تعد مشكلة تأخر صرف رواتب الموظفين في العراق واحدة من أبرز المظاهر المزمنة للأزمات الاقتصادية والإدارية التي يعانيها البلد منذ عقود وتؤثر هذه المشكلة بشكل مباشر على ملايين العراقيين الذين يعتمدون على الرواتب الشهرية لتأمين احتياجاتهم الأساسية مما يزيد من حدة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي وتتفاعل هذه الأزمة مع عوامل سياسية واقتصادية معقدة تجعل حلها تحديًا كبيرًا للحكومات المتعاقبة.
ومن أسباب تأخر الرواتب في العراق هو الاعتماد شبه الكلي على إيرادات النفط حيث يعتمد العراق بنسبة تصل إلى أكثر من 90% من موازنته العامة على عائدات النفط مما يجعله عرضة لتقلبات الأسعار العالمية عند انخفاض أسعار النفط (كما حدث في أعوام 2014 و2020) وتواجه الحكومة عجزًا كبيرًا في الميزانية مما يعرقل قدرتها على توفير السيولة اللازمة لصرف الرواتب في مواعيدها.
ومن الاسباب ايضا الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية حيث يلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة بعد تحويل الأموال المخصصة للرواتب إلى مشاريع وهمية أو حسابات شخصية أو تُهدر في عمليات شراء غير ضرورية بأسعار مبالغ فيها مما يؤدي إلى نقص في السيولة.
وتعاني المؤسسات العراقية من إجراءات معقدة وبطيئة لصرف الرواتب حيث تتطلب عمليات التوثيق والموافقات في مرور الأوراق عبر عشرات الدوائر مما يتسبب في تأخيرات متكررة وخاصة مع وجود موظفين وهميين أو أشخاص يتقاضون رواتب دون عمل فعلي بسبب المحاصصة الحزبية والأزمات السياسية وعدم الاستقرار بين الكتل الحاكمة وتعطيل إقرار الموازنات السنوية (كما حدث في عامي 2021 و2023) يؤديان إلى شلل في العملية المالية بما في ذلك تأخير صرف الرواتب.
حيث تكون آثار تأخر الرواتب على المجتمع العراقي بتدهور الأوضاع المعيشية ومعاناة الموظفون من عجز في تغطية نفقات الأسرة مثل الإيجار والعلاج والتعليم مما يدفع الكثيرين إلى الاقتراض بفوائد مرتفعة أو بيع ممتلكاتهم وهو ما يزيد من معدلات الفقر .
لذلك يجب على الحكومة ان تضع حلولا لهذه المشكلة وإصلاح النظام المالي وتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط عبر تنشيط القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة وجذب الاستثمارات الأجنبية في مشاريع تولد فرص عمل وتزيد الإيرادات وايضا محاربة الفساد وتفعيل دور هيئة النزاهة ومحاسبة المسؤولين عن اختلاس الأموال وإلزام المؤسسات بنشر تفاصيل الإنفاق بشكل دوري عبر منصات مفتوحة وإجراء مسح شامل لعدد الموظفين الحقيقيين وإلغاء الوظائف الوهمية.
ولابد من تبسيط الإجراءات المالية وإقرار الموازنات السنوية في وقتها وضمان تخصيص نسبة ثابتة للرواتب وهذا لايأتي إلا بتخفيف الخلافات الحزبية التي تعطل العملية التشريعية وأن لاتتعمد بعض الكتل الحاكمة إبقاء الأزمة مستمرة لاستخدامها كورقة ضغط سياسي حيث أن تأخر رواتب الموظفين هو مشكلة معقدة ويجب على الحكومات والمؤسسات تحمل مسؤولياتها في ضمان صرف الرواتب في مواعيدها مع تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وفي الوقت نفسه يحتاج الموظفون إلى دعم مالي ونفسي لمواجهة التحديات التي يمرون بها. فقط من خلال التعاون بين جميع الأطراف يمكن التغلب على هذه المشكلة وتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي للموظفين وأسرهم.
وكما نؤكد بأن تأخر رواتب الموظفين في العراق ليست مجرد مشكلة مالية عابرة بل هو نتاج تراكمات سياسية واقتصادية تحتاج إلى إصلاحات جذرية تعالج جذور الأزمة وان يكون هناك بعض المبادرات الإيجابية وقوانين مالية تخصص لموازنة الرواتب وتنفيذها ولايوجد فيها تعقيدات وإن إنقاذ الموظفين من براثن هذه الأزمة يتطلب تعاونًا بين الحكومة والمجتمع المدني والدول الداعمة مع ضرورة وضع المواطن في صدارة الأولويات بعيدًا عن المكاسب السياسية الضيقة . وحمى الله العراق والعراقيين من الفاسدين .