خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
ضم (غرينلاند)؛ وتغييّر اسم “خليج المكسيك” إلى “خليج أميركا”، وادعاء ملكية قناة (بنما)، والضغط لتحويل “كندا” إلى ولاية أميركية، وإعلان حالة الحرب على الحدود مع “المكسيك”، وإغلاق الحدود الأميركية في وجه المهاجرين، وخفض مستوى الالتزام الأميركي تجاه حلف الـ (ناتو) والضغط على أعضاء الحلف لمضاعفة نصيّبهم، والتراجع عن الالتزامات البيئية والعودة لـ”الوقود الأحفوري”، والزيادة المرتقبة في تعريفة السلع المستوردة حتى الواردات من “الاتحاد الأوروبي”، وغيرها من إجراءات الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، الصغيرة والكبيرة، ليست عارضة أو نابعة عن سليّقة شخصية، وإنما تعني في الواقع أنه بصدّد بناء جدار حول “الولايات المتحدة الأميركية”، وكأنه يُريد فصل “أميركا” تمامًا عن العالم الخارجي !! لكن لماذا ؟!. بحسّب ما استهل الدكتور “حافظ حاجي كريم جباري”؛ السفير الإيراني السابق في “سويسرا”، مقاله التحليلي المنشور بصحيفة (الدبلوماسية الإيرانية).
منافسة أميركا في نظام عالمي جديد..
الإجابة تكمن في التحديات الناتجة عن ضغوط المتنافسين على النظام القائم بهدف زيادة دورهم وحصتهم في نظام عالمي جديد يتشّكل تدريجيًا وتظهر أبعاده ببطء.
وستظل “الولايات المتحدة”، لعقدين آخرين على الأقل، القوة العسكرية العُليا في العالم. وما تزال “أميركا” إلى الآن؛ صاحبة أكبر ناتج محلي داخلي. وسوف تُحافظ على تفوقها عبر الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الجديدة مثل “الذكاء الاصطناعي”.
و على الأقل في هذا المقال؛ بل ليس هدفنا، القول إن “أميركا” ضعيفة وبتواجه الأفول، ولكن بغض النظر عن أفول “أميركا” أو صعودها، فالأطراف الفاعلة الجديدة تُمثل تحديًا للنظام العالمي؛ إذ تطلب (بالنظر إلى زيادة إمكانياتها وقدارتها) إلى النظام الدولي و”الولايات المتحدة” زيادة دورها.
زيادة دور المنافسين..
والواقع أنه كلما زادت قوتهم وقدراتهم، يسعون بنفس مستوى هذه الزيادة للحصول على دور ومنفعة أكبر.
على سبيل المثال تلعب “الصين، والهند، والبرازيل، وإندونيسيا، وتركيا، ودول جنوب شرق آسيا”؛ (آسيان)، والسوق المشتركة لدول “أميركا الجنوبية”؛ (ميركوسور)، أدوارًا أقل في النظام الدولي مقارنة بقوتها وقدراتها الفعلية.
في المقابل تلعب “بريطانيا، وفرنسا، وروسيا” وأمثالهم دورًا أكبر من إمكانياتهم الواقعية؛ بل لا يمكن استثناء “الولايات المتحدة” من هذه القاعدة. من ثم يُمثل الفاعلين الجدذًد تحديًا للنظام القائم.
ولا نقول إن “أميركا” أصبحت ضعيفة؛ بل إن هناك قوى جديدة قد ظهرت وتزداد قوة يومًا بعد آخر، وبالتالي تُريد حصة أكبر.
رد الفعل الأميركي..
لذلك فإن “أميركا” مضطرة إما إلى تشَّكيل “كونسرت قوى” معها وتقسّيم الحصص، أو أن تُقاوم وتستخدم أقصى طاقاتها لمنع هؤلاء المتنافسين من تحقيق أهدافهم، وتؤجل قدر الإمكان فترة تقاسم الأدوار والمصالح، وذلك للحفاظ على موقعها المهيًّمن الحالي لأطول فترة ممكنة.
ومن الواضح أن “ترمب” قد اختار الطريق الثاني ويستخدم سياسات قاسية وحادة لهذا الغرض. في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار حقيقة أن ديون “أميركا” قد تجاوزت سبعة إلى ثمانية أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وأن إعادة تأهيل البُنية التحتية المتدهورة في “أميركا” يتطلب عشرة تريليونات دولار.
لذلك يسعى “ترمب” إلى تقليل تكاليف “أميركا” وزيادة الإيرادات من خلال الرسوم الجمركية وما شّابه ذلك، واستخراج الأموال من العرب وغيرهم.
إلى أي مدى تستطيع أميركا الصمود ؟
وبالتالي، أرى أن سياسات الرئيس الأميركي نابعة عن متطلبات وواقعيات “أميركا” اليوم، وأعتقد أن هناك فكرًا وفلسفة خاصة تنبع من عمق الحزب (الجمهوري) تقف خلف هذه السياسات والبرامج. لكنهم يعلمون جيدًا أن هذه السياسات وتلك المخططات، هي بمثابة جراحة صعبة وسوف تتسبب في ألم ودماء كثيرة.
وعليه فالسؤال الذي يشغل بال النخبة الأميركية حاليًا هو: إلى أي مدى تستطيع “الولايات المتحدة” تحمل الضغوط الناجمة عن هذه السياسيات ؟ وهل يمكن بالفعل إرجاء موعد تقسّيم الأدوار والمصالح مع القوى الناشئة عبر هذا الأسلوب ؟ وإلى متى ؟