9 فبراير، 2025 12:21 ص

مقامة الصورة الجانبية

مقامة الصورة الجانبية

كتبت لطفية الدليمي عن الحرب  مقطعا من نص طويل أسمته : صورة جانبية للجنون ,

(( الآباء الذين لم يموتوا في الجبهات قشرتهم الحروب السابقة مثل حبات الجوز والتهمت قلوبهم , والأمهات سكبن بحيرات أرواحهن على العتبات ومفارق الطرق , فنبتت أشجار الدموع على الأرصفة وبللت شاشات الأخبار, الأولاد تشرنقوا داخل أحلامهم فنبتت لهم  في ليل البلاد الطويل  أجنحة وحلقوا بعيدا بعيدا عن ليل البلاد ))  .

يقولون لي : ((  أُغتيلَ العراق , انهار قلبي وكلي يرفض ما يقال , سألت قلبي الخلاص , باليأس جاءني الرد مشوبًا , إذ أنهارٌ من الدماءِ تسيل , ونحرالعقول وفير , والسارقون , ومزوري التاريخ كُثر, تئن دقات قلبي والجراح , تئن حزنًا على سيد الأوطان )) , يغادر الشهداء في مواكب البهجة , والجليلاتُ أمهاتُ العـُرْف ِ والمعروف , يأتين حاملات جرارهنّ معتقات بالحنان , جئن إليك بلا نحيب ْ , مشْرِعات ٍ صدورهن ّ , وتفوح من أثوابهن نذر الوفاء , يُصَليّن لقداسة الدم المسفوح , كأنهن جميعاً أصبحن سيدة القيامة البتول , وقد صَبَغْنَ الجدائل بالحناء وتَجَمّلْنَ كأجمل ما يكن ّ من النساء ليحضرن عرسك في يوم زفّتـِكَ الأخيرة , والأصدقاء يصنعون من تراب قبرك قلائد الجمان , وهم يـُقـْسمون بالحبر المكنون , والقلم وما يسطرون , ليجعلوا من دمك فاتحة ً لهم في الصبح والمساء , ويطردون الشر من بلادك كما تشاء يا أنت ياحامل ضمائر الوطن ْ,  يا من أنرت في بلادنا الضميرْ , وأوقدت نارا ً في الظلام , وأضأتَ بلاد السواد , من أول الخليقة لآخر الكلام .

في حروب العراق المؤبدة تعتلي العرش آلهة العالم السفلي , تطرق الأبواب بمخالب من لهب  , تحتسي دم التاريخ و تلتهم الأجنة والعقول , وتترك وشمها الأسود على جبين الزمان , فقم ياوطني يانبضي وصوت عقلي وقلبي , فقط عندك ومعك وبك أحيا , أواه يامن كنت للوطن , نغمةً لإطلاقة البندقية  , أذكر يانديم الصبا عندما كنت تكبّر باسم ألله أكبرعلى كل ظالم تجبر , ويعتصرك الألم على وجوه صغارنا الحزينة والدمعة في عيون ثكلاه احتواك غدر السجون فأينكَ ؟ فقد باتت من دونك ياوطنيدنياي مقيتة .

 

(( قولوا ما أصاب العراق كان كابوسًا سقيمًا , أو كان مجرد خيال , مازال نزيف الموت يقطر, وتئن الجراح وشمسُ الشهيد تنكسف على لجة البحر غاضبة , تتمتم مازال حقنا بعيدًا ولقاؤنا أبعد , هو عاشقُ الوردِ , ومختبئٌ بين تويجاته , وعلى أطرافِ لسانِهِ , تلم ُّ تعبَهَا أحرف ُ النسور , صديقٌ هو للقلم ِ , وصديقٌ للحلم ِ الطويل ِ , تتراجَفُ على حِبْره ِ فراخ ُ البط ِّ, وأوزّاتُ المساء ِ كان دافئاً في تصُّوره ِ, وحزيناً في تَفَردِهِ وعلى يديه , تـُدار ُ الشَموع ُ لم تغرِّبْهُ بغداد أمُّ العواصم ِ, بل غرّبَهُ الأهل ُ وأحْزَنَهُ القريبُ الغريبُ  )) .

حين يجن الليل ويرخي سدوله على عاتقيها , تقاسم الله لواعج دامعات ليلها , وما بهن من الجوى والتوجعات , أيتها الروح المكتظة بالألم اللامتناهي , أحتاج إلى حالة وعي , كي أحفظ ملامحي من الضياع , والإنتظارعاهة مستديمة لقلب لايحب النسيان , وما عدت احتمل الهوان , أحتاج مَنْ يوقظني فأنا أموت فوق الشفاه , ولك بين ثنايا الشغف , سنبلة تقيم طقوس الهوى , على كف الريح  , فقدت الفتيات الشهية ونحلت اجسادهن عندما مات عشاقهن في الحرائق والخنادق , فاتخذن من أقراص الهوية تعويذات ضد النسيان , ثم أكتشفن أن قلوبهن الصغيرة قد تحولت الى حصى  ,  الحصى القاسي يطرق – كل ليلة – على عظامهن بشدة ويؤلمهن , فينتحبن ويصرخن ثم يهوين في متاهة الكوابيس , يختلطن بالاشباح والارواح الهائمة في سهول البلاد , تندبهن الوسائد وتطبق المرايا أجفانها على أحلامهن القتيلة .

شهدت أجندة الغرب , وأصابع العرب , غيلتك , فتم اغتيالك , أثقلتك زج الرماح في أقلامك , أصابوا الطيبة فشيعوها , أسجفوا العشير طوائفَ , وأسرجوا الدستور عرقيًا ,
لَمَّ اللهُ شعثَك ياعراق , بين رافديك  , سأقف لألملــــم شتات ظلي ونسيج الصمت في دجلة والفرات يئن الكلم في جوانحي , ممزوجًا بدم الأحبة , ووحشة الغربة , فقايضني الألم بحورًا , وحسرة تنز من الأدمة ,
وفي عمقِ الحكاية ,حيث لا أحدَ يسمعُ أغنياتِنا المبتورة ,ينمو السكونُكضوءِ قمرٍ في بحرٍ هائج ,وتطفو الذكرياتُعلى سطحِ الروح ,تُحاكينا عن عالمٍ يتنفسُمن خلفِ الجدرانِ الصامتة , عن قمرٍلا يعرفُ الأفول .

أحدث المقالات

أحدث المقالات