ترامب وخطاب الصدمة

ترامب وخطاب الصدمة

أتريد صديقًا في واشنطن؟ إحصل على كلب، بهكذا كلمات اختصر الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان السياسة في بلاده وطريقة تعاملها مع الدول البعيدة والقريبة، ومنحنا خارطة واضحة للعقلية التي تدير البيت الأبيض على مر العصور على الرغم من اختلاف المسميات والشخوص، بهدية مجانية تتطلب من الجميع وضعها أمامهم حينما يتعلق الأمر بالاعتماد على امريكا او الاستقواء بقادتها لاحداث التغيير في كراسي السلطة.
من هنا.. جاء خطاب ترامب خلال حفل تنصيبه رئيساً للبلاد، ليشكل صدمة للعديد من الأطراف التي ترفع لواء المعارضة للنظام السياسي الحالي في بلادنا، وخاصة تلك الأسماء الحالمة بالتغيير على طريقة “افلام الكاوبوي” واصحاب شعارات “القوات الخارقة والماحقة”، لينتهي الخطاب برسائل داخلية وتعهدات بالاصلاح الاقتصادي وتوسعة الحدود مع الجوار الأمريكي والحفاظ على الهوية الأمريكية من المهاجرين كما يراها حارس البيت الأبيض الجديد، من دون الاشارة للعراق او نظامه السياسية او حتى طريقة التعامل مع فصائل المقاومة التي كان يروج لها “الطامعون بالسلطة” بان ترامب سيوجه باغتيال بعض قادتها او فرض عقوبات اقتصادية تستهدف زعمائها، كما اخبرنا مشعان الجبوري الذي كشف كواليس اجتماعاته مع فائق الشيخ علي في لندن، قائلا “فائق ينتظر وصول ترامب”.
اكثر مايثير السخرية ويجبرك على الضحك بهستيريا، طريقة “الحالمين” بكراسي السلطة في الترويج لمشاريعهم التي حولتً مواقع التواصل الاجتماعي لمزاد علني يعرضون فيه بضاعتهم ويشكلون الحكومات ويختارون الوزراء ويوزعون المناصب بحسب اختيارات المتابعين وتعليقاتهم، وبإحصائية بسيطة يمكننا رصد نحو عشر حكومات تشكلت وحسمت حقائبها على منصات التواصل، وجميعها تنتظر البيان رقم واحد، ليتم نقل اعضائها للمنطقة الخضراء وتسلم السلطة، بينما باشر احد قادة تلك الحكومات الذي يدعي قربه من الدائرة المحيطة بترامب، بتوزيع “المكرمات” على عباد الله، بمنحهم سيارات حديثة وشقق سكنية وقطع اراضي وزيادة بالرواتب وتوظيف الشباب وإنشاء مشاريع اقتصادية تدعم الصناعة الوطنية، بتعهدات اطلقها على صفحته الشخصية، تنفيذها متوقف لحين وصوله للسلطة، الذي تأخر بسبب الزخم المروري على كرسي القيادة.
وبالعودة لترامب وقراراته التي “دشن” فيها ولايته الثانية، فان سياسته الاقتصادية اختارت من الشرق الأوسط، السعودية لتكون محطته الاولى، التي خاطب حكامها  بتصريحات عن امكانية زيادة الاستثمارات الأمريكية في الرياض، ورغبته بابتزاز العائلة المالكة بمبالغ تزيد عن “الإتاوة” التي استحصل عليها في ولايته السابقة، وكانت حينها 450 مليار دولار، ليأتي الرد بعد اقل من 24 ساعة وعلى لسان ولي العهد محمد بن سلمان بعرض 600 مليار دولار، لترضية ترامب، الذي استقبل “خضوع” بن سلمان برفع سقف الاموال إلى تريليون دولار حتى تكسب السعودية رضا البيت الأبيض.
بالمقابل، خصص ترامب “حيزاً” من خطابه وتصريحاته الأوليّة عن فلسطين واتفاق إطلاق النار مع الكيان الاسرائيلي باعتباره مشاركاً في تحقيق تلك الصفقة، واعتبر ايقاف الحرب في الشرق الأوسط والابتعاد عن التصعيد من أولوياته، لتكون رسالة واضحة تؤكد تركيز ترامب على الأوضاع الداخلية في امريكا والابتعاد عن الانشغال باي صراع خارجي، وحتى تكتمل سلسلة محاصرة الحالمين بالتغيير والمراهنين على اشعال المنطقة بالحروب، ابلغنا ترامب وبعبارات صريحة، بانه “يسعى للتوصل لاتفاق دبلوماسي مع طهران بدلاً من تنفيذ ضربات عسكرية ضدها”، ليمنحنا اعترافاً غير مباشر بصعوبة المواجهة مع ايران، رغم فقدانها سوريا وخروجها من المحور، وخسارتها طريق التواصل مع جنوب لبنان، لانه ببساطة النموذج البديل في دمشق لم يحظ بالقبول الأمريكي التام، والدليل عدم رفع ترامب هيئة تحرير الشام من قائمة الارهاب حتى الان.
الخلاصة:.. إن سياسة ترامب التي كشف عنها في خطاب “الصدمة” بعيدة جداً عن أحلام اسقاط النظام السياسي في العراق، وخلق أزمة جديدة تعقد المشهد في الشرق الأوسط وتدفع لإيحاد حالة مماثلة للأوضاع في سوريا التي تبشرنا الأحداث على الارض بانها متجهة نحو التقسيم والتناحر الطائفي،… اخيراً… السؤال الذي لابد منه،. كيف لمن يتهم الطبقة السياسية الحالية بالوصول للحكم على ظهر الدبابة الأمريكية.. الاستعانة بنفس الدبابة للاستحواذ على السلطة؟..

أحدث المقالات

أحدث المقالات