28 فبراير، 2025 9:39 م

“محمد الطوبي”.. له قصائد رقيقة عكست روح الإحساس

“محمد الطوبي”.. له قصائد رقيقة عكست روح الإحساس

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد الطوبي” شاعر مغربي. ولد عام 1955 في القنيطرة، أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي بها، ثم عمل موظفا بدار الثقافة. بدأ نشر نصوصه الأولى في أواسط السبعينيات في بعض الصحف المغربية والمجلات العربية والأوربية في القاهرة، وبيروت، ودمشق، وبغداد، والكويت، والرياض، وطرابلس، وتونس، والجزائر، وباريس، ولندن، وقبرص. ترجمت بعض أشعاره إلى الإسبانية كما شارك في العديد من الملتقيات المغربية، والعربية في المربد وجرش والجزائر وتونس. توفي في 7 يناير 2004 ودفن في مسقط رأسه بمدينة القنيطرة. “محمد الطوبي” لم يتخرج من الجامعة وإنما اعتمد على ذاته وتملك لغته، لم ينحرف عن مساره وظل وفيا لنهجه.

المنسي..

في مقالة بعنوان (محمد الطوبي.. الشاعر المغربي المنسي) كتب “عمر الراجي”: “في السابع من يناير- كانون الثاني 2004 غيب الموت شاعرا من شعراء المغرب الكبار، شاعر بروح ملتهبة ترك بصمة خاصة جدا على صفحات الكتابة الشعرية المعاصرة في العالم العربي ككل، أقول العالم العربي لأن محمد طوبي لم يكن شاعرا مغربيا بالمعنى القطري الضيق، ولم يكن شاعرا «مؤسساتيا» حتى ننسبه لجهة رسمية ما، لقد كان على العكس من ذلك كله شاعرا حرا ممتد الوجدان وخفيف الحضور.

برع في القصيدتين العمودية والتفعيلية في وقت كان فيه صوت الحداثة أقوى، وظل في كل دواوينه  وهي كثيرة  وفيا للإيقاع الموسيقي محافظا على جرس العروض في قصائده المرسلة بحرية كأنها شلال من التفاصيل الصغيرة التي تصبح بقدرة اللغة عنصرا مركزيا يرسم لوحة من خرافات الأدب البهيجة. لقد كان شعر الطوبي ذا منحى تصويري موغل في المجاز البعيد، سطور قصائده الطويلة كانت تخلو تماما من أي هامش للخطابة، لا صوت يعلو على همس الرمز ونبضات الاشتياق المجروح بالحرمان والفضول.

وبالقياس إلى الفترة التي كان ينشر فيها الطوبي قصائده منذ مطلع الثمانينات، يمكننا القول إنه الشاعر المغربي الأكثر اشتغالا على تحديث البنية الجمالية داخل القصيدة الإيقاعية الموزونة، لقد سبق محمد الطوبي زمنه الشعري بالنظر إلى هذا الجهد الجمالي الرفيع، وظل في النهاية حيا ونشيطا كأرواح الشعراء الحقيقيين متعاليا على حاجز الموت وعصيا على التجاوز”.

هذا انخطافي..

وتضيف المقالة: “«في وقتك الليلكي هذا انخطافي»، هذا الديوان الذي نشره الشاعر عام 1987 كان أول ثمرة قطفتها من بستانه المليء بقصائد الذات المعذّبة والعاشقة، وكان أول ما لفت انتباهي في هذا الديوان هو شكله، لقد كتبت كل قصائده بخط اليد.. محمد الطوبي لم يكن شاعرا فحسب، بل كان خطاطا ماهرا، وقد حرص على أن يستضيف هذا العنصر الجمالي الأخاذ في ساحة الشعر التي اختارها لنفسه كي تكون فضاء صوفيا تخلد فيه الروح إلى نفسها رغم كل ما في الأمر من قلق ومن حزن سرمدي لا حدود للألم فيه.

كان الطوبي يقول إن الشاعر لا يحزن لكونه شاعرا، بل لكونه عاش على الأرجح في الوقت الخطأ! لم ينل الطوبي في اعتقادي ما يستحقه من اهتمام في بلده كما لم يجد ما كان يصبو إليه من الانتشار في البلدان العربية الأخرى، لم تخلّد محافل الشعر المغربية ذكراه كما يليق ولم تدرس قصائده في مناهج التعليم المعتمدة رغم كونها تستحق، فهي تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل القصيدة الشعرية في المغرب، لكن العديد من الشعراء اليوم من جيل الشباب تحديدا باتوا يحفظون قصائد الشاعر المنسي ويقرأون نتاجه بفضول ويتأثرون به إيجابا.

من يقرأ قصائد الطوبي ستلفحه لا محالة نار تلك الذاتية الحارّة وسيلتهب في روحه المجاز الذي كان سقف المنتهى وبريد الوصول إلى سماءِ اللذة”.

الألم والشعر..

في حوار معه لصحيفة “الزمان”  أجراه “عبد الحق بن رحمون” يقول “محمد الطوبي” عن هذه سيرة عاشها مع المرض وهل ترجمة هذه اللحظات في صورة شعر صعبة: “سيرة المرض عشتها أتأمل علاقتي بالعالم بالآخرين، في لحظة صعبة كتلك عرفت من هم أصدقائي الحقيقيين الذين لم يغيبوا عني أبدا كانت الزيارات والهواتف، في حين أن آخرين في مقاهي الرباط كانوا يشيعون أني في إحدى مصحات باريس أو أني مرتاح في جناح ملكي وهؤلاء لم يزرني منهم أحد ولا حتى هاتفني” ماذا لقيت من الدنيا وأعجبه – أني بما أنا شاك منه محسود” كما قال المتنبي.

الإنسان كائن هش وجسده قابل للأعطاب بسهولة، اجتزت مرحلة كانت قواي الجسدية منهارة تماما وأجد صعوبة في التنفس، وفي فترة العلاج كانت المواد الكيماوية التي أحقن بها تصيبني بنوم عميق ولما أفيق يكون ذهني شاردا ومشوشا، لهذا ولحد الآن لا أستطيع الكتابة عن سيرة المرض لأني في وضع نفسي فيه الكثير من الشرود”.

التجريب..

وعن رأيه في قصيدة النثر والتجريب الشعري يقول: “أنا مع التجريب في كتابة القصيدة لكن ضمن شروط فنية معروفة، هناك ركام من الرداءة باسم التجريب الشعري لاقت رواجا في الصحف والمجلات، من المعروف أن القصيدة لها قواعد متعارف عليها سواء بالعربية أو بأية لغة أخرى، فلا يمكن أن نعتبر أي خربشات يكتبها من هب ودب قصيدة”.

وعن المرأة التي تقيم إقامة دائمة في قصيدته يقول: “هناك امرأة القصيدة قد تشبه القصيدة وقد لاتشبهها، المرأة وطن نسكن إليه، ليس لي شهرزاد ولا أحتاج إلى شهرزاد، هناك امرأة تستحق أن تسكن القصيدة، وهناك من تستحق اللعنة.

للذكري..

وفي مقالة بعنوان (للذكرى ليس إلا الشاعر محمد الطوبي) كتب “إدريس ولد القابلة”: “”استطاع الشاعر الكبير “محمد الطوبي” أن يزف الصوت الشعري المغربي إلى العالم العربي وأن يوصله نديا بهيا إلى التخوم المشرقية. لقد كان “الطوبي” رسول التنزيل الشعري المغربي المعاصر بلا منازع، واستطاع أن يحمله، إلى الشرق العربي “بلا أوصياء ولا وسطاء ولا قساوسة” على حد قوله.

ترك محمد الطوبي للذائقة العربية متنا شعريا غنيا تسنده تجربة جمالية ووجودية شديدة الفرادة والأصالة. الشاعر الراحل “محمد الطوبي”، مبدع ظل لسنوات يؤثت لمشهد الشعر المغربي و العربي بإصداره لمجموعة من الدواوين التي احتضنت بين دفاتها قصائد رقيقة جسدت معنى الحداثة، وعكست روح الإحساس بنبض الكلمة الصادقة”.

نصـوص الغوايـة

“محمد الطوبي”

– 1 أول الأغنيـة:

قمر يرتدي نشوة الماء (والتفّت الساق بالساق)

والوقت نهر حنين عبيق

جسدان يزقان فوضى البهاء المقدس

فاتحدا جسداً واحدا ًعازفاً والأساور

رقراقةٌ…

بالهديل على نرجس المعصم الكحلُ…

مبتهلٌ

في جفون مؤلقة ولها عندمٌ جانحٌ

للشهيق.

جسد ساجع كسهوب السنى الصبوات

مرايا يرتلها الورد والجيد في مجده مَلِكٌ.

الصدرُ يُشرق رمانُهُ باحتفال أنيق

ذهبٌ بَهِجٌ يتدفق من جسدين عشيقين

يتحدان وحيدين لمّا يخوضان فتنة

موجهما

نحو أقسى الغوايات يشتعلان كأغنية من

نبيذ عتيق .

– 2  للصعلـوك المنفـي:

من قرأ تباريحَ النرجس للجسد الرّافل

في نيروز مفاتنه القصوى؟  من أطلق

في وجع الأسطورة غيمَ الشوق ؟

من سمّاك المعجزة الأوراسية في قربان

العشق؟

من أوصى أيقونات البهجة أن تغشاك

شحاريرَ حنين، وأقاليمُك تتبرج في نايات

البرق؟

من أعطاك بدايات الفيروز وحرض

نجواك على قمر الأحلام ؟

من خاض مسافة قُداس الأوراس الأشهى

مجروح الروح إليك وحيدا ووحيدا رتّل

إنجيل الليلك، وأهازيج اللؤلؤ جوّقها

وانتخب الوروار لفاكهة الأيام ؟

من أغدق في شهوات الصفصاف الفضة

يا أبهى وطن يصعد فوق صليب

د المنفى؟

كيف تفسر إيروتيكية وطن منفيٍّ في مبنى المعنى

( وطن صعلوك لا يتسكع إلا في تاريخ

المنفى ؟)

مَنْ يا الأوراسية أعلن أنك عَشتار العمر وأشرَعَ

أسماءك للمسك ونهارِ النورس ؟

صعلوك الفتنة عمّد صبوة نهديك

وصعلوك السكر الجوالُ تزوج فيك

سيوف الفجر ..

النسرينية وسوّى شهوة وطن لا تشبهها

إلاك

(فمن إلاك

أعَدَّ زغاريد نبيذي ؟)

– 3 البـدايـة أنـت :

لم أقلك سطوحُ الأغاني حقول

حقول إلى نشوة

لم أقلك هنا أو هنا للنبيذ سهادُ..

الفوانيس

تسطع أسماؤه بمفاتنك ابتهالْ. كيف لي يسفح السؤالْ

وجعا سيدا قمرا يائسا شوقة المتكبرُ

يسري بأسراره؟ وكأني الأسير أسير إلى

لا مكان ومملكتي سبايا جسدي شوارعٌ

ملك أنا في بهاء الغواية أستنفر الغزالْ

لدمي وأحرّض في مجد نهديك ما

أصطفي

من قطا وزواجلَ لمّـا يخالطني شبق

الدوالْ

فأكون مالم يكن يتكبدني

وأهيل على فخذيك بروق القرنفل

أشعلُ

وقتك باللوز سيدتي

لا دليل إلى شهوة المرايا

لا كتابة يشبهها خنجرٌ عاشق يمسح

الوصايا

لا بداية إلاك !!

وأنا العاشق القرمطي الذي سفك المنتهى

وبفضة صبوته سرّح المحال

– 4  أول الفتـك:

الفاتكة المشرقة

تُوَسِّد على نشوة اللوز الصباحَ

وتلقي

صاعقة الفضة للدالية الضاحكة

الفاتكة الصادحة

تسوق رائحة البهاء، وفسقية الياسمين

ودفاتر الغيم وتترك الطريق خلف

خطاها يحترق بالموسيقى…

الفاتكة الميادة

تحرض ملائكة الصبوة وأيقونات

العشق

ومواكب السنونو على ترتيل سورة سَبُو

لما تذهب صباحا بزهوها الجلناري العميدِ

لتفتح بابَ الحقول بصولجان البهجة .

الفاتكةُ الحالمةُ

لا تُسأل في سطوة الإمارة والأمر.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة