يقول شمس الدين التبريزي عن الذين يفهموننا موضحا : (( إن المرء مع من لا يفهمه سجين )) ,  تلك هي المسألة كما يقول شكسبير على لسان هاملت , حيث يمكن أن يبدو الحب قوة بدائية , مزيجا مسكرا من الرغبة والعناية والنشوة والغيرة , متأصلا في قلوبنا , والنقيض القطبي للعقلانية المقاسة للفلسفة والتكهنات النظرية , أو (( لقد أُسيء فهم الحب على أنه عاطفة , هو في الحقيقة حالة وعي , وطريقة للوجود في العالم , وطريقة لفهم الإنسان لنفسه وللآخرين )).

يرى برتراند رسل أن الحب هو حرب ضد عدو الإنسان الرئيس , الوحدة , بينما يرى سورين كيركجارد أن الحب هو المرحلة الأسمى للتجربة الذاتية ,  وفي الواقع إن العديد من الفلاسفة المشهورين( كانط وأرسطو ودي بوفييه ) كتبوا عن الحب وكيف تتناسب نظرياتهم عنه مع العقل البشري والتميز والحرية , ومما لا يثير الدهشة , أن وجهات نظرهم ذات الموقع التاريخي تميل إلى عكس أنواع الحب ذات القيمة الثقافية في وقتهم , فقد أثنى الإغريق على حب الصداقة , واجترار العلماء في العصور الوسطى على محبة الله , ومع عصر النهضة انتقل الحب الرومانسي إلى مركز الصدارة , واليوم يواصل الفلاسفة محاولة استنطاق الحب و استخلاص دروس عملية حول كيفية التعامل معه في حياتنا.

دعني أبوح بما تيسّرمن شوقٍ يقدَّ صبري , فقد صار الحب مثل الايام من عمر السجين تحسب له في حياته , وهو لم يعشها , كعازفة القانون التي تتراقص اناملها بين الاوتار بابتسامتها البيضاء وشعرها الأسود , وهي لا تعلم أنها تعزف لحنا قديما كان محبوسا في خبايا الروح , فأين أجدك ؟ أأكونُ لكَ سُنونوَة حينَ لا تكونُ ليَ القفصَ , وكيف لا أكونُ شَاعرَا وشفتاك تُوَشْوشَانِي بأحلى القَصَائِدِ ؟ و كُلَّمَا حَاصَرَنِي الحَنِين , أَكْتُبُ لَكَ قَصِيدَةً أُزَيِّنُ بِهَا وَجْهَ السَّمَاءِ , انْظُرْ كَيْفَ فَاضَتِ السَّمَاءُ بِالنُّجُومِ , ترى كمْ سنة ضوئية ستمر, لأحظى بسطر فقد ظله من رسالة قديمة , أو بقعة مداد تسربلت بياض الورق , أو بسمة اتشحت بالشحوب , حتى يساقطني حضورك رطبا جنيا على قنديل زيت لا ينطفئ ؟.

يقول دوستويفسكي في رواية الابله بحزن عميق : (( أريد أن يكون هناك إنسان , إنسان واحد على الأقل , أستطيع أن أكلمه في كل شيء كأنني أكلم نفسي )) , يبدو انه لم يعرف سجن الحب , وهو السجن الوحيد الذي نسعد ونشقى به في آن واحد , ورغم ذلك نرفض مغادرته ونود البقاء فيه للأبد , ونعشق السجان ونتمنى أن نظل بقربه حتى آخر العمر, في رواية 1984 يقول جورج أوريل مواسيا : (( ربما لم يرغب المرء في الحب , بقدر رغبته في أن يفهمه أحد )) , لقد حدد الرب أطر العلاقات بين البشر , كان أول إطار هو ( لتعارفوا ) : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) , تعارف يتحدد عليه مدى القرب , صداقة , زواج , شراكة ,أو مجرد معارف , وكل علاقه لها أطرها , من درجات الود والطاعة والمسؤولية والحنان .

يرد على الجميع الكاتب أحمد خالد توفيق قائلا  :((  أعتقد أن شقاء الإنسان ينبع من مجالسته لمن لا يفهمه , بل ويسيء فهمه باستمرار , إن شقاء الإنسان لا ينبع من كونه لا يجد صحبة بل من كونه لا يجد الصحبة المناسبة  , ولذا فإن وجود شخص تستطيع أن تخبره بما يجول في داخلك بدون أن يسيء فهمك هي أعظم نعمة ممكن أن تحصل عليها)) , وانا لمْ أحلُمْ بِنُجومٍ تَسْجُدُ لي , حلمتُ بفقيرٍ يَرَاني ثَرْوَة , فَيتَحَقَّقَ حُلُمي به , حين أتشتت في تفاصيله , ويستدرني غيابه , ويبزغني رحيله , كهذيان شهب , ترجم قنديل القلب , يُثمل قنديله على عذاب كلي , أوله ألم ونصفه الآخر محال , وجرحي ينزف صمتي , ويتكسر نبضي على أجنحة النوافذ , في انتظارات هوج جزره ومده .

((في مرايا النهر ترى نفسَها غابةْ شجرةُ التوت , في مرايا الغيمْ يرى نفسهُ سرباً طائرٌ مُهاجر, ترى نفسَها بستاناً في مرايا الأُفقْ شجرةُ التفّاحْ , يرى اجنحتهُ مرايا صدئة مالكُ الحزينْ , في كلِّ حالاتِهِغامضٌ وساحر بحرُ الظُلماتْ , بجمعِ الرحيقْ لا بإلتهامِ العسلْ متعةُ النحلاتُ , ترسمُ نافذةً البلابلُ تطيرُ من غرفتها عاشقةُ الطيورْ , خرافٌ نشيطةتسرحُ في السماءْ غيومُ اللهْ , حتى نثيثها الشحيحْفيهِ حياة غيومُ الخريف , بإرجوحتِها المُلونّة تُريدُ الطيرانَ الى الأَعالي صبيّةٌ حالمة , بأَذرعِها النشيطةتخمشُ الشجر رياحُ الخريف , لا تستجدي الماءْ من أنهارِ البُخلاءْ عمّتُنا النخْلةْ , بحرٌ شاسعْ يتهادى مُكتظاً بالمهاجرين مركبٌ ضائعْ , في الصباحاتِ والأماسي تُعدِّلُ الرأسَ والمزاجْ قهوةٌ بطعمِ الهيلْ )) , ألاي

فأنا بدونه سجين .

أحدث المقالات

أحدث المقالات