وكالات- كتابات:
في حدث صادم وغير مسّبوق هز العاصمة التشادية؛ “نجامينا”، تعرض القصر الرئاسي لهجوم مباغت نفذّته مجموعة مسلحة، وسط أجواء من التوتر السياسي والاجتماعي تعيش فيه البلاد عقب إنهاء تحالفها مع “فرنسا”.
وأعلنت الحكومة التشادية؛ يوم أمس الخميس، إحباط هجوم مسَّلح شنّه مجهولون على القصر الرئاسي في العاصمة؛ “نجامينا”، وقتل وإصابة المهاجمين، مؤكدة أن الوضع تحت السيّطرة بعد محاولة لزعزعة الاستقرار.
ووفقًا لمصادر أمنية؛ فإن قوة الهجوم الذي أسّفر عن مصرع: (19) شخصًا، واستهدافُه بشكلٍ مباشر للقصر الرئاسي؛ تُشير إلى دقة التخطيط للعملية والدعم الذي حصلت عليه (بوكو حرام) لتنفيذ هجومها متجاوزة كل الحواجز الأمنية بالعاصمة التشادية؛ “نجامينا”.
الهجوم فتح باب التكهنات لمِا قد يحدث مستقبلًا في “تشاد”، من استمرار محاولات قلب نظام الحكم أو قتل الرئيس؛ “محمد ديبي”، كما حدث قبل أربع سنوات حين قُتل والده الرئيس السابق؛ “إدريس ديبي”، في هجوم شنتّه مجموعات مسلحة على معسكره شرق البلاد.
قوة الهجوم المباغت وجرأته فاجأت الحكومة ودفعتها إلى الخروج بتصريحات متضاربة في محاولة لتبرير ما حصل من تقصّير، ما قد يمنح الجماعات المسلحة المتربصة بالنظام الحاكم في “تشاد”، القوة والشجاعة لتنفيذ هجوم آخر على القصر الرئاسي.
وأفادت الحكومة؛ بأن أفرادًا من الحرس الرئاسي سقطوا في الهجوم بين قتيلٍ وجريح؛ فيما قُتل أغلب عناصر المجموعة المهاجمة واعتقل آخرون، بينما قال وزير الخارجية التشادي المتحدث باسم الحكومة؛ “عبدالرحمن كلام الله”، إن: “الهجوم نفذّته مجموعة مكونة من (24) شخصًا مسلحين بأسلحة ثقيلة، حاولوا اختراق القصر الرئاسي، فهاجموا في البداية وبعنف عددًا من عناصر الحرس الرئاسي، لكن الحرس الرئاسي تصدى لهم، ما أسفر عن القضاء على معظم المهاجمين واعتقال (06) آخرين تم تقديمهم للعدالة”.
وأضاف أن الهجوم: “عمل يائس ومعزول”، وكان هدفه محاولة زعزعة استقرار “تشاد”، وطمأن المواطنين بأن الأمور باتت تحت السيّطرة تمامًا، وأن التحقيقات جارية لتحديد ملابسّات الهجوم والجهات التي تقف وراءه.
وعقب الهجوم؛ شدّدت السلطات الأمنية الإجراءات في محيط القصر والمواقع الحساسة في العاصمة، مؤكدة استمرار حالة التأهب لضمان الاستقرار الأمني.
هجوم مباغت وجديد..
ويُعدّ هذا الهجوم الأول من نوعه تنفذَّه (بوكو حرام) على القصر الرئاسي، ليس فقط في “تشاد”؛ لكن أيضًا في جميع دول “الساحل”، حيث لم يسبّق لهذه المجموعة أن نفذّت هجومًا على القصور الرئاسية والأماكن الحساسة بالعواصم، واقتصرت عملياتها السابقة على الثكنات والقواعد العسكرية والمجموعات الجائلة في المناطق البعيدة عن المدن.
وقالت مصادر آخرى؛ إن: “خطورة الهجوم تكمَّن في أنه تم أثناء تواجد الرئيس التشادي؛ محمد ديبي، داخل القصر الرئاسي، ما يعني أن المهاجمين حصلوا على معلومات دقيقة عن تحركاته، كما أنهم حاولوا مباغتة الحراس بمهاجمتهم بداية بالسكاكين والسيوف، لمنع أي إطلاق نار قد يُثير انتباه بقية الحراس”.
وأضافت أنهم نجحوا بالفعل في دخول القصر الرئاسي وتجاوز بوابته الرئيسة، لكن سرعان ما أثار تواجدهم انتباه المجموعة المراقبة التي أنذرت بقية الحراس فهاجموهم، وبعد اشتباكات دامت نصف ساعة تم القضاء على المهاجمين واعتقال البقية، ونشر الحرس الرئاسي دبابات لإغلاق المداخل المؤدية إلى القصر الرئاسي.
خلاف مع “باريس“..
ويخشى المراقبون من أن يكون هذا الهجوم محاولة لجسّ النبض ومعرفة مدى تفاعل الأوساط الداخلية والسلطات مع ما سيجري، خاصة أن المناخ السياسي الحالي يتسم بالتوترات الاجتماعية والاقتصادية، وكثرة الانتقادات التي تطال حكم “إدريس ديبي”.
ويرى المراقبون؛ أن الكثير من الانقلابات العسكرية نجحت بعد محاولات للهجوم كالتي حدثت؛ الأربعاء، بـ”نجامينا”، حيث إن مثل هذه العمليات توفر أرضًا خصبة للمحاولات الجادة الدقيقة، وتدخل الشك والريبة لدى الرأي العام حول قدرة النظام والحكومة على الحفاظ على الأمن والمؤسسات.
ولا يزال الوضع السياسي والأمني في “تشاد” يُعاني؛ منذ مقتل الرئيس “إدريس ديبي”، في نيسان/إبريل 2021، ورغم نجاح ابنه؛ “محمد ديبي”، في قيادة المرحلة الانتقالية ثم الفوز بالانتخابات الرئاسية، إلا أن تحديات أمنية كبيرة لا زالت تواجهه.
واتخذ “ديبي”؛ مؤخرًا، قرارًا بإلغاء الاتفاقيات العسكرية مع “فرنسا”، فبعد أن كانت “تشاد”، المستَّعمرة الفرنسية السابقة، طلب “ديبي”؛ نهاية تشرين ثان/نوفمبر من العام الماضي، إنهاء اتفاقيات الدفاع والأمن مع “باريس”، لتنضم بذلك “تشاد” إلى قائمة الدول المجاورة لها في “منطقة الساحل”؛ والتي أنهت الوجود العسكري الاستعماري على أراضيها، سواء تعلق الأمر بالدول التي تحكمها مجالس عسكرية؛ (بوركينا فاسو ومالي والنيجر)، أو دول ذات أنظمة ديمقراطية في “غرب إفريقيا”، كـ”السنغال وساحل العاج”. بحسب تصنيفات الدعايات الغربية المضللة.
ومع بدء سحب القوات الفرنسية من “تشاد”، انتقد الرئيس الفرنسي؛ “إيمانويل ماكرون”، الأربعاء الماضي، الزعماء الأفارقة الذين قرروا إنهاء اتفاقية الدفاع مع “فرنسا”، وقال “ماكرون” إن الزعماء الأفارقة نسوا شكر “فرنسا” على مساعدتها لهم في الحرب ضد الإرهاب.
وأضاف؛ خلال مؤتمر السفراء في (الإليزيه)، إن دول “الساحل” التي تُعاني من اضطرابات أمنية تُدين بسيّادتها لوجود القوات الفرنسية، ما أثار غضب قادة دول “الساحل”؛ خاصة في “تشاد والسنغال”.
وانتقد وزير الخارجية التشادي؛ “عبدالرحمن كلام الله”، تصريحات “ماكرون”، قائلًا إنها تكشف ازدراءه لـ”إفريقيا”، وقال في بيان بثه التلفزيون الوطني: “تشاد تُعرب عن قلقها العميق عقب التصريحات التي أدلى بها مؤخرًا الرئيس الفرنسي؛ والتي تعكس ازدراءً تجاه إفريقيا والأفارقة”.
وأضاف: “يجب على القادة الفرنسيين أن يتعلموا احترام الشعوب الإفريقية والاعتراف بقيمة تضحياتها”.