الفوضى أم مقدمات إستقرار

الفوضى أم مقدمات إستقرار

الكثير من التحليلات والتفسيرات وتضاداتها تعرض على الجمهور على إنها معلومات تدعي الصدقية والموثوقية،  وبين أخرى هي إستعراض تصورات تقول تم استقائها من مصادر قريبة من صناع القرار في دوائر أجنبية، وغيرها، يعتقد مطلقيها أن تستطيع التغيير في العراق بذات الطريقة التي حدثت في الأقليم، وسيجري تعميها على دول أخرى، هذه الدوائر مِن الإشاعات والدعاية الممنهجة لا تخلق إلا أجواء من عدم الاستقرار ومن الفوضى.
   قد يكون ما حدث في سوريا من تغيير دراماتيكي ملفت، وغير متوقع حتى عند أكثر المتفائلين، أي أن يتغير النظام بهذه السرعة، وأن تتفكك مؤسساته الإدارية والعسكرية والأمنية بالسرعة التي شهدت، إلا لسبب موضوعي، ولإختلالات بنيوية فيه. النظام في سوريا تفتت ليس عندما دخلت مجاميع جبهة النصرة المدعومة من تركيا والمدربة والمجهزة فيها، في عملية أستبدال أخرى للأجنبي، بل إن النظام إنزلق عندما أتخذ الخيار الأمني طريقاً للحل، وسمح للأوساط الدولية أن تجد مكاناً لها للتدخل بحجة حمايته، ما من نظام يجابه تطلعات وطموحات شعبه بخيار أمني، وبتدخل أجنبي، إلا وخاتمته السقوط، طال أم قصر الزمن، وهذا ما حدث في سوريا. وسيحدث مرة أخرى بعد حين.
   إن إسقاط ما حدث في سوريا على الأقل، على أنه حالة قد تنطبق على العراق، وفق ذات المعطيات، أمر يجانب الواقع. فالعراق بلدٌ ديمقراطي تعددي، قد يشكك أحد في نوعية الديمقراطية وشكل التعددية، وقد يزيد آخر عن تجربة الحكم المتهمة بالفساد والمشوبة بسوء الإدارة، ناهيك عن  إتهامات صريحة عن تدخلات أجنبية في شؤونه الداخلية يعتقدها البعض ظاهرة للعيان ومعيبة، ويجدها آخرين مبالغ فيها. أقول، أن تجربة العراق تبقى رغم كل ما يحدث تجربة قابلة للإصلاح والتطوير، إذا ما أعتمدت شأناً وأسلوباً داخلياً.
   نعود إلى مسألة الإشاعة وألوان الدعاية المضادة بأشكالها المختلفة السوداء منها والصفراء، بأن التغيير الموعود من جهات أجنبية ومحلية متواطئة معها، بأن وضعت مخططات، ورسمت تخيلات لتغيير مرتقب، يقلب عالي العراق سافله ويأتي بنظام بديل يصفقون له العراقيين ويهتفون لأسماء جديدة يأتي بها الأجنبي مرةً أخرى مدعاة وهم لتحرير الوطن. هذا التغيير مدعاة للسخرية أكثر منه شيء آخر.
   إن التغيير الحقيقي لا يأتي عن طريق الفوضى وهدم الإستقرار، حتى وإن كان الإستقرار نسبياً، ولا عن طريق عدم القدرة على التفكير الصحيح في إيجاد البدائل، وهي متاحة حتى وإن كانت مؤلمة. فإن ترك البلد دون إصلاحات حقيقية وجذرية، كمن يرى السفينة تغرق بمن فيها دون أن يعمل على إنقاذها، والإنقاذ لا يتم إلا عن طريق المكاشفة والوضوح، والعمل الصادق، وبالطرق الذاتية. لأن الإعتماد على إن يتم التغيير برافعة أجنبية، هو أعتماد يعود بالأمور إلى المربع الأول بكل مآسيه، وتجاذبات مريعة أخرى ، ولن يقدّم الأجنبي شيئاً دون ثمن، والعراقيون لا يستطيعون دفع أي ثمن، لأنهم في حقيقة الأمر قد دفعوا جل ما يملكون، ولم يعد لديهم إلا ما يستر عورتهم. ولتكن الدروس المحيطة بالعراق، وبالعراق ذاته، مقدمات للإستقرار والتنمية والتقدم الحضاري، لا الى الفوضى والضياع في المتاهات.

أحدث المقالات

أحدث المقالات