مقامة الخوخ الزردالي

مقامة الخوخ الزردالي

بكى طالب القرغولي بحرقة وهو يستمع  الى المغني وهو يشدو بأغنيته الشهيرة (( ياخوخ يا زردالي )) التي لحنها قبل خمسين عاما , وكانت اول لحن يصممه , وعندما سمعه الناقد الموسيقي عادل الهاشمي , شعر حينها ان الاغنية العراقية قد لبست حُلة جديدة , وان الاغنية السبعينية قد ولِدت مع هذا اللحن , وقد اضاف البكاء لروعة وبهجة الحفله التي أقيمت بالناصريه ترحيبا به , وهي من كلمات الشاعر الراحل ابن مدينة العطاء الشطرة المعطاء زامل سعيد فتاح , الذي فارق دنيانا وهو في أوج عطائه , ذلك  الرائع ابدا , والذي ابدع في كل قصائده  , وكان انسانيا بكل ما تعنيه الكلمة لا ينسى حبيبه الوطن وهو يتغزل بحبيبته, ولهذا فأنه يعتبر من اروع شعراء الوجدان العراقي , ونتسائل كم نحتاج الى هكذا شعراء في هذا الزمن الذي تنتشر فيه اغاني عبثية لا معنى لها.

ليس من السهل خوض غمار سوسيولوجية رحلة النغم العراقي القديم والحديث , والتي تتميز بالنهج التقليدي العفوي المحافظ للموسيقى , وخصوصا أغانينا العراقية القديمة التي تعبر عن واقعنا ,وبعض شعر الأغاني الحديثة , قد ترافقت مع التجديد والتطوير الموسيقى في اللحن والتوزيع , غناء السبعينات  كان أكثر تنوعًا في أساليب مواضيعه من حيث اللهجة والتأثير الثقافي والاجتماعي , حيث ابتعد الفنانون عن ثقافة الاستهلاك والمادية في أغانيهم عكس ما في الأغاني التجارية التي ركزت على الجوانب المادية والشهرة.

(( ياخوخ يازردالي , بذات مالك تالي , داريتك ومن حومرت , صار الجني لعذالي ,
ياوسفة يازردالي , ياخوخ لاجلك ساهرت ودموعي لهروشك سكت , برعم ﭼـنت واتنطرك ومتاني واحسب كل وكت , وزرعتك بين النخل , كرصة برد , لا حر ضكت , واتمرجحت نسمات غضة وعالخلك عنبر فحت , ياخوخ موش انا اتعبت , وتلوعت , وتمرمرت , ياوسفه يازردالي , ياخوخ لاجلك عاشرت كل الطيور وصادكت , خايف جنح عصفور يهدل غصنك ويمك نمت , باريتك بكيض وشته , لمّا كبرت وتحمرت , حتى الفراشة لو تلامس وردتك بيها صحت , ياخوخ موش انه تعبت , وتلوعت وتمرمرت ياحيف يازردالي بذات مالك تالي )) .

الخوخ الزردالي : نوع من الخوخ الذي ثماره تكون بلون اصفر والتي عند اكتمال نضجها تكسوها حمرة خفيفة والزرد كلمة فارسية تعني اللون الاصفر , والشاعر هنا يشبه مفاتن الفتاة التي احبها كثمار صنف من ثمار الخوخ الاصفر اللون الريان والذي عند نضجه يكتسب لونا احمر وهو مرغوب الاكل , وقد قام الشاعر المحب بالمتابعة الدقيقة لحبيبته وتمثل بزارع ذلك الخوخ ومابذله من عناية وتوفير كافة الظروف لكي يعطي محصولا جيدا ورغم كل هذه العناية والمتابعة التي قدمها لفتاته فان الحبيبة تنكرت له.

لم أفكّر يوماً بحبيبة شاعر, بقدر ما فكرتُ بحبيبة الشاعر زامل سعيد فتاح , دار بخلدي هذا وانا استمع لـهذه الأغنية  وإلى النصوص الأخرى التي كتبها ورددها العراقيون ,

كتبت صديقة أنها حضرت حفل زفاف في الشطرة , ودخلت امرأة متوسطة العمر, وقالت أم الصديقة للصديقة , بعد أن سألتها : (( هاي الخوخ الزردالي )) , واضح في نصوص زامل أنها كُتبت عن امرأة واحدة , المرأة التي تشكل نقطة ضعف الشاعر, السلك الكهربائي الذي يظل يصعقه العمر كله, أتساءل الآن كيف تفكر حبيبة زامل بالأغاني؟ وهل لديها فكرة ان كل عراقي أحبها مثل زامل دون ان يعلم ؟ رحم الله العاشق زامل سعيد فتاح , ورحم الله كل العشاق المساكين , الذين يرددون : (( داريتك ومن حومرت , صار الجني لعذّالي , يا وسفة يا زردالي )) .

صدق من قال بأن الموسيقى رافدينية , لقد نقل الملحن طالب القره غولي الأغنية العراقية من أطرها القديمة إلى الأغنية الوجدانية الإنسانية والرومانسية , انطلاقًا من نصها المؤثر بألفاظه ولحنها الذي يمس شغاف القلب , وحقق لها الانفتاح على الآفاق خصوصًا في الفترة الذهبية السبعينية للأغنية العراقية , وأزدهار الثقافة العراقية وفنونها بكل أشكالها , وحين يجتمع زامل سعيد وطالب القره غولي , يعني إن هناك أغنية تتلائم والذائقة العراقية , ضاربة في الروح إحساسا ودهشة , فقد أبدع بلحن هذه الأغنية , و كونه يتميز بقدرة أدائية صوتية ولحنية عالية , وفكر واع , لأنتقاء النص والنبرة الصوتية التي تناسب ألحانه , وقد أجاد غناءها بسبب احساسه , والعُرب التي أضافها نابعة من داخله , فقد تفرد ببريق صوته وطريقة أدائه لنبرة اللحن , فكانت أغنية لها اثرها في ذات المتلقي لقربها من أحاسيسهم .

أحدث المقالات

أحدث المقالات