خاص: كتبت- نشوى الحفني:
صدمة عميقة أحدثها قرار الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، بتجميّد المساعدات الدولية الأميركية، نظرًا لما قد يترتب عليه من آثار مدمرة تمّس ملايين الأشخاص في مجالات أساسية مثل مكافحة (الإيدز) وتعليم الأطفال في “أوغندا” ومسَّاندة ضحايا الفيضانات في “جنوب السودان”.
وفور تنصيّبه وقّع على المرسوم الرئاسي؛ حيث قرر تعليق جميع برامج المسَّاعدة الخارجية لمدة ثلاثة أشهر، مستثنيًا المساعدات الغذائية الطارئة والمساعدات العسكرية لكل من “إسرائيل ومصر”.
وخلال هذه الفترة؛ ستُراجع إدارة “ترمب” منظومة المساعدات الدولية برُمتها، بهدف التأكد من امتثالها لسياسة “أميركا أولًا”، وهي خطوة تُثير منذ اللحظة قلقًا كبيرًا في الدول الأكثر فقرًا.
القرار أثار تساؤلات حول كيفية تعويض غياب تلك المعونات والمساعدات في حال تراجع الوكالة الأميركية عن الوفاء بالتزاماتها.
مصّير غامض..
أحد العاملين في “الوكالة الأميركية للتنمية”؛ رفض الكشف عن اسمه، قال إن هناك حالة غموض صعبة حول مستقبل عمل الوكالة الأميركية في “مصر” والدول المجاورة، مشيرًا إلى توقف العديد من المشروعات حاليًا في قطاعات الصحة والتغذية والتعليم وغيرها.
موضحًا في تصريح لموقع (24) الإماراتي؛ أن هناك مشروعات حيوية تعمل على تطوير قطاع التعليم سواء في “مصر والسودان” توقفت حاليًا، ولا أحد يعلم كيف سيتم استكمال الفترة التعليمية حاليًا لحين اتخاذ قرار بشأن مصّير المسَّاعدات عقب (03) أشهر من دراسة الوضع.
وأشار الموظف أنه لا توجد أي خريطة أو خطة حاليًا حول من سيَّعوض تلك الأموال لتيسّير المشروعات القائمة في العديد من المجالات التنموية ولا أحد يعلم شيء إلا بعد دراسة الأمر من قبل إدارة الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”.
يُضر بمصداقية “الولايات المتحدة”..
وبحسّب أجندة “ترمب”: (أميركا أولًا)، فإنَّ “أميركا” لن تموّل في المستقبل سوى المشاريع التي من المؤكد أنَّها تُزيد من قوة “الولايات المتحدة” وتجعلها أكثر أمانًا وأكثر ثراءًا.
ومنذ عودته إلى “البيت الأبيض”؛ تبنّى الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب” نهجًا قائمًا على القوة بدلًا من المسّاومة لتحقيق أهداف سياسته الخارجية.
وعلى الرغم من احتمالية استئناف تقديم المسَّاعدات بعد انقضاء المهلة، يُحذر ناشطون إنسانيون من تداعيات طويلة الأمد لانقطاعها، بينما يرى بعض الخبراء أن هذا القرار قد يضُر بمصداقية “الولايات المتحدة” بشكلٍ دائم، في وقتٍ تسّعى فيه دول كـ”الصين” لزيادة نفوذها في العالم النامي.
عواقب كارثية..
وأشار “بيتر وايسوا”؛ وهو عضو في شبكة (كومباشن كونيكتورز)، المعنية بالمساعدات الإنسانية في “أوغندا”، إلى أن مجرد أيام قليلة من توقف الأدوية قد تُفضي إلى عواقب كارثية، مضيفًا أن انقطاع الأدوية للمصابين بـ (الإيدز) لفترة وجيزة قد يُهدّد حياتهم.
كما أوضح أن بعض المدارس المدعومة من برنامج “التعليم للجميع” الأميركي؛ أبلغت التلاميذ مسّبقًا بعدم الحضور إلى الصفوف في ظل توقف التمويل.
وفيات بسبب الجوع والأمراض..
وفي “جنوب السودان”؛ حيث يضرب وباء (الكوليرا) وتجتاح الفيضانات مناطق واسعة تاركة آلاف السكان بلا مأوى، يُثير قرار “ترمب” مخاوف إضافية.
وقال “جيمس أكون أكوت”؛ وهو مدرس في دار للأيتام بمدينة “أوايل”، شمال البلاد، إن عدم التراجع السريع عن القرار قد يؤدي فعليًا إلى وفيات بسبب الجوع والأمراض، متسائلًا عن مصّير مشروعات الإغاثة الفورية وإعادة الإعمار.
مكافحة “الإيدز” وشكوك واسعة..
وتُعدّ “الولايات المتحدة”؛ منذ زمن طويل، أكبر مصدر للمسَّاعدات الإنمائية عالميًا، إذ منحت قُرابة: (64) مليار دولار عام 2023. ويبرز من بين أهم برامجها (بيبفار)؛ الذي أطلقه الرئيس السابق؛ “جورج دبليو بوش”، لمكافحة (الإيدز)، إذ يستّفيد منه مباشرة أكثر من عشرين مليون شخص مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية.
وعلى الرُغم من أن هذا البرنامج نجا على ما يبدو من تعميم قرار الإدارة الأميركية الجديدة، بفضل استثناءات منحها وزير الخارجية الأميركي؛ “ماركو روبيو”، لتشمل: “المساعدة الغذائية الطارئة” والمساعدات: “المنقَّذة للحياة” مثل توزيع أدوية (الإيدز)، فإن الصياغة غير الواضحة ما زالت تبعث بشكوك واسعة.
وأشارت الممرضة؛ “سوزي دزيمبيري”، في “مالاوي”، إلى أن سكانًا محليين بدؤوا بتخزين الأدوية المتوفرة، وأن منظمة (لايتهاوس) المحلية التي كانت توزع أدوية (الإيدز) قد أغلقت أبوابها.
وفي “واشنطن”؛ أكدت مساعدة برلمانية في “الكونغرس” تتابع ملف المساعدات الإنسانية أن التوجيهات ما زالت ضبابية، وأنه حتى انقطاع قصير قد يُهدد مخزونًا ضخمًا من الأدوية الجاهزة للتوزيع.
وقالت إن المبادرة المعروفة باسم (بيبفار)؛ كانت بمثابة: “خطة مارشال أميركية”، مشيرة إلى أن وقفها بمجرد قرار مفاجيء يُعطي الانطباع بأن “الولايات المتحدة” لا تكترث فعليًا، وقد يدفع الدول النامية إلى الاعتماد على قوى أخرى مثل “الصين” مستقبلًا.
وعند توقيعه آخر الإعفاءات هذا الأسبوع؛ أكد “روبيو” أن الإدارة لا تُريد رؤية أناس يموتون، لكنه شدّد على أن الجهات المستَّفيدة من المساعدات ستضطر لتبرير نفقاتها، قائلًا إن التعاون في الماضي كان محدودًا، وإنه يجب ضمان توافق الدعم مع “المصلحة الوطنية” الأميركية.
تمويه لخطة أوسع..
في المقابل؛ يعتقد البعض في “واشنطن” أن منح الأولوية للمساعدات “الطارئة” يموه خطة أوسع لوقف كافة أنواع التمويل الأخرى. وأفاد موظف كبير في منظمة أميركية؛ فضل عدم ذكر اسمه، بأن قطع المعونات يستهدف بالدرجة الأولى مجموعات محلية تفتقر إلى موارد مالية احتياطية، وهي تحديدًا ما كان المسؤولون الأميركيون يرغبون في دعمه.
“الصين” قد تملأ الفراغ..
من جانبه؛ توقع عضو “المجلس المصري للشؤون الخارجية”؛ السفير “رخا أحمد حسن”، أنه في حالة توقف المنح التعليمية المَّقدمة من “الوكالة الأميركية للتنمية”، ستتضاءل الفرص الممنوحة من قبل الحكومة الأميركية، وقد يتم تعويضها بمنح من قبل الدول الأوروبية الأخرى وكذلك “الصين” أيضًا.
موضحًا أن إدارة الرئيس الأميركي؛ “ترمب”، ستُعيّد ترتيب أوراق المساعدات المقدمة للدول المختلفة، ولن تمنعها تمامًا وفي حالة تضاءل تلك المساعدات سيكون هناك تدخلات من أطراف أخرى تسعى لتعزيز تواجدها في المنطقة.
وأشار “حسن” إلى أنه على المدى البعيد بإمكان “الصين” بشكلٍ خاص أن تملأ هذا الفراغ الموجود الآن، وهذا ما نراه كثيرًا في القارة الإفريقية، ونراه في مناطق أخرى أيضًا. وعلى هذا النحو يخلق “ترمب” فرصًا جديدة لـ”الصين”.
وعندئذٍ سيكون لدى “الولايات المتحدة الأميركية” تأثير أقل في العالم، وذلك لأنَّ أموال المساعدات تُعتبر أيضًا أداة للمشاركة في تشكيل سياسات البلدان الأخرى بما يخدم مصلحة الدولة المانحة.
وأكد السفير “رخا حسن”؛ أن هناك العديد من الدول التي ستستطيع الوقوف على قدميها وتتخلى عن المعونة الأميركية والتصدي لأي سياسات قد تكون متعارضة مع سياسات تلك الدولة.
يُذكر أن “مصر والأردن وأوكرانيا وإسرائيل” كانوا من أبرز الدول التي تلقت المساعدات الخارجية في العام الأخير لإدارة “بايدن”، وتضمنت المساعدات دعمًا مباشرًا لتحقيق الاستقرار العسكري والاقتصادي والسياسي، إضافة إلى المساعدات الإنسانية.
البرامج المتأثرة من تعليق المساعدات الأميركية..
تعمل داخل “إثيوبيا والصومال ونيجيريا”، إلى جانب الدول المجاورة في “إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى”، إذ يُقدّم برنامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية الذي تقوده “الولايات المتحدة”؛ والمعروف باسم (بيبفار)، والذي يُقّدر أنه أنقذ حياة (25) مليون شخص في جميع أنحاء العالم، الدعم للعامة، النظم الصحية.
برامج الإغاثة من الإيدز (PEPFAR)..
خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من (الإيدز) تُعدّ واحدة من أكبر البرامج التي تمولها “الولايات المتحدة” لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية؛ (HIV) و(الإيدز)، هذه الخطة تعمل في دول عديدة مثل “كينيا، جنوب إفريقيا، أوغندا، وزيمبابوي”، إذ توفر الخطة في “كينيا” وحدها، العلاج لنحو: (1.3) مليون مريض عبر أدوية مضادة للفيروسات القهقرية، كما أنها تموّل برامج توعية وتدريب لعشرات الآلاف من العاملين في القطاع الصحي، حسّب صحيفة (واشنطن بوست).
برامج مكافحة “الملاريا”..
ووفق بيانات “منظمة الصحة العالمية”؛ فإن المساعدات الأميركية في “إفريقيا” أساسية في تمويل جهود الوقاية من (الملاريا)، لا سيّما في “أنغولا، موزمبيق، والسنغال”، هذه البرامج تشمل توزيع الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية، وتوفير الأدوية اللازمة لعلاج (الملاريا)، بفضل هذه الجهود، شهدت الدول المستهدفة انخفاضًا كبيرًا في معدلات الوفاة الناتجة عن المرض. مع وقف التمويل، قد تفقد هذه الدول القدرة على إدارة حملات الوقاية والعلاج، مما يُهدّد حياة الملايين، خاصة الأطفال.
المساعدات الغذائية..
برامج الغذاء التي تمولها “الولايات المتحدة” تُعتبر شَّريان حياة لدول تُعاني من أزمات إنسانية مثل “اليمن، إثيوبيا، وجنوب السودان”، هذه البرامج تُقدم الغذاء لملايين النازحين واللاجئين، خاصة في مناطق الصراع، ففي “السودان”، تعتمد مخيمات النازحين بشكلٍ كبير على الدعم الغذائي الممول من “واشنطن”، تعليق المساعدات قد يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء، وارتفاع معدلات الجوع، وزيادة معاناة السكان المتأثرين بالنزاعات.
برامج دعم الطاقة في “موزمبيق”..
كانت “الولايات المتحدة”؛ قد تعهدت بمبلغ: (4.7) مليار دولار لدعم مشروع “الغاز الطبيعي المسَّال” في “موزمبيق”، هذا المشروع، الذي تُديره شركة (توتال إنرجيز)، كان من المفترض أن يسَّهم في تحسّين الاقتصاد المحلي، ويوفر آلاف فرص العمل، مع إعادة تقيّيم التمويل الأميركي، تواجه “موزمبيق” خطر خسارة استثمارات كبيرة قد تؤثر على تطوير البُنية التحتية للطاقة في البلاد، وفق (بلومبيرغ).
برامج التعليم والصحة في “نيجيريا”..
“نيجيريا”؛ التي تتلقى مساعدات كبيرة من “الولايات المتحدة”، تعتمد على هذه التمويلات لدعم برامج الصحة والتعليم، البلاد تحصل على نحو: (370) مليون دولار لدعم الصحة، (310) ملايين دولار كمساعدات إنسانية، و(24) مليون دولار للتعليم، الأموال التي تُستخدم في حملات تطعيم الأطفال، تحسّين خدمات الرعاية الصحية، وتطوير المناهج الدراسية.
التعاون العسكري وبرامج حفظ السلام التعاون العسكري بين “الولايات المتحدة” ودول إفريقية مثل: “كينيا”؛ يهدف إلى تعزيز قدرات الدول في مجالات مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن، مناورات عسكرية مخطط لها بمشاركة أكثر من: (20) دولة في “كينيا” كانت تهدف لتحسّين التنسّيق الإقليمي في مواجهة الأزمات.
وعلى مدى عقود كانت السياسة الأميركية تتمثل في أن المساعدات المقدمة للخارج تؤتي ثمارها من خلال تعزيز الأمن القومي، واستقرار المناطق والاقتصادات، وتحسّين العلاقات مع الشركاء، لكن العديد من المسؤولين في إدارة “ترمب” والمشّرعين الجمهوريين يعتقدون أن الكثير من المساعدات الخارجية هي أموال يجب إنفاقها أو ادخارها في الداخل.
قلق أوكراني..
أما في “أوكرانيا”؛ فقد حاول الرئيس؛ “فولوديمير زيلينسكي”، طمأنة المواطنين بأن الدعم العسكري الأميركي، الذي يلعب دورًا رئيسًا في الحرب ضد القوات الروسية، لن يتأثر بشكلٍ مباشر بتجميّد المساعدات، خاصة أن المساعدات العسكرية تُديرها “وزارة الدفاع” الأميركية، لكن البرامج المدنية التي تُديرها “وزارة الخارجية” الأميركية قد تتأثر، بما في ذلك الدعم المالي الذي يُساعد الحكومة الأوكرانية على الاستمرار في ظل الحرب المدَّمرة.
يُشار إلى أن “الولايات المتحدة الأميركية” تُعتبر هي أكبر مصدّر للمساعدات الخارجية في العالم بفارق كبير، على الرُغم من أن الدول الأخرى تقدم حصة أكبر من ميزانيتها، لكن “أميركا” تُقدم (04) من كل (10) دولارات يتم التبرع بها للمساعدات الإنسانية، إذ أكد عمال الإغاثة والمسؤولون المحليون والمحللون أن حجم التجميّد كان من الصعب استيعابه.