منذ فترة قليلة زارني في بغداد صديق تعرفت عليه في احد مواقع التواصل الاجتماعي وهو عراقي يحمل جنسية اوروبية لكنه لم يزر العراق يوماً واتصل بي حينها وذهبت لاستقباله وبانت ملامح الفرح والبهجة في محياه وهو يطأ ارض موطنه الذي لم يراه من قبل فبعد الترحيب به استقلينا سيارة احد اقاربه ممن كانوا معي ينتظروه واصر على ان ارافقه الى منزل اقاربه وبالفعل ذهبنا الى هناك وتناونا وجبة غداء شهية وبعدها اطريت مسامعه بحديث عن التحول الديمقراطي الذي شهده العراق والانتقال من دولة الفرد الى دولة الجماعة واسهبت بالحديث عن المادة الثانية من الدستور والتي تتعلق بالحريات وبينت له ان الدستور العراقي هو افضل الدساتير الموجودة في المنطقة فيما يخص حقوق وكرامة المواطن .. وهو يبادلني بالتفاؤل والغبطة لهذا المنجز الكبير الذي حققه العراقيين
وبعدها طلبت الاذن منه لكي ارجع الى منزلي واتفقنا على ان يكون يوم غد هو جولة في معالم بغداد
وفي اليوم التالي اصطحبته الى المتحف الوطني الذي وجدنا بابه مقفل ومن دون اي يافطة توضح سبب اغلاقه او متى يعاود فتح ابوابه ثم اخذنا جولة في شارع الرشيد والسوق العربي حيث المباني المهترئة والفوضى الغير خلاقة وصفارات السيارات وصياح المارة وكأنك في مشهد سوريالي من العصور الوسطى ..
انقضت فترة الظهيرة وذهبنا الى احد المطاعم الراقية على نهر دجلة وعندما دخلنا توجهنا نحو طاولة مميزة تطل على النهر مباشرة حينها جاء نادل المطعم ليطلب منا مغادرة الطاولة لانها مخصصة للعوائل فقط واستغرب صديقي بما يعني بكلمة للعوائل فقط فغيرت مجرى الحديث وقلت له ان تلك الطاولة افضل فذهبنا الى غير طاولة وانهينا وجبة الغداء ثم قررنا ان نمضي بجولة الى مدينة العاب الزوراء حيث توجهنا الى هناك لنفاجأ بطابور سيارات يستغرق الدخول فيه ٣ ساعات ايعقل ان ينتظر المرء ٣ ساعات كي يدخل الى مكان بقصد الترفيه والاستجمام !!!!
قررنا تغيير الوجهة والاستفادة من الوقت ذهبنا الى منطقة المنصور وتقاطع الرواد الذي احتاج منا ركن السيارة في المرآب الى ٥٥ دقيقة وما ان وصلنا الى التقاطع الذي يعج بالمارة والمتبضعين لمح صديقي مول المنصور وقال ماهذا المكان قلت له مول للتسوق قال اذا لنذهب نشتر بعض الاشياء قلت له كما تحب ولكن كنت في قرارة نفسي احاول التذكر هل هذا اليوم مخصص للعوائل ام لا وما ان وصلنا الى باب الدخول حتى استوقفنا رجال الامن الخاص بالمول وقالوا باسلوب غليض ( وين رايحين ) فأجاب صديقي اننا ننوي التسوق من المول فرد رجل الامن ممنوع فالمول اليوم مخصص للعوائل فقط همس صديقي في اذني ماذا تعني هذه الكلمة (للعوائل فقط) قلت له سأخبرك لاحقاً لنذهب الى هذه الكازينو الجميلة ( باريس). ذات الاضواء الحمراء وعبرنا الشارع باتجاه باريس التي لم تكن باريس بل كانت قندهار حيث لا يسمح لك بالوقوف امام باريس وليس الجلوس فيها وحسب لان هناك لافته كبيرة مكتوب عليها للعوائل فقط كرر صديقي سؤاله ماذا تعني هذه الكلمة قلت له ماذا عساني اجيبك
هل اقول لك اننا نخشى من ابنائنا ان يدخلوا للتسوق مع اخواتهم وامهاتهم بغية عدم جواز الاختلاط !!
هل اقول لك ان الشاب العراقي محروم ومنبوذ في زمن الحرية من التعايش والانسجام مع المجتمع
هل اقول لك ان عاصمتي تعد الاسوء في العالم من حيث استقطابها للسواح
هل اقول لك ان هذا المجتمع الذي ينوي جذب الاستثمارات الخارجية وهو عاجز ان يسمح لشبابه بحرية التنقل
هل اقول لك ان الوعاظ ورجال الدين عجزوا عن اصلاح المنظومة الاخلاقية المجتمعية التي هي صميم عملهم وواجبهم
هل اقول لك ان الامراض الاجتماعية التي وجدت في هذا الكوكب جميعها تستوطن منظومة تفكير مجتمعي
هل اقول لك ان القائمين على التعليم انفقوا وقتا في كيفية فصل الاناث عن الذكور اكثر من الوقت الذي خصصوه لتطوير آليات التعليم
هل اقول لك ان المجتمع الذي يتشدق بالاخلاق والنخوة (والغيرة العراقية) هو ذاته الذي يخشى بعضه بعضاً
اعذرني يا صديقي لن اكمل فما تبقى من كلامي سيكون مخصصاً للعوائل فقط ! !!!