11 فبراير، 2025 12:51 م

انتخاب الكوكاكولا… ضياع وتسليم للّاعقلانية

انتخاب الكوكاكولا… ضياع وتسليم للّاعقلانية

في قضية الخيار والتسليم للاعقلانية , تظهر الحاجة الى الإنسان المثقف بوعظه الأخلاقي والإنساني الذي ينتقد ويمنع النتاجات السياسية غير المدروسة من ان تعطل حياة الإنسان والمجتمع  , وما موقف المفكر الكبير نعوم جومسكي إزاء النتاجات السياسية الأمريكية التي رآها رعناء ويسودها الكذب والغموض عن الحقيقة  ,

إلا دليل على النهج الثوري الذي يجب ان يكون عليه الإنسانالمثقف في كل الأحوال ومن دون التنصل عن الإحتجاج او التحالف مع اي قوى تقوم بإنتاج تلك النتاجات الرعناء عندما تغفل وبعناد الضحايا من البشر جراء تنفيذها , لذلك فقد دوّن التأريخ وقفة جومسكي كوقفة للأدب بشكل عام ضد اللاعقلانية التي تقتل الإنسان بالحروب وبغيرها ,

ولكي نوجز ماجرى في العالم بهذه القضية , نبدأ بالمقارنة بينحركة تطور الفكر الإنساني والإجتماعي عندما كانت تحت ظلال عاقبة الشر التي ادت الى خراب اوربا والى التغيير في جغرافية المنطقة العربية قبل وبعد اتفاقية سايكس بيكو , وبين حركة الفكر الإنساني اللاعقلاني في خيار بقاءه على تطوير مبيعات شركة الكوكاكولا في هذه المنطقة بعد الإتفاقية بعينها وبعاقبة الشر نفسها بعد ان اخفتها في مشروبها منذ بدء التأسيس لهذه الشركة ,

ونكشف عما تحقق في الحركة الاولى على الصعيد الأدبي والعلمي والسياسي  بما يخدم الإنسان بالدرجة الأولى والبيئة المحيطة من حولة بالدرجة الثانية , وعما تحقق من تأثير على الصحة البشرية جراء عقوق الحركة الثانية ولجوءها الى القتل بسبب مبيعات الكوكاكولا السامّة في الأسواق العربية والدولية ابتغاءً للأرباح فحسب ,

مثلما فعلت عاقبة الحرب العالمية الثانية في زعم آخر هو  لإنقاذ الإنسانية من النازية , بينما الإثنان كانتا  بالضد من البيئة والإنسان ,  ومَن مِن  هاتين الحركتين كانت بوجهين في التعامل واقترب الآن قرار التخلي  عن قناعها لتلقيه عن وجهها الى الأبد ؟!

في مثل هذه المقارنة لا نلجأ الى تسطير إنجازات الحركة الأولىعلى الصعيد الأدبي والعلمي بشكل مفصل , فالإنجازات ليست شحيحة حتى تعد بأصابع اليد , ولكن بمجملها كانت بفكرة واحدة وان تشابهت في تناول المواضيع , إلا انها ظلّت  بوجهين متنافسينوكأن النزوع الإنساني دعا الى ذلك , احيانآ , لرفضه قبول ان تكون هذه المواضيع بتجربة ادبية او فنية – تشكيلية واحدة .

من هذا النزوع الخيِّر الى الإبداع , انبثقت اتحادات ادبية ومنظمات ومحافل قامت بإنتخاب العمل الأروع في سلّم الإبداعومن كِلا الوجهين الأدبيين والفنيين , والأشهر من الأعمال العلمية والتكنولوجية  التي تخدم الإنسان  وتحافظ عليه مخافة العدم ,

كما تحافظ على البيئة من ناحية  , لتكريمه وتوثيقه من الناحية التأريخية كتراث انساني خالد  يورَّث للأجيال , ومخافة ان تموت فكرة التنافس الإنساني بين البشر من ناحية اخرى , لذلك عمد الإنسان ذو النزعة القيادية الى تمجيد التنافس بجائزة نوبل التي خصصها في مجال الأدب والعلم والتكنولوجيا التي تقدم له المزيد من الخدمات في كافة المجالات ,

اما انجازات شركة الكوكاكولا التي انبثقت بالنزوع اللاعقلاني ,  كانت ومنذ تأسيسها على يد الصيدلي الامريكي جون ستيث بمبرتون عام 1886 , قائمة على استغلال الإنسان البسيط وذلك في فك تمفصلة مع صحته وعافيته ورفاهيته واستنزاف امواله لما تسببه له من امراض دون علمه ,

وقد تم كشف الاعيب هذه الشركة وتواطئها ميدانيآ مع شركات الأدوية العالمية فيما بعد واتضح انها ضمن مخطط  يدعو الى  ضخ الأدوية الخاصة بأمراض القلب وتصلب الشرايين وتسوس الأسنان وامراض الجملة العصبية التي توطنها الشركة اينما تبيع هذا المنتوج الشيطاني في العالم بشكل عام والوطن العربي بشكل خاص ,

فقد قايضت به اموال الناس بالأمراض بعد ان دسّت في تركيبتهالصناعية انواع من المخدرات والكحول وثاني اوكسيد الكاربون مع المُحَليات وخاصة مادة السبارتام والكوك المستخرج من  ورق نبتة الكولا التي تحتوي على الكوكايين كلما توسعت في مبيعاتها ,

ولكن لعدم وجود شهود من الشركة نفسها وخاصة ممن تأسّوا على ضحايا عاقبة هذا المشروب  ليبوحوا بشجاعة وعَبرةٍ انسانية عما فعلت تلك الشركة من مؤامرة على الشعوب الغافلة , فقد ظلتالشركة لاتعير اهمية لما يقال عنها , بل تجنبت انياب اللوم والنقدحتى في عدم حضور كبار مسؤوليها اثناء اللقاءات التلفزيونية ,

كما لم ترضخ الى أي إنتقادات من اي جهات سياسية عليا , إذ في لقاء تلفزيوني عبّر عن مراقبة حكومية مع السيناتور الامريكي بيرني ساندرز الذي قال مخاطبآ الدكتورة تيلي .. “ وهي احد المسؤولين بالشركة  وبيده قنينة كوكاكولا : يجب ان نتحلى بالشجاعة لمواجهة جشع الشركات المصنعة للأغذية والمشروبات التي تقوّض الصحة والرفاهية ,

واردف قائلآ ;  فهذا المشروب يحتوي على خمسة عشر ملعقة شاي من السكر , وهو اكثر بمرتين من المقرر يوميآ للأطفال تحت عمر 18 سنة وحتى البالغين مما يتسبب بداء السكري من النوع الثاني , ولكن المسؤولة لم تعر اي اهمية لتلميحه بكلمة الشجاعة لتبوح عماتعرفه عن مركبات مادة الكوكاكولا ,

بل اعتبرت ان مراقبته محض ترتيب اعلامي صوري , فقضت انتلوك التبريرات بنمط ترقيعي  دون ان يهتدي السيناتور الى ايدليل منها , لأنها من المؤكد كانت منتدبة وغير مستقلة لتهتم بالكشف عن حقيقة المشروب المصنّع ,

والى الآن لم يخلع احد من المسؤولين بالعالم قناع وجهها المدمر للطموح الإنساني في الصحة والرفاهية , لتبلغ الناس حقيقة هذا المشروب ذي الوجهين العادي والمُخدر , بل مازالت الشركة الى الآنتقوم بحملاتها الدعائية وتصرف مئات الملايين من الدولارات لإقناع المستهلكين على زيادة مشترياتهم ,

ومعها الناس واصحاب الدكاكين الذين ينتخبون هذه القنينة السامة التي اوجدها الصيدلي المريض جون , بشكل متكرر على الرغم من اضرارها الموثقة في وسائل الإعلام , وهذا التكرار بإنتخابها , بالطبع , يؤكد وجود تلك النزعة الإنسانية التي تميل الى اللامنطق وبمنهجية مريبة  في إختيار عاقبة الشر المجرّب وغير المرغوب فيه لتغذية الجشع والطمع لدى المنحرفين من التجار بدلآ من غيره.

بالرجوع الى ماتحقق على الصعيد السياسي في حركة تطورالفكر الإنساني  قبل وبعد معاهدة سايكس – بيكو , نرى ذات المنهجية حدثت في قبول انتخاب قائمة من الأنظمة السياسية التي جاءت بها مخططات امريكا وبريطانيا الى المنطقة العربية , بل وفي تجديد انتخابها على الرغم من كشف عمالتها امام الرأي العام سواء من مواقفها عن القضية الفلسطينية او التزاماتها ازاءالعموم من شعوبها في عدم انتمائها الى جهات معادية ,

ومن هذه القائمة الأنظمة السياسية المتوالية في العراق قبل ثورة 14 تموز 1958, وعند سقوط عبد الكريم قاسم ومقتله , جاءت مرة اخرى بأنظمة الأخوين عارف ومن بعد النظام البعثي , واخيرآ جاءت بالنظام السياسي في العراق بعد 2003 بقصد ان تضعالعراق كدولة بين مخالب محيطه العربي والإقليمي المشحون بالثارات الغابرة ,

فلم يسلم من نظريات المؤامرة والإنتهاكات القانونية والإرهاب ومن الوقوع بأيدي البعض من السياسيين اللصوص الذين قاموا بسرقة اموال الشعب بالإلتفاف على القوانين بالنشاطات الإقتصادية  فجعلوا من مشاريع اعمار مفاصل البلاد التي يديرونها كمصادر رئيسية لإيراداتهم المالية ,

ونصّبوا لهم قواعد انتخابية بحجج التعيين والقضاء على البطالة بشكل عشوائي وغير مدروس من الناحية الإقتصادية وفي ذلك انهكوا الموازنة المالية للدولة , فضلآ عن الكارتلات الإدارية التي تم تعيينها في الوزارات للقيام بإدارة الأنشطة التجارية نيابة عنهم , لتتلقى جزءً من الأرباح من تلك النشاطات , وهؤلاء تم كشفاليسير منهم في وسائل الإعلام بالجرم المشهود ,  

لذلك ان مانراه في منتج السياسة العربية منذ المعاهدة المشؤمة ,  لا يعبّر عن نزعة انسانية اخلاقية لدى البعض من السياسيين ,ولا عن مباديء ثورية تقارع الإنحرافات , بل يكرّس وخاصة في العراق على جوانب مؤذية للشعب وباعثة للشر وشأنه يعمد الى الغاء تلك النزعة الثورية للمحافظة على بقاءه ,

سواء يعلم او يتجاهل انه خاضع ومرتهن بالمشي وراء السياسة الأمريكية بلا ادنى سياسة ثورية ليصنع بذلك ما يضعضع من ثقة بينه وبين الشعب , اما الفاسدون  فتراهم بسبب فقدان هذه الثقة , ينشطون  بوجود وجهين متضادين لهم , فمرة يتظاهرون بالعفّة والنزاهة ويطالبون القضاء بمقاضاة الفاسدين وهم انفسهم فاسدون ,

اثناء اجراءات المراقبة الصورية الخاصة بالأعمال الحكومية لكسب ثقة الشعب ليستمروا من وراء ظهره بوجههم الثاني الفاسد ,  لعدم وجود شركاء ومنافسين مخلصين واكفّاء بينهم في ميادين العمل على الرغم من عديدهم ,  لذلك تحطمت الثقة بالحكومة بهذه المظاهر كما هو حال الثقة التي تحطمت بقنينة الكوكاكولا ,

ان تقيّد اي حكومة بالعالم بالمشي وراء السياسة الأمريكية , حتمآيلغي عقلانية الحكومة كما يلغي سيادة الدولة , وهو التقيّد نفسه الذي الغى عقلانية الناس انفسهم  ومن زمان عندما هرولوا  وراء انتخاب مشروب الكوكاكولا الأمريكي رغم علمهم انه لايصلح للإستهلاك البشري اليومي  ,

بل يصلح لغايات اخرى كتنظيف سطوح الطباخات الغازية والمجاري المنزلية والمقاعد البولية , وجربوا ذلك بأنفسهم ولكن من دون ضجة يقيمونها ضده سواء بمظاهرة على غرار المظاهرات التي اعدّوها ضد حكوماتهم ,

وهو تقيّد الفاسدين انفسهم , أيضآ ,  بالمشي وراء حكوماتهم وهميعلمون انها  مرتهنة بالسياسة الخارجية وخاضعة لها  , لأنهم يعلمون ان الحكومات المتهمة بالفساد والمهيمنة على مفاصل الدولة وخاضعة امام السياسة الأمريكية , هي التي توفر لهم الأمنوالبقاء على ممتلكاتهم التي حصلوا عليها بالسحت الحرام ,

كما وفرت الأمن والبقاء على تداول مشروب الكوكاكولا ليبقى حيآ بالأسواق , وهذا يلخص ان الحكومات لها اعذار شتى تقنع بهانفسها وهي اولآ ; ان للمواطن حريته في الإنتخاب للمشروب او للسياسيين الفاسدين , لكي يعرض الناس في الاولى نقودهم اولآلشرائه دائمآ , وليتسع المعروض النقدي المرتبط بقيمة النقد المتداولة وبكل المعاملات المصرفية ثانيآ , وفي الثانية ليتذرع بتطبيق الديمقراطية ,

وفي الأثنين سياسة تراجعية لاعقلانية , وسياسة نقدية تعدّ لديهممن اهم ادوات السياسة التي تتبعها أي إدارة سياسية مرتبطة  بالمحتل او الخارج لكي تهدّأ , على الأقل ,  من التوترات التجارية معه , إذ لامخرج لديها للإبتعاد عما يجري في إقتصادها والدولة العوبة بيد امريكا والفاسدين .

ختامآ , ان التواطيء السيء بين الحكومات والفاسدين على طريقة تواطيء شركة الكوكاكولا مع الشركات العالمية لتصنيع الأدوية , وبقاء الناس على انتخاب الفاسدين كإنتخابهم لمشروب السعادة ( الكوكاكولا ) والبعد عن العقلانية وعن المباديء الثورية ضد التوجهات الأمريكية في كل جزئية من جزئيات السياسة والإقتصاد , انما هو هدف المغفلين الذين اختاروا قيمآ مشتركة بينهم لضياعانفسهم ودولهم واحدى هذه القيم هي البقاء على خيار التسليم للّاعقلانية ,

والإستسلام امام انتخاب قناع شركة الكوكاكولا وبقاءه ملتصقآ في وجهها , وامام انتخاب الفاسدين وسياسة الفساد والإستنتاجات غير الناضجة للدول الخاضعة لأمريكا , وهذا كله بسبب اغماض العينين عما يقوله اقران العالم جومسكي الذينيقضون اناء الليل والنهار بالكتابة ولايجدون مما يعبّرون  أو ينتقدون من آثار على تلافي المغفلين لأخطائهم , او آثار على تلافي الأخطاء في السياسة الخارجية والداخلية لبلدانهم .  

أحدث المقالات

أحدث المقالات