يحمل الإنسان منذ ولادته صفات، قسم منها موروث والآخر يكتسبه من خلال تجاربه في الحياة. وقد ارتبطت هذه الصفات بالخلق البشري لجميع المخلوقات والكائنات الحية، واكتسبت من اللقب الرئيسي لذلك المخلوق كل الصفات والعادات، سواء كانت سلبية أو إيجابية. نجد أنفسنا نصف الشخص أو المخلوق في هذه الدنيا بها، فأطلق عليها كلمة “الأخلاق”. وترتبط هذه الصفات بالنظام الفردي الذي يعيشه الإنسان، فلكل منا صفاته وعاداته الخاصة، وكذلك لكل مخلوق مزاجه الخاص وطباعه العامة التي يتصف بها.
وقد حاول العلماء منذ القدم، وخاصة الفلاسفة الذين كانت بحوثهم وآراؤهم تتجه نحو البحث في البيولوجيا البشرية، فواجهوا صعوبات جمة، أهمها اختلاف النسيج الشخصي للإنسان قبل اختلاف النسيج الاجتماعي العام. فكتبوا عن التوارث والصفات الوراثية وكتبوا عن المزاج البشري وكيف يمكن أن يصل بصاحبه إلى تغيير مخالف للمجتمع الذي يعيشه، سواء كان مختلفًا نظريًا أو ربما اختلافًا في الجوهر بأكمله.
وفي نهاية الأمر، فإن الجينات الوراثية لنا جميعًا تختلف كليًا بين شخص وآخر. فالمزاج العصبي وشهوة الأشياء بقوة والأنانية المفرطة وحب التملك من غير حق وافتعال المشاكل بلا سبب والخوف من مواجهة الواقع الحقيقي، يقابلها القناعة وحب الخير للآخرين وطلب الهدوء والسكينة والرضا بالقليل والتحكم بالعقلانية بعيدًا عن شهوات الدنيا والتقرب من قول الحقيقة دومًا. كل هذه الصفات وما يقابلها من صورة عكسية تضع الإنسان في مقاييس وصفات ترافقه في أغلب مراحل حياته، لأن الصفة ملازمة للفعل مهما كانت آثاره سلبية أو إيجابية.
ومن خلال ما نعيشه اليوم بين هذا المكون البشري الكبير وما نشاهده من صفات المخلوقات الأخرى التي تعيش معنا على نفس الكرة الأرضية، نجد أن التقدم الحضاري أصبح له تأثير واضح على معالم الحياة البشرية، وأن الصفات البشرية أصبحت تتأثر بالواقع التكنولوجي الصناعي. فعصر السرعة وظهور كنوز الأرض المخبأة من داخل الأرض، وخاصة الثروات الطبيعية التي أصبحت من ضروريات متطلبات الحياة، وما يدور بيننا من عالم الاقتصاد والمال وكسب الثروة الشخصية حتى وإن كانت بطرق غير مشروعة أو ربما غير سليمة، يتبعها عواقب وخيمة وآثار جانبية مضرة بتركيبة المجتمع.
إن تخلي الإنسان اليوم عن بعض صفاته الموروثة والابتعاد عنها بسبب الجشع وعدم القناعة وهرولته خلف مكامن الطمع بحجة الوصول إلى الرفاهية المزيفة، وكذلك قلة الحياء لدى البعض، الأمر الذي أوصلهم إلى مستوى الانحطاط، وخاصة ما نسمع به من أحداث تقع ضمن مجتمعاتنا المحافظة والتي وصل بها البعض إلى هدم عوائل بأكملها دون مراعاة لكل ما يتبعها من عواقب. إن قلة الحياء الذي أصبح البعض يتباهى بإعلانه والتفاخر به يضعنا أمام خيارين: الأول تشخيص ونبذ هكذا أشخاص ضمن طبقات المجتمع، والآخر على الدولة بكل مؤسساتها محاربة هذه الظاهرة الخطيرة لأن عواقبها سوف تكون السبب الأول في هدم كل البناء المجتمعي الصحيح، لأن فقدان الحياء يعني التفكك الأسري والتشجيع على تعاطي كل المحرمات وتحويلها ضمن المباحات وعدم احترام الآخرين ومصادرة وسرقة كل حقوقهم بحجة الاستحقاق غير الصحيح. فهل مات فينا الحياء أم أنه ما زال يحتضر بيننا ونستطيع إعادته للحياة؟