقالة أخري بعنوان (سلطان الصريمي وسر تجربته الإبداعية) كتب “محمد عبد  الوكيل جازم”: “إن القراءات الديالكتيكية للنصوص الأدبية لا تهتم بالسيرة الذاتية لحياةِ الكاتب فقط، بل وفي الطريقة التي ينظر بها الكاتب إلى العالم، بمعنى ما هي الفلسفة التي ينطلق منها الكاتب؟ وما هو الأسلوب الفني الذي اتبعه في الكتابة؟

وهذا الرأي يوضحه لوسيان جولدمان في كتابه “المادية الديالكتيكية وتاريخ الأدب والفلسفة”، من أن النص الأدبي مرتبط بحركة التاريخ الاجتماعي، وأن هذه الحركة لا تعبر عن رأي فردي، وإنما جماعي، وفي كثير من الأحيان يتلاءم وعي الفرد مع وعي جماعته، ولا شك أن كل ذلك بأدوات جمالية تخلق فضاء من النور يشترك في الارتقاء به كل من الواقع والمبدع، ومن هنا أستطيع القول إن سرّ استمرارية الحضور الإبداعي لنص الشاعر سلطان الصريمي (1948-2024) في الذهن الجمعي الجماهيري، يعود إلى قدرته على إشراك الطبقة الاجتماعية في همّ خاص ومزاج إبداعي خاص أيضًا. ويحسب لليسار في بلادنا أنه قدّم مثل هذه الشخصيات في مرحلة التكوين الوطني.

ولعل تميز شاعرنا في دراسة الفلسفة الاجتماعية في موسكو، في وقت مبكر من حياته، وانحيازه للإنسان بمعناه العالمي، جعله الأقدر على التعبير عن تماسك الوعي محليًا لدى الجماعة، وهذا انعكس جليًا في شعره الملحمي الذي يرد بوعي فلاحي جماعي أحيانًا كما هو في قصيدة مسعود هجر ونشوان وأبجدية البحر والثورة، وغير ذلك”.

ويضيف: “تعرفت على الشاعر الأكاديمي والبرلماني الحصيف المناضل سلطان الصريمي، في وقت مبكر بداية التسعينيات، في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين؛ الذي كان يشغل فيه منصب الأمين العام، وبتواضع الشاعر الكبير المحب للأدب والشعر والثقافة والوطن يومها، سلّمني بطاقة عضويتي في الاتحاد، وكان رقمي فيها ٦٠، زرته بعد ذلك -بصحبة الشاعر سلطان العزعزي- في مركز الكناري الذي رأسه، في إحدى بنايات شارع الرقاص تقاطع هائل، كان لديه مكتب مؤثث بانتماء لكل ما هو تراثي، وفي وسط مجلسه المطرز بألوان تراثية يمنية، رأيت تلفونه الأرضي داخل أيقونة “جِعنان”، شدّني كثيرًا إليه، فدخلنا في نقاش حول قصيدة نشوان التي يقول فيها:

“لكن زرع الحنش وحارس البستان يشتي يركب براس الجنبية جنان”

وهذا المقطع تهكمي، إلا أنه مدروز بالصور والإسقاطات، فالشاعر لا يدع فيه مكانًا للتقريرية والمباشرة، وذكر لي أن هذه القصيدة التي انتشرت كالنار في الهشيم، جرّت عليه الويلات والكثير من المصائب؛ إلى درجة أنه بسببها دخل السجن نتيجة لوشاية تقدم بها أحد المخبرين؛ من أن الصريمي قصد علي عبدالله صالح في البيت التي قال فيها: نشوان أنا فريسة المصالح/ من يوم خلق سيف الحسن وصالح”، وقال بأن هذه القصيدة لم تدخله السجن فقط، وإنما قدمته إلى حبل المشنقة، إلا أن أحد العارفين بسنة نشر القصيدة تدارك الأمر في اللحظة الأخيرة، ومما قاله أن القتلة كانوا قد ألبسوه ثوب الإعدام، وأدخلوا رأسه في حبل المشنقة حقًا، ولكن شاء القدر أن يعود للحياة ليسجل أعظم المواقف المبدئية، وليكتب لنا أبلغ الكلمات بالفصحى والعامية”.

قصيدة “نشوان”:

نشوان لا تفجعك خساسة الحنشان

ولا تبهّر إذا ماتت غصون البان

الموت يا ابن التعاسة يخلق الشجعان

وقد خلق في عبر شوك السنف ريحان

ولصّي شمع اليتامى فوق جبل ردفان

وثبّت الحق كل الحق في عيبان

فكّر بباكر ولا تبكي على ما كان

*****

قطر العروق شايسقي الورد يا نشوان

حسّك تصدق عجائب طاهش الحوبان

ولا تصدق حكاية بنت شيخ الجان

أصحابها ضيعوها كسروا الميزان

باعوا الأصابع وخلوا الجسم للديدان

وقطعوها على ما يشتهي الوزّان

*****

 

لكن دم الضحايا صانع الألحان

لحن لصنعاء نشيد الأرض والريحان

خلاها تفرد جناح الحب يا نشوان

ولاح برق المعنى فوق جبل شمسان

ينقش على الصخر والأحجار والعيدان

لا بد ما يلتحم جرحي إلى جيزان

لكن زرع الحنش وحارس البستان

يشتي يركّب براس الجنبية جعنان

*****

نشوان في سوقنا ما أرخص الإنسان

سوق المذلّة وسوق الزور والبهتان

كل الحلا والدلا مطلي على اللسان

وفي الدواخل يسيل الغدر كالوديان

الخبز غالي غلاء الصوم في شعبان

وساعدي يشتروه بأرخص الأثمان

والأمر أمر الذي من الغبار مصطان

يقطع ويمنع ويلعب لعبة الفئران

أما صديق الغبار دائم أبوه تعبان

*****

نشوان سامح من جنن وحشّر

ومن ردع عرض الجدار وفكّر

ولا تسامح من رقد وفسّر

أو الذي من عومته تكسّر

أما الذي عند المصيبة يفتر

وفي النفس يهدر هدير عنتر

يحتاج ملء هذا الصميل وأكثر

لأنه ماهوش بس جبان يفشّر

وإنما من الحناشة أخطر

*****

نشوان أنا فريسة المصالح

ضحيّة الطبال والقوارح

من يوم خلق سيف الحسن وصالح

وأنا غريب في قريتي أشارح

أبني المكاسر وأزرع البراصح

والفائدة لمن مسبّه فاتح

والويل لمن في سوقنا يصارح

*****

نشوان كم في جعبتي نصائح

وكم ورم قلبي من الفضائح

وكم شاسامح لو أنا شاسامح

أوصيك لا تهرب ولا تمازح

ولا تفتجع من كثرة المرازح

شق الطريق وظهر الملامح

حتى تعانق صبحنا تصافح

وينتهي الإرهاب والمذابح

وفاته..

توفي يوم الاثنين 30 ديسمبر 2024 في العاصمة اليمنية صنعاء، عن عمر ناهز 77 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة