يشكّل الصراع العربي / الإسلامي – الصهيوني سجلاً حافلاً بالأحداث والمواجهات والتحولات، منذ أن قررت مجموعات يهودية بتنسيق مع الاستعمار البريطاني أن تتخّذ من الأرض المقدسة في فلسطين أرضاً لدولتها المزعومة، ليتوّج ذلك المسعى بالوعد البريطاني لليهود بمساعدتهم في إنشاء وطن قومي على أرض فلسطين فيما سمّي بـ(وعد بلفور) عام 1917 وذلك نسبةً لوزير الخارجية البريطاني (آرثر بلفور).
وبالعودة لسجل الصراع الذي شهد مجازراً عدة ومواجهات مختلفة السياق والمستوى وعمليات كر وفر، لكنها في النتيجة أفضت لعملية سلام غير عادل أعترفت فيه السلطة الممثلة للشعب المغلوب على أمره بدولة الاحتلال مقابل مشروع دولة على أرض الضفة الغربية وغزّة لكنه لم يتم.
وبمقابل السلطة كان هناك تياراً مهماً بخلفية إسلامية يتشكّل بهدوء وينشئ تنظيمه الخاص بتشكيلات مختلفة، منها الأمني والعسكري والسياسي. هذا التيار كان يبني قوته بهدوء وبعيداً عن الصخب الإعلامي فيما كان يجرب قوته بين الفينة والأخرى بمواجهة قوات الاحتلال سواء بعمليات عسكرية أم بعمليات خطف لعناصر جيش الاحتلال.
ثم كان طوفان الأقصى، ذلك الحدث الذي أوقف العالم مذهولاً أمام التحرّك العسكري لعناصر كتائب عز الدين القسّام لإقتحام مستوطنات الاحتلال الملاصقة لقطاع غزة والمحصّنة بأطواق أمنية غاية في التعقيد.
(1400) عنصر من كتائب القسام بغطاء جوي لأكثر من (3400) صاروخ وبتشكيلات منوّعة برية وبحرية وجويّة يهاجمون الأراضي المحتلة في مشهد غاب عن الصراع العربي – الصهيوني منذ آخر مواجهة عام 1973 بين الجيشين المصري والصهيوني.
هذا الهجوم الذي أودى بحياة (1200) صهيوني مع أسر ما يجاوز الـ(350) آخرين جلّهم من المنتمين لما يسمى (جيش الدفاع) الصهيوني أرتبط بإسمين بارزين من قيادات حركة حماس، أولهما رئيس فرع الحركة في غزة وعضو المكتب السياسي يحيى السنوار وثانيهما القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف.
وبطبيعة الحال فإن السنوار ارتبط إسمه منذ البداية بمعركة الطوفان وبات معروفاً أنه العقل المدبّر لكل ما جرى، لاسيما وأنه كان قد صرّح قبل ذلك التاريخ وفي أكثر من مناسبة لإحتمالية وقوع هجوم كبير تقوده كتائب القسّام يحدث زلزالاً في صفوف المحتل.
السنوار الذي قضى شهيداً في إحدى المواجهات مع جنود الاحتلال جنوب غزة وفي أحد منازل مدينة رفح ومنذ إنطلاقة العمليات العسكرية في طوفان الأقصى كان مثاراً للبحث والسؤال والتقصّي، لاسيما بعد ظهور مقاطع فديو توثّق للسنوار مرحلة السجن وتبيّن عمق تفكير الرجل وسعة ثقافته وحسّه الأمني العالي.
كتابات السنوار قد تكون إحدى البوابات التي من الممكن من خلالها الولوج لعقله وفهم طريقة تفكيره ونظرته للحياة ولقضية فلسطين.
من تلك الكتابات رواية (الشوك والقرنفل)، تلك الرواية التي كتبها السنوار خلف قضبان سجون الاحتلال إبان محكوميته التي قضى منها 22 عاماً قبل أن يطلق سراحه في صفقة (وفاء الاحرار) عام 2011.
وعلى الرغم من بساطة السردية القصصية للرواية وعدم انتظام أحداثها في كثير من الفصول كونها تعرضت لمرحلة النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال منذ منتصف القرن الماضي وهي مرحلة زمنية طويلة ومتشعبة الأحداث ويصعب نسج الوشائج بين صورها المختلفة إلاّ أنها تكشف لنا جانباً خفياً من حياة أهل الأرض عبر سرد قصة عائلة أحد المواطنين الغزّاويين (أحمد) الذي فقد والده وعمه في حرب 1948 فيما قضى حياته يسكن أحد المخيمات في غزة وسط حالة من المعاناة والتحدي المستمر.
الراوي وعبر سنوات حياته روى لنا ما حدث في الأرض المقدسة بدءاً من إعلان دولة الكيان الغاصب لتشكّل المجاميع الفلسطينية المقاومة للاحتلال ومن ثم إنطلاق الحركة الإسلامية في قطاع غزّة وتصدرها للمشهد في غزة.
وخلال مراحل حياة أحمد تعرفنا الرواية بصراع وتنافس خفي كان يدور بين الكيانات الممثلة للشعب الفلسطيني لاسيما تيار حركة فتح والتيار اليساري ومن ثم التيار الإسلامي، وتظهر الرواية كيف أن التيار الإسلامي وقف موقفاً رافضاً للمسار السلمي منذ اليوم الأول للإعلان عن مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الوطني الفلسطيني والكيان الصهيوني معبرةً إياه استسلاماً غير مبرراً ونقلاً للمواجهة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الصهيوني للمواجهة بين أبناء الشعب نفسه.
كما تظهر الرواية حالة الانفتاح الفلسطيني على واقع “الدولة” الصهيونية بعد أن أحتاج الكيان الصهيوني إلى يد عاملة تساهم في بناء دولته المزعومة، وبالفعل نجح في هذه الخطوة بعد أن بدء الفلسطينيين يتعاملون مع الأمر كواقع يمكن الإفادة منه، وهذا الأمر أسهم بشكل كبير في تعقيد الواقع الفلسطيني الداخلي لاسيما في قطاع غزة إذ أنه خلق حالة من الانقسام الداخلي حول جواز وشرعية العمل داخل الأراضي المحتلة كما أنه فتح الدنيا أمام الفلسطينيين المحرومين بسبب ممارسات الاحتلال، إذ أنه أوجد حالة من الرفاهية التي لم يألفها الفلسطينيين سابقاً وبات هناك انفتاحاً على الدنيا سيشكل عائقاً في الحراك الفلسطيني لتحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني.
وطوال الرواية كان الكاتب -السنوار- يستعرض بطولات الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل وكيفية بناءه لقدراته العسكرية البسيطة والتي أعتمد فيها على جهد ذاتي غاية في التعقيد، والتي كان يرصد من خلالها حالة التحوّل في توجه المقاومة ونمطها من مقاومة تتبنّى الشعارات الوطنية اليسارية لمقاومة دوافعها إسلامية عناصرها ممن ينتمون للتيار الإسلامي الذي يرى في الدفاع عن المقدسات قضية شرعية لا يمكن التراجع عنه.
وخلال الرواية أستعرض السنوار مجموعة من الأسماء المهمّة في تاريخ النضال الفلسطيني يتقدمهم يحيى عياش وجهاد عقل وغيرهم.
كما أنّه خلّد حياة أحد شخوص الرواية (إبراهيم)، والذي قاد نضالاً سلمياً وعسكرياً كجزء من التيار الإسلامي المقاوم للاحتلال الصهيوني حتى قضى في قصف لقوات الاحتلال.
ومن بين أسطر الرواية ينكشف للقارئ عمق فكرة المقاومة لدى كاتب الرواية، وحالة الرفض لأي مبادرة أو فكرة تنتهي لشرعنة الوجود الصهيوني على الأراضي الفلسطينية.
كما أن التمجيد بحالة المقاومة كفكرة ومنهج للحياة بغض النظر عن النتائج التي تنتهي إليها عملياتها أمراً واضحاً في كل أحداث الرواية، وهي تعكس جانباً مهماً من شخصية السنوار التي أظهرها الاعلام كشخصية قوية عاشقة للسلاح متباهية بحالة التصدي والمواجهة للمحتل في كل مرة.
هذه العقلية برزت مع نهاية الرواية كنهاية مفتوحة بمشهد توديع أهل غزة لأحد رموز العمل المقاوم فيها (إبراهيم) وإبراز حالة المقاومة كمنهج حياة لشعب القطاع متى ما استمر الاحتلال.