مقامة انكسارات الروح

مقامة انكسارات الروح

ليس كل ما في النفس يقال , ولكنه يرى .

يقول أدهم الشرقاوي : (( نحن نبتعد حفاظا على ماتبقى منا , صيانة لجروحنا من نظرات الشفقة , حتى الكلاب وهي كلاب اذا ما جرحت أخذت مكانا قصيا آمنا ولعقت جراحها فيه , بعض الود لا يصان الا بالبعد )) , ثمة عيون تكتنز دمعها , لحين هطول المطر , تعتزل الكلام في خلوة مع الروح لردم هوة الغياب , فكن فطنا و لماحا , حاجات الناس تعرف في وجوههم , في غصة الصوت دموع خفية فأنتبه لها , وفي البحة خذلان مدفون فلا تتجاهله , وفي رجفة الأيدي ضياع روح فأكترث بها , وفي شرود الذهن جرح عميق , او شوق لغائب فلا تتعام عنه , وفي لعثمة الكلام أرتباك دفين فأنتبه له .

لا توجد حقيقة مطلقة , تقبل خيالاتنا المنكسرة مداراتها في المرايا  , وما الروح إلا منسك للكتابة , تتهافت عليها الكلمات من شعاب الاستثناء , وتحج إليها الأشعار وبياض السريرة , كحبة ثلج تدحرجت بين الأنامل وأنفاس الصباح  , أما لوعة البعاد ونحيبه , فهو يشتتنا دون نقاش , لتحجبنا المسافات , وها هي السماء تهدينا البياض , ليعانق مسارات الدروب , و القلب هو العاصم من البرد .

هناك بشر أغلى مافيهم ثيابهم , وأرخص مافيهم أخلاقهم , رائحتهم عطرة وشمائرهم نتنة , والناس كالفراشات , أحيانا لا يرون جمال الألوان على اجنحتهم , والناس نوعان , نحل و ذباب ,النحل لا يقع الا على الرحيق , والذباب لا يقع الا على قذارة , كان السموأل يهوديا ولكنه كان شهما فضربت به العرب المثل في الوفاء , ولهذا قالت العرب : وعد الحر دين , وأذا وعد الحر وفى , لأنهم كانوا يعتقدون ان الفارق بين الحر والعبد ليس لون البشرة , وأنما لون الأخلاق , فلا تكن حرا بهيئتك عبدا بأخلاقك .

أيتها العتمة ماذا تخبئين خلف أستارك , حين يداهمني الغياب والعزلة  , تتكسر المرايا , لأنها تضيق بالآمال الخائبة , والأحلام المثقلة بالوجع  ,وحده العبث , يتساقط على الانكسارات والرغبة الموشاة بالانتظارات , وتتشظى الروح , كحشرجات وأدران وجع , تختبئ خلفها الأرواح حين يتردد صدى انكساراتها في عمق الوريد , فمنذ اغتيال الشر للحب , علقتُ مشانق الوجد على قارعة القلب , وشوشها ذات فجر , أنه هناك معها , فلا تدعِ ريح الأمنيات , تستبيح أقاليم روحكِ والحصون .

الطيور تأكل النمل , وعندما تموت يأكلها النمل , فالظروف تتغير , فلا تقلل من شأن احد , فربما تكون قويا اليوم , ولكن تذكر دائما ان الزمن اقوى , فقد ينتهي البعد , وقد تظل كأيقونة معلقة , لا يمكن لآثار القادم إدراكها , وسيندلق تيه الوحدة على قارعة الفراغ ,
كان العيد عندي , يفتقد لأحلامٍ كثيرة , كانت صغيرة , كبرت ثم كبرت , وباتت تعابثني ,
كأغصان اللبلاب , إلا أنها بقيت قاصرة برفقتي , تمضي من شتات إلى شتات .

القلب موبوء بالهزائم الصغيرة , وهناك اغتراب أزلي يراودني , دع الليل يرحل دونك الليلة , وأنا أتوارى , حين يمتلؤن بالكثير من التفاصيل الفارغة ,ويجتهدون في جعلها مُلفتة دون مُبرر , فدعني اعدو مثل سرب من النايات , تُقبل شِفاه الزراع عند ترانيم الحقول , لتمارس علينا دندنات المواجع  , ومابين الحياة وبرزخ الموت , رمشة جفن , وأنا جافاني الشعر والنوم , أيها النبي العابق في تفاصيلي , لا تدع القلق يأخذ من تفكيرك حيزًا , سيأتيك النوم والشعر , لا تعاتبهما , فقط أنهما نسيا أن يأتيا , سيأتيك مثل قبيلة شعر , سيأتيك مثلما يداعب أحداق الحالمين المنام , فلا تخلد لأحلامك الفزعة , ودع لحظات الراح تُكحل المقل بالفرح ولذيذ النوم .

في الصّمت الكثيرُ من الكلام (﴿فلن أُكلّم اليوم إنسيا﴾) , وفي الشكوى  الكثير من الحب ﴿( وأيوب إذ نادى ربه)﴾ , وفي الكتمان الكثير من الأشجان (﴿ ويضيق صدري ولا ينطلق لساني)﴾ , وفي اختلاس النظرات  الكثير من الشّوق (﴿فبصرت به عن جُنُبٍ)﴾ , إنَّ أشرس معركةٍ يخوضها الإنسان هي معركة الحفاظ على نقاء قلبه , هذه الحياة مُتلِفَةٌ للقلوبفمهما خسرتَ إياك أن تخسر قلبكَ فمن يخسر قلبه مهزوم ولو ربح الدنيا كلها .