القاضي، الطبيب، السياسي، الاقتصادي، الرياضي. في كل أمرٍ تجده ينادي الفاهم العارف غير العادي. إن كان الحديث عن خلل في الإنشاء، تجده مهندسًا معماريًا، وإن كان النقاش عن التضخم، برز لك بصفة المحلل الاقتصادي. هذا هو الخنفشاري، الفاهم العارف في كل شيء. كلمة تُطلق على الأمر غير المفهوم، والأمر الذي لا يعقل. كلمة لا معنى لها، وهذا يصف حال من يتحدث في كل شيء ويدعي معرفة كل شيء.
وقد لا يخلو مجلس من شخص بهذه الصفات، الذي يفرض معرفته ورأيه، وإن كان من غير علم، غير أنه يريد التحدث وأن يكون سيد المجلس، ويلفت الانتباه له. تجده يتهكم ويعلو صوته إن تجرأ أحدهم وخطأ كلمته. لابد أن تسمع وتنصت وتؤمن على ما يقول، وإن كان غير معقول. وهذا سلوك يقوى ويتعزز لديه إن لم يجد من يعارضه طلبًا للسلام وعدم حدوث ما يزعزع صفو المجلس.
لكن قد يُلبس بمعلوماته غير الدقيقة أو الخطأ لمن لا يعرف حقيقة شخصيته، ويأخذ معلوماته على أنها حقائق علمية، ويبني عليها قرارات. يعتقد بعض الناس أنهم يعرفون كل شيء، وهذا ما يعزز حضورهم في المجالس، لكنه تصور لا صحة له. غير الثرثرة.
سقراط، أحد أكبر الفلاسفة في التاريخ، شكك في علمه بكل شيء، وقال مقولته الشهيرة: «كل ما أعرفه هو أنني لا أعرف شيئًا».