12 فبراير، 2025 12:40 م

قراءة خفية غير معلنة لتهجير فلسطينيي “غزة” عبر الابتزاز الاقتصادي لكندا والمكسيك؟

قراءة خفية غير معلنة لتهجير فلسطينيي “غزة” عبر الابتزاز الاقتصادي لكندا والمكسيك؟

*كندا لم ولن تكون الولاية الحادية والخمسون الأمريكية نقطة رأس السطر.
** أن الحروب التجارية التي يريد أن يشنها ترامب على جيرانه في كل من كندا والمكسيك حاليآ لا يوجد فيها فائزون, ولكن الجميع سيكونون خاسرون بصورة أو بأخرى.
***هذه الفرضية والنظرية التي نحن بصدد مناقشتها في هذا المقام ليس فقط تنطبق على كندا والمكسيك في الوقت الحالي ولكن قد تنطيق على أي دولة تقبل استقبال لاجئين فلسطينيين من سكان قطاع غزة وإعادة توطينهم في بلدانهم.

جنون هذا الرجل القادم من عالم الصفقات العقارية ميزان الربح والخسارة, يخيل إليك أنه قد اطلاق النار على الجميع ,ولكنه لا يعلم بأنه قد اطلق النار على قدميه أولآ !

على الرغم من أن كندا تمر حاليًا بأزمة اقتصادية ومعيشية صعبة، حيث تشهد ارتفاعًا كبيرًا في أسعار المواد الغذائية والمنتجات الحيوانية والسلع الأساسية منذ عدة سنوات، بدأت هذه الأزمة تؤثر بشكل مباشر على العائلات، وخاصةً أصحاب الدخل المحدود والمتوسط. بل إن الطبقة التي كانت تُعتبر بين المتوسطة والغنية بدأت تشهد تراجعًا في دخلها مع تفاقم التضخم وفقدان القدرة الشرائية تدريجيًا. وأصبحت بعض السلع التي كانت تُعد أساسية أو كمالية في السابق بعيدة المنال بالنسبة للعديد من العائلات.
هذه الأزمة تفاقمت بسبب أزمة سكن خانقة تعاني منها كندا، حيث ارتفعت الإيجارات الشهرية بشكل كبير، وأصبح شراء المنازل حلمًا بعيد المنال لمعظم الكنديين بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات خلال السنوات الماضية. وسط هذا الوضع الاقتصادي المضطرب ، تبدو معها السياسات الحكومية متخبطة وعشوائية، سواء من حكومة الليبراليين الحاكمة أو المحافظين المعارضين لهم ، مما زاد من حالة الغضب والإحباط بين المواطنين. ويمكن ملاحظة هذه المشاعر المضطربة بوضوح في تعابير وجوه المواطنين في الأسواق والشوارع، حيث يسيطر الشعور بالخذلان والقلق على المجتمع الكندي.
في خضم هذه التحديات الاقتصادية، جاءت سياسات الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” خلال فترته الرئاسية الثانية لتفاقم الأزمة. فقد فرضت إدارته رسومًا جمركية بنسبة 25% على الواردات الكندية، بما في ذلك الحديد والصلب والألمنيوم، ورسومًا بنسبة 10% على منتجات الطاقة الكندية مثل النفط ومشتقاته والمواد البتروكيماوية , وهذه الإجراءات تأتي في إطار سياسة “أمريكا أولاً” والتي تهدف بالدرجة الاساس إلى حماية الصناعات الأمريكية على حساب الشركاء التجاريين.
تعد كندا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذه الإجراءات تؤثر بشكل كبير على اقتصادها. زيادة ضريبية بنسبة 25% تعتبر إجراءً قاسيًا، وسيكون لها تأثير مباشر على الصناعات الكندية، وخاصةً قطاع المعدات والأدوات الاحتياطية وإعادة التجميع الخاصة بالسيارات والمكائن والفولاذ، والذي يوظف عشرات الالاف من الايدي العاملة في أونتاريو وحدها، وهي أكبر مقاطعات كندا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد.
أما على صعيد المساعدات الإنسانية الدولية، فإن كندا التي كانت دائمًا في طليعة الدول المانحة، تواجه اليوم تحديات كبيرة في مواصلة دورها الإنساني. فمع تصاعد الأزمات العالمية مثل المجاعات والنزاعات المسلحة، أصبحت الحاجة إلى المساعدات الإنسانية أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ومع إلغاء الإدارة الأمريكية لأنشطة “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” وتجميد العديد من برامجها، أصبحت العديد من المشاريع الكندية الإنسانية في وضع حرج . هذا التجميد يهدد عقودًا من التقدم الذي عملت عليه طوال العقود الماضية , في مكافحة عدم المساواة والمجاعة والأوبئة، فضلًا عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية لإنقاذ الأرواح في مناطق النزاعات.
هذه الدلائل والمؤشرات والقراءة التي نحن بصدد مناقشتها , ومن خلالها قد تجعل معها كندا هدفًا محتملًا أمريكيا وارد جدا لأي محاولة لتحميلها مسؤولية استقبال لاجئين جدد , وعلى الرغم من عدم وجود تلميحات أو تصريحات رسمية لغاية الإن ، فإن بعض المؤشرات تشير إلى أن هذه الفرضية قابلة للتطبيق في القريب العاجل , لان تاريخ كندا في استقبال اللاجئين كبلد مرحب بهم ويعتمد عليهم جذريا كايدي عاملة ، يجعلان من هذه الفرضية والنظرية منطقية واقرب للتطبيق على أرض الواقع , وقد تكون هذه من خلال صفقة وجزءًا من استراتيجية أمريكية خافية لغاية الإن , وأوسع في الوقت نفسه , لإعادة توزيع الفلسطينيين حتى بالضفة الغربية منهم على بعض الدول العربية ودول العالم الأخرى.
ومن وجهة نظر استراتيجية أخرى، يمكن فهم هذه الضغوط كجزء من سياسة أمريكية خفية وغير معلنة تهدف إلى تحقيق أهداف وغايات متعددة في نفس الوقت، وبما في ذلك يمكننا القول وبما يروج له ساسة البيت الابيض والحكومة الاسرائيلية على حدا سواء , ومن خلالها بأن يتم تخفيف الأزمات الإنسانية في مناطق مثل قطاع غزة، وإعادة توزيعهم كلاجئين على دول أخرى تساعد في حل مشاكلهم الإنسانية والحياتية وتستقبلهم لغرض اعادة توطينهم في بلدانهم .
ومع ذلك، فإن قبول كندا لهذه الابتزاز السياسي والاقتصادي في نفس الوقت وومن خلال اتمام هذه الصفقة الخفية قد يكون له عواقب اقتصادية وسياسية كبيرة وردة فعل غير محسوبة العواقب من قبل المجتمع الكندي ، خاصة إذا تم تفسير ذلك على أنه استسلام صريح وواضح للضغوط الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، فإن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين قد يشكل تحديًا لسياسات الهجرة الكندية وقدرتها على استيعابهم وبالأخص السكن حاليا لان هناك أزمة خانقة بارتفاع الإيجارات حتى بالنسبة للكنديين انفسهم وعدم توفر فرص عمل كافية لهم.
نحن نعتقد بأن الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها كندا من قبل الولايات المتحدة قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لدفعها نحو قبول أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة. على الرغم من أن هذه الفرضية لم يتم تأكيدها بصورة رسمية لغاية الآن ، إلا أن بعض المؤشرات والتي قد تكون خافية تجعل من هذه السردية قابلة للتطبيق , وان لم يتم التطرق لها أو ذكرها في وسائل الإعلام لغاية الإن , ولكن شخصيا وهذا ما نراه حاليا , وقد يتم تطبيقه فعليا وتتناقله بعدها وسائل الإعلام في أي لحظة من الآن وصاعدا ,وذلك عن طريق استغلال الوضع الاقتصادي لكندا، ودفعها نحو قبول أعداد كبيرة جدًا من اللاجئين الفلسطينيين، خاصة من قطاع غزة تحديدا. وفي المقابل، يتم إعفاء كندا من هذه الزيادات الضريبية كجزء من صفقة سياسية خفية غير معلنة لغاية الان , ولان مثل هذه الفرضية والنظرية التي قد يستغرب البعض من الراي العام طرحها بهذه الصيغة , تعتمد بصورة أو بأخرى من خلال تاريخ أمريكا السياسي المليئة بالدسائس والمؤامرات في استخدام الضغوط الاقتصادية كأحد الأدوات لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى , المؤشرات التي نراها والمتاحة لنا على الأقل في الوقت الحاضر ,وبما أن كندا لديها تاريخ طويل في استقبال اللاجئين، حيث تستقبل سنويًا مئات الآلاف من المهاجرين ضمن خططها لإعادة التوطين. وقد سبق لها أن استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين خلال سنوات الحرب الأهلية في سوريا(2011–2024).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : هل ستُرغم الحكومة الكندية والحكومة المكسيكية على الرضوخ لهذا الابتزاز الاقتصادي والسياسي، أم أنهما ستتخذان موقفًا حازمًا لمواجهة هذه الضغوط بكل ما أوتينا من قوة؟
لان هذا السؤال سوف يضع كلا البلدين أمام مفترق طرق صعبه دون أي شك، فمن ناحية، تعتمد كندا والمكسيك بشكل كبير على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، التي تُعد الشريك التجاري الأكبر لكليهما , أي قرار بمواجهة هذه الإجراءات قد يؤدي إلى تصعيد التوترات التجارية وتفاقم الازمة أكثر ، مما قد يزيد من الأضرار الاقتصادية على المدى القصير والطويل ولحين انتهاء فترة ولاية ترامب الأربع سنين العجاف , ومن ناحية أخرى، فإن الرضوخ لهذه الضغوط قد يُعتبر انتهاكًا لسيادة البلدين واستقلاليتها في صنع القرار السياسي والاقتصادي الخاص بهما . فقبول هذه الإجراءات دون مقاومة وردة فعل إقتصادية قد يُرسل رسالة خاطئة مفادها أن كندا والمكسيك مستعدين للتضحية بمصالحها الوطنية والقومية والاقتصادية من أجل الحفاظ على العلاقات مع واشنطن وعدم تضررها . هذا الأمر قد يُضعف موقف البلدين في المفاوضات المستقبلية ، ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضًا مع شركاء تجاريين آخرين حول العالم.
لذلك، فإن الخيار الأكثر ترجيحًا لنا هو أن كندا والمكسيك سوف تسعيان معآ وبمشاركة وتفاهم تنتهجها مع دول الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من جهة، والدفاع عن مصالحها القومية والوطنية من جهة أخرى. وقد تشمل هذه الجهود عدة إجراءات على سبيل المثال وليس الحصر : التفاوض الدبلوماسي المباشر للوصول الى حلول وسطية قدر الإمكان , وفي اقسى الحالات فرض رسوم انتقامية مضادة , والعمل على تنويع الشركاء التجاريين قدر الامكان , وتعزيز الاعتماد على الاقتصاد المحلي وزيادة في الاستثمارات الداخلية لزيادة فرص العمل .
في النهاية، الساعات والأيام القادمة قد لا تطرأ أي مفاجئات على تطبيق الزيادة الضريبية إلا أذا كان هناك رضوخ تام من قبلهما , لذا فإن القرار الذي ستتخذه كندا والمكسيك معآ أو منفردا , سيكون له تداعيات كبيرة ليس فقط على اقتصادهما ، ولكن أيضًا على مكانتها ووضكدول ذات سيادة في النظام الدولي , فهل ستختار المواجهة أم الرضوخ؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد حقيقية ملامح العلاقات المستقبلية بين هذه الدول الثلاث في ظل عالم مضطرب تتسم بتصاعد وتيرة النزاعات السياسية والصراعات التجارية والتي سوف يدفع ثمنها المواطن العادي.