13 فبراير، 2025 9:33 ص

ما هو معنى كلمة صرعى؟ صَرْعَى , صَرِيعَاتٌ , سَقَطَ صَرِيعاً يَتَخَبَّطُ فِي دِمَائِهِ سَقَطَ مَصْروعاً مَطْروحاً على الأَرْضِ , وفي سورة الحاقة : (( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية )) , وهنا صرعى , جمع صريع : المطروح على الأرض , وموضوعنا اليوم هو قول زياد بن ابيه في خطبته لأهل البصرة (( وأيم الله ان لي فيكم لصرعى كثيرة , فليحذر كل امريء منكم ان يكون من صرعاي )) .

تولى زياد ولاية فارس وكرمان في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب  , فلما تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة بعث معاوية يطالبه بالمال , فكتب إليه :(( صرفت بعضه في وجه , واستودعت بعضه للحاجة إليه , وحملت مافضل علي أمير المؤمنين رحمه الله)) , فكتب إليه معاوية بالقدوم إليه لينظر في ذلك فامتنع زياد ,  فلما ولى معاوية بسر بن أبي أرطأة على البصرة أمره باستقدام زياد , فجمع بسر أولاد زياد في البصرة وحبسهم وهم عبد الرحمن وعبد الله وعباد وكتب إلى زياد قائلا : (( لتقدمن أو لأقتلن بنيك )) , فامتنع زياد واعتزم بسر على قتلهم , فسار أبوبكرة (وهو أخو زياد لأمه) إلى معاوية , فلما قدم عليه قال : (( إن الناس لم يبايعوك على قتل الأطفال وإن بسرا يريد قتل بني زياد )) , فأمر معاوية بسر ا بالإفراج عنهم , فأطلق سراحهم , وخاف معاوية منه فلجأ إلى الحيلة وذكر ما كان من أمر أبيه يومًا , ومقالته في زياد , فأرسل إليه أنه سيقر بنسبه إلى أبيه ,ويصبح اسمه زياد بن أبي سفيان , فوافق زياد ,فصالحه واستقدمه إلى الشام واستلحقه بنسب أبيه أبو سفيان وكان ذلك سنة 44 هـ , ولم يعجب هذا العمل السياسي خصوم معاوية , فتمسكوا بتسمية زياد بن أبيه وهاجموا معاوية بالشعر, ومن أشهر ما هوجم به مقالة يزيد بن المفرغ الحميري :

(( ألا أبلغ معاوية بن حرب مغلغلة عن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال أبوك زاني؟

فاشهد أن رحمك من زياد كرحم الفيل من ولد الأتانِ )) .

في السنة 45 هـ ولاه معاوية البصرة وخراسان وسجستان,  فقدم البصرة آخر شهر ربيع الأول (سنة 45 والفسق ظاهر فاش فيها , فخطبهم خطبته الشهيرة بالبتراء , وإنها سميت بتراء لأنه لم يحمد الله فيها , وهي : ((أما بعد: فإن الجهالة الجهلاء , والضلالة العـمياء , والغي الموفي بأهله على النار , ما فيه سفهاؤكم , ويشتمل عليه حلماؤكم , من الأمور التي يشب فيها الصغير, ولا يتحاشى عنها الكبير, كأنكم لم تقرؤوا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد من الثواب الكريم لأهل طاعته , والعذاب الأليم لأهل معصيته , قربتم القرابة وبعدتم الدين , كل امريء منكم يذب عن سفيهه صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادًا , ما أنتم بالحلماء , وقد اتبعتم السفهاء ,حرام علي الطعام والشراب , حتى أُسويها بالأرض هدمًا وإحراقًا , إني رأيت آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله , لين في غير ضعف , وشدة في غير عنف , وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى , والمقيم بالظاعن , والمقبل بالمدبر, والمطيع بالعاصي , والصحيح بالسقيم , حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول : ( أنج سعد , فقد هلك سعيد ) , أو تستقيم قناتكم , وإياي ودلج الليل , فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه , وإياي ودعوى الجاهلية فإني لا أجد داعيًا بها إلا قطعت لسانه , ولقد أحدثتم أحداثًا لم تكن , ولقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة , فمن غرَّق قومًا غرّقناه , ومن أحرق قومًا أحرقناه , ومن نقب بيتًا نقبنا عن قلبه , ومن نبش قبرًا دفناه فيه حيًا , وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة , فليحذر كل منكم أن يكون من صرعاي )) .

و كان أول أمير يسير بالحرس حوله وبلغوا خمسمائة لا يفارقونه , وهو أول وال حكم البصرة و الكوفة معا , ومن طريف ما حدث أنه لما جاءه الأمر من معاوية بولايتها وكانت فى حالة التمرد المعهود , فلما وصل الكوفة , خطبهم , فحصبوه وهو على المنبرأى رموه بالحصى والطوب , فجلس حتى أمسكوا , ثم دعا قومًا من خاصته , فأمرهم فأخذوا أبواب المسجد , ثم قال ‏:‏ ليأخذ كل رجل منكم جليسه , ولا يقولن لا أدري من جليسي , ثم أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد , فدعاهم أربعةً أربعةً يحلفون ‏:‏ ما منا من حصبك , فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه حتى صار إلى ثلاثين وقيل ‏:‏ إلى ثمانين , فقطع أيديهم على المكان‏ , وبعدها اتخذ زياد المقصورة فى المسجد حتى لا يحصبوه .

قيل فى سيرة زياد : (وكان زياد أول من شدد أمر السلطان , وأكد الملك لمعاوية , وجرد سيفه , وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة ) , أى كان يقتل الناس بمجرد الشبهة ومجرد الاتهام دون دليل ودون أخذ بعذر للمتهم , وقد أخذت الشرطة ذات ليلة أعرابيًا جاء للبصرة غريبا فأتي به زيادًا فقال‏ له :‏ هل سمعت النداء ؟ فقال‏:‏ لا والله‏ , قدمت بحلوبة لي (أى ناقة ليبيع حليبها ) وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع وأقمت لأصبح , ولا علم لي بما كان من الأمير ‏,‏ فقال‏:‏ أظنك والله صادقًا ولكن في قتلك صلاح الأمة‏ ,‏ ثم أمر به فضربت عنقه , أى لم يدع حجة أو عذرا لأحد حتى يطبق حظر التجول بكل دقة.

بدأ زياد ولايته واعظا , ذئبا يعظ الخراف , ويخفى تحت ثياب الوعظ أنيابه وأظافره , وتحت رداء الوعظ الخلقى ارتكب هو أفظع الجرائم خدمة لمعاوية , ولما قدم الكوفة قال‏:‏ أي أهل البلد أعبد قالوا ‏:‏ ابو المغيرة الحميري فأرسل إليه فأتاه , فإذا له سمت ونجو , فقال زياد‏:‏ لو مال هذا مال أهل الكوفة معه , فقال له‏:‏ إني بعثت إليك لأمولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج قال ‏:‏ سبحان الله والله لصلاة واحدة في جماعة أحب إلي من الدنيا كلها , ولزيارة أخ في اله , وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها , وليس إلى ذلك سبيل‏ , ‏قال‏:‏ فاخرج فصل في جماعة وزر إخوانك وعد المريض والزم لسانك , قال‏:‏ سبحان الله أرى معروفًا لا أقول فيه أرى منكرًا لا أنهى عنه , فوالله لمقام من ذلك واحد أحب إلي من الدنيا كلها‏ , فقال ‏:‏ السيف فأمر به فضربت عنقه , فقيل لزياد‏:‏ أبشر قال ‏:‏ ( كيف وأبو المغيرة في الطريق ؟ أى إن زيادا قتل أحد العابدين ظلما وعدوانا , وقد ذكر ان زيادا قال لبنيه لما احتضر‏:‏ (( ليت أباكم كان راعياً في أدناها وأقصاها ولم يقع بالذي وقع به )) ‏.