6 فبراير، 2025 8:56 ص

يقول صاحبنا انه أستقى حكمة بالغة  وجدها في رواية ( حقول الفردوس ) للروائي الامريكي جون شتاينبك , تقول (( اذا ابعدتم الطعام عن مكان فستتركه الفئران , وانا قد ابعدت عن المكان كل مظاهر القدم والظلمة فهي ما تحيا عليه الاشباح )) , ومعظمنا يعرف ان شتاينبك كاتب أمريكي مبدع , من أشهر أدباء القرن العشرين , وأن المدارس الثانوية الأمريكية تفرض على طلابها قراءة العديد من أعمال شتاينبيك , الذي استمرت معتقداته الدينية بالتأثير بشكل كبير على أعماله الخيالية وغير الخيالية

ليس سهلا ان تطرد الظلمة وأشباحها , وأذا فعلت فلابد ان تكون قد تعنيت وعانيت , كما يقول عبد الرحمن منيف : (( حسب خبرتي , الدروس التي لا تعلم بالدماء من السهل نسيانها )) , وأن  (( جزء من الخسارة التى تلحق بالبلدان أنها تركن إلى الأوهام , وتعيش فى الماضى , وتخطىء فى قراءة الواقع واحتمالات المستقبل )) ,وهكذا فأن (( العرب أمة تعيش في الماضي , وان التاريخ يلهمها أكثر ممن يعلمها في الواقع , لذلك فهي لاتحسن التعامل مع الزمن الذي تعيشه وهذا هو السبب في تخلفها )) .

وهكذا هي شجوننا العربية , ذكر المؤرخون ان الخليفة عمر بن الخطاب كان يتهيب من تدوين الأحاديث النبوية  , وأنه غضب بشدة عندما وجد بعض أوائل المسلمين يجمعون الأحاديث النبوية في رقوق صفحات من الجلد المرقق , فأمر بإحراقها وقال غاضبًا : أمثناةٌ كمثناة اليهود ؟ يقصد (المشنا) التي تشكل مع (الجمارا) ما يعرف باسم : التلمود , كلمة المشنا حرفيًا , تعنى فى العبرية الكتابة الثانية , ومن هنا قال مثناة , ولم يلتزم المسلمون بموقف الخليفة عمر بن الخطاب , وعادوا في القرن الثالث الهجرى لتدوين الأحاديث النبوية  , وأنها جمعت وصارت حجةً وأداة احتجاج ثم صارت مع الوقت هى المعلوم من الدين بالضرورة , وعبثًا حاول العلماء المسلمون التنبيه إلى أن الأحاديث النبوية (( ظنّيَّة الثبوت )) , وليست مُطلَقَة اليقين , فلم يعتد الفقهاء بذلك ولم يشرحوه للناس , بل أخفوه عنهم لغاية فى نفوسهم , وبالطبع  فلن نخوض هنا في مسألة يقينية الأحاديث النبوية كيلا نثير مزيدا من الصخب والاهتياج عند أصحاب المصالح والمتكسبين بالدين والعاملين بقاعدة ( عُض قلبى ولا تَعُضُّ رغيفى) .

ولطرد الظلمة وأشباحها , أعرف ان الباحث المصري يوسف زيدان أثار الجدل عندما ذكر أن ربط سورة الفيل بحملة أبرهة الحبشي على مكة هو أمر خاطئ بالأساس , وأنه أكد على أن سورة الفيل إنما تحدثت عن بعض الوقائع التاريخية الواردة في أسفار المكابيين , حيث ورد في سفر المكابيين الثاني تفاصيل الانتصارات العظيمة التي حققها يهوذا المكابي على السلوقيين , وتحدث عن الملك السلوقي ديميتريوس الأول , عندما جهز جيشاً عظيماً بقيادة (( نكانور مدبر الفيلة )) , وأمره بأن يقضي تماماً على ثورة المكابيين , ثم يتحدث عن الحرب الشرسة التي دارت بين الرجلين , والتي انتهت بمقتل نكانور , وقيام اليهود بعدها بقطع رأسه ويده اليمنى وتعليقهما على سور أورشليم , ما يهمنا هنا أن السفر ذكر بوضوح خبر اشتراك الفيلة في المعركة , الأمر الذي يبدو متسقاً مع المعطيات التاريخية في ذلك العصر, لأن السلوقيين كانوا معروفين باستخدامهم الفيلة المدربة على القتال , ولا سيما في حروبهم على الجبهة الشرقية ضد الفرس البارثيين , وقد ورد في الإصحاح الخامس عشر من سفر المكابيين الثاني : (( وبينما كان الجميع ينتظرون ما يؤول إليه الأمر , وقد ازدلف العدو واصطف الجيش وأقيمت الفيلة في مواضعها وترتبت الفرسان على الجناحين , تفرس المكابي في كثرة الجيوش وتوفر الأسلحة المختلفة وضراوة الفيلة , فرفع يديه إلى السماء ودعا الرب الرقيب صانع المعجزات , لعلمه أن ليس الظفر بالسلاح ولكنه بقضائه يؤتي الظفر من يستحقه )) , فهل طرد د. يوسف زيدان الظلمة ؟

يقولون في الحياة المهنية , يُسلَّط الضوء على من يُتقن الظهور , لا من يتقن العمل , فدعني اخبرك عن السياسة والألقاب كما أوردها د . رشيد خيون فأنه كتب : (( يُتحفنا شمس الدين الذهبي في سير أعلام النبلاء وكذلك ابن العماد شهاب الدِّين الحنبلي في شذرات الذهب  بأسماء أشراف الدِّين وشموسه وتُقاته , عُرفوا بـ(( الصَّهاينة )) , مثل شرف الدِّين عبد القادر الصّهيوني , وشمس الدِّين محمد بن عبد الرَّحمن الصُّهيوني , وتقي الدِّين أبي بكر بن محمد الصهيوني وغيرهم  نسبة إلى جبل صهيون بفلسطين , لكن ما أن نسب تيودور هرتزل عقيدته إلى الجبل , صار اللقب مرفوضاً  لا يقبل مِن صاحبه في مجتمعات ودول عديدة , حتى نُسي اسم الجبل نفسه ,كذلك على مدى التّاريخ تسمى الطائفة اليهوديّة بالعراق: الطّائفة الإسرائيليّة (الدليل العراق 1936) , لكن بعد (1948) صار هذا اللقب سلبياً , فتحول اسم الطَّائفة إلى الطائفة الموسوية , وظل هكذا )) .