محاربة الفساد الطريق إلى استعادة هيبة الدولة العراقية

محاربة الفساد الطريق إلى استعادة هيبة الدولة العراقية

في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه العراق اليوم، تبرز قضايا الفساد السياسي والمالي كأحد أكبر المعوقات أمام التنمية والاستقرار. فالفساد المتغلغل في مفاصل الدولة يهدد الاقتصاد، ويُفقد المواطن الثقة بقيادته، ويمكّن مافيات السياسة والاقتصاد من التحكم في مقدرات البلاد. ومع ذلك، فإن الوقوف أمام هذا التحدي ليس مستحيلًا، كما أثبتت تجارب دول كثيرة في العالم .

الإصلاح يبدأ من القمة

يمثل رئيس الوزراء العراقي نقطة ارتكاز في مواجهة مافيات الفساد بكل عناوينه ومن أهم هذه العناوين هو الفساد المالي وغسيل مصادر الأموال وتأثيرها على أغلب مفاصل ادارة الدولة. تحتاج هذه المعركة إلى إرادة سياسية صلبة، وخطة استراتيجية تعتمد على الحوكمة الرشيدة وتفعيل القانون. يجب أن يبدأ الإصلاح من أعلى الهرم، بتطبيق مبدأ “المحاسبة للجميع”، وعدم التهاون مع أي مسؤول مهما كان موقعه أو نفوذه.

في كندا، تُعتبر الشفافية والمساءلة ركيزتين أساسيتين في إدارةجميع الخطط والبرامج حيث ان جميع المشاريع تُعلن عبر منصات إلكترونية علنية، مثل منصة (Buyandsell.gc.ca) ، مما يمنع أي تلاعب. وبالإضافة إلى ذلك، يتولى مكتب المراجع العام التدقيق في تنفيذ المشاريع، مما يضمن حسن الإدارة.

أما الإمارات، فقد وضعت مكافحة الفساد في صلب استراتيجياتها عبر إنشاء هيئات مستقلة تراقب المشاريع الحكومية. وتجربة الإمارات في إطلاق منصات رقمية شاملة لإدارة العقود، مثل منصة “تطلب”، حدّت من التدخل البشري، مما قلل فرص الفساد بشكل كبير.

تفعيل الرقابة المستقلة والقوانين الصارمة

في ماليزيا، دفعت قضايا الفساد الكبرى مثل فضيحة (1MDB) إلى إعادة هيكلة النظام الرقابي. أصبحت هيئة مكافحة الفساد الماليزية (MACC) أكثر فعالية حيث تمكنت من ملاحقة مسؤولين كبار واستعادة الأموال المنهوبة.

سنغافورة من جهتها تُعد نموذجًا في الصرامة. وكالة التحقيق في الممارسات الفاسدة (CPIB) تعمل باستقلالية تامة مما أتاح لها ملاحقة الفساد دون أي تأثير سياسي. علاوة على ذلك، تُفرض عقوبات صارمة على أي تلاعب في العقود الحكومية، مما جعل الفساد مخاطرة لا تُحتمل.

جنوب إفريقيا تقدم تجربة مهمة في تعزيز الشفافية والمساءلة بعد حقبة طويلة من الصراعات العرقية والفساد. تم إنشاء مؤسسات رقابية قوية بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، مثل هيئة الرقابة على المالية العامة التي تلعب دورًا رئيسيًا في ضمان حسن إدارة المشاريع الحكومية.

( التكنولوجيا سلاح حاسم ضد الفساد)

إن إدخال التكنولوجيا في إدارة المشاريع والخطط التنموية يقلل من التدخل البشري ويوفر مستوى عاليًا من الشفافية. العراق يمكنه تبني أنظمة مشابهة لتلك المستخدمة في الإمارات أو سنغافورة، حيث يتم تتبع كل مراحل تنفيذ المشاريع رقميًا. هذا النهج سيجعل من الصعب على مافيات السياسة والاقتصاد التدخل لتحقيق مصالحها.

( التحدي العراقي والإرادة السياسية)

رئيس الوزراء العراقي يمكنه قيادة هذه المعركة إذا ما اعتمد نهجًا شاملًا يدمج بين الإصلاح القانوني، تعزيز الشفافية، وتفعيل دور المجتمع المدني. الخطوات الأساسية تشمل:
1. إنشاء هيئة رقابية مستقلة تمامًا عن الأحزاب السياسية.
2. إطلاق منصة وطنية لإدارة العقود الحكومية بنظام إلكتروني شفاف.
3. تطبيق مبدأ العقوبات الصارمة على الفاسدين بغض النظر عن مناصبهم.
4. التعاون مع المؤسسات الدولية لاستعادة الأموال المنهوبة.

(استعادة الثقة الوطنية)

العراق غني بثرواته وطاقاته البشرية، وما ينقصه هو قيادة حازمة قادرة على كسر هيمنة مافيات السياسة والاقتصاد. إذا تمكن رئيس الوزراء من تبني هذه الإجراءات وتطبيقها بحزم، فإنه لن يعيد الثقة بالدولة فقط، بل سيضع البلاد على مسار التنمية المستدامة.

تجارب دول مثل كندا، الإمارات، ماليزيا، سنغافورة، وجنوب إفريقيا ومثلهم الكثير أثبتت أن القضاء على الفساد ليس مهمة مستحيلة. المطلوب هو الشجاعة السياسية، الإرادة الصادقة، والتكاتف الشعبي لتحقيق هذا الهدف النبيل.