1 فبراير، 2025 7:00 م

حرب الذكاء الاصطناعي بين “واشنطن” و”بكين” .. إلى أين يمكن أن تصل ؟

حرب الذكاء الاصطناعي بين “واشنطن” و”بكين” .. إلى أين يمكن أن تصل ؟

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

وسط حرب تكسّير العظام المستمرة بين “الصين” و”واشنطن” على كافة المجالات، تدخل التكنولوجيا لتأخذ دورها بين البلدين، لمِا لها من أهمية تداخلية في المجالين العسكري والمدني، الأمر الذي يُثير العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن يصل إليه البلدين ؟، بل وهل يتم التعاون بينهما أم تستمر النزعات التنافسية التي تُسيّطر على المشهد بين قوتين عظميتين تتنافسان للسّيطرة على العالم ؟.

“بلال صعب”؛ مدير مكتب (تريندز) في “الولايات المتحدة الأميركية”، و”ناتاشا أحمد”؛ مستثمرة في تكنولوجيا الدفاع ورئيسة شركة (Epirus)، يقولا أنه رُغم المناقشات حول الانفصال الاقتصادي، تظل الدولتان مترابطتين بعُمق، وستُلقي أي حرب بظلال كارثية على الدولتين.

وتناول الكاتبان في مقال مشترك بموقع مجلة (ناشيونال إنترست) الأميركية؛ استراتيجية: “السلام من خلال الحافة”، وهي تُشبّه استراتيجية “السلام من خلال القوة” التي تبناها “ريغان”، حيث تُحافظ “الولايات المتحدة” على التفوق التكنولوجي مع تعزيز المنافسة المسؤولة.

وبعد أن نجحت “الصين”؛ خلال العقدين الماضيين، في تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي على مستوى العالم، وبخاصة في دول الجنوب، تتحدث دوائر صناعة القرار والفكر الاستراتيجي الأميركي عن ضرورة إيجاد السبُل المناسبة لمواجهة هذا التحدي.

التعاون في “الذكاء الاصطناعي”..

وأوضح الكاتبان أن التقدم في مجال “الذكاء الاصطناعي” يُمكن توجيهه من خلال إطارات أساسها السوق تُكافيء الإبداع وتُعاقب السلوك غير المسؤول. وبدلًا من صراع محصَّلته صفر، ينبغي لكلتا القوتين الاستفادة من “الذكاء الاصطناعي” في التعاون لدفع النمو الاقتصادي مع تجنب زعزعة الاستقرار.

ولفت الكاتبان النظر إلى أن “الذكاء الاصطناعي” يأتي ضمن الصراع الأوسع بين “الولايات المتحدة” و”الصين” حول النفوذ العالمي ونماذج الحكم، فالنهج الأميركي مدفوع بالسوق، ويُفضل ابتكار القطاع الخاص مع الحد الأدنى من تدخل الحكومة.

أما النموذج الصيني، فتقوده الدولة، ويُسيّطر عليه الحزب (الشيوعي) بإحكام، ومع ذلك لا يزال يُركز على الابتكار. بحسب رؤية الكاتبان المضللة.

استخدام “أشبّاه الموصّلات” كساحة للمعركة..

تقع “أشبّاه الموصّلات” في قلب تطوير “الذكاء الاصطناعي”، وفرضت “الولايات المتحدة” حظرًا على تصدير أدوات تصنيع الرقائق عالية التقنية للحد من قُدرة “الصين” على الوصول إلى “أشبّاه الموصّلات” المتَّقدمة.

ومع ذلك؛ فإن هذه القيود تُعطل سلاسل التوريد العالمية وتخلق توترات مع حلفاء “الولايات المتحدة” في “آسيا”.

وتوقع الكاتبان أن تُشدّد إدارة “ترمب” الثانية القيود المفروضة على صناعة “أشبّاه الموصّلات” في “الصين”.

خيارات صينية بديلة..

ومع ذلك؛ فإن “الصين” لا تعدم الخيارات البديلة. فبينما تمتك شرائح “ذكاء اصطناعي” أقل من حيث القُدرات والموارد عن مثيلتها لدى شركة (إنفيديا) الأميركية، تهيَّمن “الصين” على إنتاج “أشبّاه الموصّلات” القديمة وتستثمر (47) مليار دولار في تصّنيع الرقائق المحلية.

بالإضافة إلى ذلك؛ تتجاوز “بكين” العقوبات الأميركية باستخدام خدمات الحوسبة السحابية لـ”الذكاء الاصطناعي” للوصول إلى الحوسبة عالية الأداء.

الذكاء الاصطناعي” بالاستراتيجية العسكرية..

كذلك سلّط الكاتبان الضوء على الطريقة التي يُحدِث بها “الذكاء الاصطناعي” ثورة في إدارة الحرب، على الرُغم من أنه لا يُغيّر الطبيعة الأساسية للحرب نفسها، وأشارا إلى أن “الذكاء الاصطناعي” يُساعد على اتخاذ القرار بشكلٍ أسرع، وتحسّين تحليل الاستخبارات، والكشف المبَّكر عن التهديدات.

غياب الدور الأوروبي..

أشار الكاتب السياسي؛ “جنان غانيش”، إلى غياب دور “أوروبا” عن النقاشات التي أطلقها نموذج “الذكاء الاصطناعي”؛ (ديب سيك)، هذا الأسبوع، حول الصراع التكنولوجي بين “واشنطن” و”بكين”، رُغم أن القارة الأوروبية تمتلك حصة مماثلة من الناتج الاقتصادي العالمي لكلتا القوتين.

ويمُكن لـ”الذكاء الاصطناعي” القيام بتجميع صور الأقمار الصناعية، وتقديم ملخصات استخباراتية، وجمع بيانات وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بالتهديدات. وهذه القُدرات حاسمة في الحرب السيبرانية، حيث تتكيف الأنظمة التي تعمل بـ”الذكاء الاصطناعي” باستمرار مع الهجمات.

كما تعمل محاكاة التدريب العسكري التي تعمل بـ”الذكاء الاصطناعي” على إعادة تشكيل جاهزية القتال. تستخدم القوات في جميع أنحاء العالم ألعاب الحرب التي تعمل بـ”الذكاء الاصطناعي” للاستعداد لسيناريوهات المعركة المعَّقدة.

ساحة المعركة..

وأشار الكاتبان إلى استخدام “أوكرانيا”؛ لـ”الذكاء الاصطناعي”، في دفاعها ضد “روسيا”. فقد ساعدت أنظمة الاستخبارات التي تعمل بـ”الذكاء الاصطناعي” القوات الأوكرانية في تحليل تحركات القوات الروسية وتنسّيق الهجمات بكفاءة أكبر.

عسّكرة “الذكاء الاصطناعي”..

واستخدمت “إسرائيل”؛ “الذكاء الاصطناعي”، ضد (حماس) و(حزب الله) في الشرق الأوسط.

ويستخدم الجيش الإسرائيلي قاعدة بيانات “الذكاء الاصطناعي”؛ (لافندر)، لتحديد عملاء (حماس) و(حزب الله) المَّحتملين، ونظام استهداف “الذكاء الاصطناعي”؛ (غوسبل)، لتحديد البُنية التحتية للمتَّشددين، وطائرات دون طيار مستقلة للقتال الداخلي عن قُرب.

في الوقت نفسه؛ في مجال الأمن البحري، قام الأسطول الخامس للبحرية الأميركية بدمج “الذكاء الاصطناعي” في فرقة العمل (59)، التي تستَّخدم أنظمة مراقبة دون طيار بمساعدة “الذكاء الاصطناعي” لمراقبة المياه الإقليمية.

وأدت العسكرة السريعة لـ”الذكاء الاصطناعي” إلى سبّاق تسلح في هذا المجال، مما أدى إلى زيادة التوترات العالمية. ويخلق كل تقدم في المجال حالة من عدم الاستقرار الاستراتيجي، مما يُجبر الدول على مطابقة أو تجاوز قُدرات منافسيها.

إنشاء أطر لحوكمة الاصطناعي الذكاء..

وللتغلب على هذا الأمر، أكد الكاتبان ضرورة أن تقود “الولايات المتحدة” عملية إنشاء أطر حوكمة لـ”الذكاء الاصطناعي” مفتوح المصدر.

ويجب أن تتسم هذه الأطر بتشجيع المنافسة وتطوير “الذكاء الاصطناعي” الأخلاقي لمنع إساءة استخدام “الذكاء الاصطناعي” للتصعيد العسكري.

في حين قد ينظر البعض بسذاجة إلى إمكانية التعاون في مجال “الذكاء الصناعي” بين “أميركا” و”الصين”، يقول الكاتبان إنها خطوة استراتيجية ذكية، فمن خلال قيادة أطر حوكمة “الذكاء الاصطناعي”، تستطيع “واشنطن” الحفاظ على التفوق التكنولوجي على “الصين”، واستقرار المنافسة في مجال “الذكاء الاصطناعي” لتجنب التصعيد المتهور، وتأمين الزعامة الغربية في اقتصاد “الذكاء الاصطناعي” العالمي.

استعادة هيبة “أميركا” التقنية..

وحيّر تطبيق “الذكاء الاصطناعي” الصيني؛ “الولايات المتحدة” وعمالقة التكنولوجيا فيها، من (غوغل) إلى (إنفيديا) رائدة الرقائق الإلكترونية الفائقة، وصولًا إلى الرئيس “ترمب”، الذي أبدى قلقًا كبيرًا، وحذر من التالي، وأمر بالاستعداد لاستعادة هيبة “أميركا” التقنية.

وبدلًا من تقييّد وصول “الصين” إلى “الذكاء الاصطناعي” ببسّاطة، ينبغي لـ”الولايات المتحدة” استخدام: “السلام من خلال التفوق” لموازنة المنافسة بالاستقرار، وضمان بقاء “الذكاء الاصطناعي” قوة للتقدم وليس الصراع.

استغلال إمكانيات القطاع الخاص..

وفي تقرير لـ”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأميركي؛ تسعى كل من “الصين وروسيا” للعب دور أكبر في هذا النوع من الحروب، من خلال دمج الابتكارات التجارية في استراتيجياتها العسكرية، في الوقت الذي تواجه فيه “الولايات المتحدة” تحديات في استغلال إمكانيات القطاع الخاص لتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية.

وبحسّب التقرير؛ لم تستغل “الولايات المتحدة” القطاع التجاري بشكل كافٍ لتنفيذ عمليات حرب غير نظامية ضد “الصين وروسيا وإيران”، بسبب الحذر المَّفرط، والإجراءات البطيئة في التعاقدات، وضعف الفهم للتطورات التكنولوجية.

في المقابل؛ تستثمر “الصين” بشكلٍ مكثف في “الذكاء الاصطناعي” والحوسبة الحكومية، وتُعزّز قُدراتها في العمليات السيبرانية والتأثيرية، مما يُشكل تحديًا متزايدًا للمصالح الأميركية.

استراتيجية “الاندماج العسكري-المدني”..

وأشار التقرير إلى أن “الصين” تعتمد استراتيجية: “الاندماج العسكري-المدني”، التي تربط قطاعيها الصناعيين العسكري والمدني لتعزيز قُدراتها الدفاعية، كما تتعاون مع “روسيا وإيران وكوريا الشمالية” في تطوير تقنيات عسكرية واستخباراتية مزدوجة الاستخدام، مما يُعقد العمليات الأميركية حول العالم.

تشتمل استراتيجية “الاندماج العسكري-المدني” الصينية على ستة محاور رئيسة:

– دمج القاعدة الصناعية الدفاعية بالصناعة التجارية لخلق بُنية تحتية موحدة تُعزّز الابتكار العسكري.

– توظيف الابتكارات التكنولوجية عبر القطاعات المدنية والعسكرية لتسّريع التطوير الدفاعي.

– إعداد كوادر من الخبراء في المجالات المدنية والعسكرية لضمان تبادل المعرفة.

– تحديد متطلبات عسكرية ضمن الجهود المدنية والاستفادة من القُدرات التجارية لأغراض عسكرية.

– استغلال خدمات وقدرات اللوجستيات المدنية للأغراض العسكرية، مثل أنظمة النقل والاتصالات.

– تعزيز نظام التعبئة الوطنية ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية استعدادا للحروب المستقبلية.

تطوير تقنيات “الذكاء الاصطناعي”..

كما تعمل “الصين” على تطوير تقنيات متقدمة تشمل “الذكاء الاصطناعي”، والحوسبة الكمية، والبيولوجيا التركيبية، والطاقة الجديدة، مما يُزيد من تعقيّد العمليات العسكرية الأميركية في البيئات المتنازع عليها.

وقد نشرت “بكين” بالفعل أنظمة مراقبة إلكترونية تعتمد على “الذكاء الاصطناعي” لتعزيز عمليات الحرب السيبرانية والتأثير المعلوماتي، بما في ذلك استخدام البيانات الضخمة والتزييف العميق.

وتعمل “الصين” على دمج البيانات الضخمة و”الذكاء الاصطناعي” ضمن شبكة القيادة والسيّطرة، والاتصالات، والاستخبارات والاستطلاع.

وتعتمد استراتيجية الحرب المعلوماتية على تحقيق التفوق في المراحل المبكرة من الصراعات، حيث طوّر باحثون في “جيش التحرير الشعبي” أدوات ذكاء اصطناعي قائمة على نموذج (Llama) مفتوح المصدر من شركة (Meta)، لتعزيز عمليات المعلومات والدعاية.

التحديات في الفضاء..

نفذّت “الصين” (67) عملية إطلاق فضائي في عام 2023، وهو رقم قياسي في تاريخها، لتعزز قدراتها في أنظمة الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، والإنذار الصاروخي، والاستطلاع، والحرب الإلكترونية، إضافة إلى قدرات مضادة للأقمار الاصطناعية تشمل أنظمة التشويش والطاقة الموجهة والصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية.

دور القطاع التجاري في الحرب غير النظامية..

خلال الحرب الباردة كان التمويل الدفاعي الأميركي يتركّز في شركات مثل (DARPA). لكن منذ أواخر 2010 تحوّل الاستثمار نحو رأس المال المَّغامر والأسهم الخاصة، مما أتاح فرصًا كبيرة لتطوير تقنيات غير نظامية.

واستثمرت شركات مثل (Microsoft وAmazon وGoogle) في تطوير الفضاء، والسيبرانية، و”الذكاء الاصطناعي”، والأنظمة المستقلة لدعم العمليات غير النظامية.

وبين عامي (2013 و2023) ارتفعت قيمة الاستثمارات في التقنيات الدفاعية من: (1.9) مليار دولار إلى: (35) مليار دولار، مع تركيز على الحوسبة المتقدمة، والأمن السيبراني، وتقنيات الفضاء.

يُمثل القطاع التجاري الناشيء في “الولايات المتحدة” ودول أخرى فرصًا هائلة للوكالات الحكومية الأميركية المنخرطة في الحروب غير النظامية. وقد عززت منظمات مثل (In-Q-Tel) ووحدة الابتكار الدفاعي (DIU) صلة الحكومة بالقطاع التجاري، لكن لا تزال هناك عقبات كبيرة تعيَّق التعاون.

تجنب المخاطر..

ولا تزال هناك نزعة كبيرة في المؤسسات العسكرية والاستخباراتية لتجنب المخاطر عند التعاون مع القطاع التجاري، وغالبًا ما تُفرض السياسات الحكومية والقيود القانونية عراقيل تعيَّق الاجتماعات المباشرة مع الشركات لفهم الابتكارات الجديدة، وفي بعض الأحيان يُفرض المستشارون القانونيون الحكوميون قيودًا غير ضرورية على الاجتماعات أو حتى على تقديم العروض التوضيحية من قبل الشركات الخاصة.

وخلص التقرير إلى أنه لتعزيز قدراتها تحتاج “الولايات المتحدة” إلى إعادة هيكلة التعاون مع القطاع التجاري وتجاوز العقبات البيروقراطية، حيث يوفر القطاع مزايا في الابتكار والمرونة والقدرة الإنتاجية.

كما يتعين على القوات العسكرية والاستخباراتية تطوير تقنيات جديدة في مجالات مثل “الذكاء الاصطناعي”، والطائرات المُسيّرة، وأنظمة الاتصالات الآمنة، لتعزيز قُدرتها على مواجهة التهديدات غير النظامية بفاعلية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة