من يشتري ذمم الرجال؟ من يشتري مُن الأعراب هذه البغال؟ من يشتري مَن؟ فالحاكم يبيع والشعب يبيع وكل ما هو موجود في بلادنا مباع. أين العروبة وأين القيم وشيمة الرجال؟ هل رحلت مع مناجل الحصاد وذهبت مع بيادر الخير أم أنها احتبست مع مياه الغيوم في السماء؟ لا ندري لماذا نكتب ولا نعرف عن أي موضوع سوف نكتب، فمواضيع حياتنا كثيرة لأننا نعيش في زمن أشباه الرجال الذين لا يهمهم شيء سوى ملء جيوبهم ولا يهمهم ما يحصل من حولهم لأن بطونهم التي كانت جائعة بالأمس قد امتلأت بالمأكولات الشرقية والغربية.
وهل يفيد أن نكتب نعياً عن الأموات؟ وإذا صح التعبير فإننا ننعي أنفسنا، ولكننا نكتبها الآن وسيقرأها الجيل الذي يأتي بعدنا وسوف يكتب في تعليقاته إلى رحمة الله. نعم، جميعنا في يوم ما سنذهب إلى رحمة الله. سارقون، كاذبون، ناهبون، سالبون حقوق الناس، أو صادقون أوفياء، أمناء، فكلنا إلى رحمة الله وهناك في ميزان العدالة يكون القرار الأخير من سوف يشمله هذا العفو الرباني ومن سوف يكون محروماً من رحمته…
ولنعد قليلاً إلى ماديات الدنيا، لقد أصبحنا نتباهى بالقصور والسيارات الفارهة وأصبحت شخصياتنا الاجتماعية تقاس بالمقاييس المادية، فليس فلان الذي نعرفه بالأمس والاسم الصحيح هو فلان اليوم الذي تستقبله الصفوف الأولى من المجالس وتقدم إليه صواني المأكولات التي قد وضعوا فيها ما لذ وطاب! مبالغات ومبالغات نعيشها مع واقع مبهم بعد أن كان واقعاً مفهوماً… ذكريات نسلي أنفسنا بها لأننا لا نملك البديل وإذا كان البديل موجوداً فإن الواقع الذي نعيش فيه سوف يرفضه.
لم يبقَ لنا من الأمس شيء لأن كلام اليوم كله غموض وبلا أحاسيس، كلام الأبلَه في مجالس الأدب الذي يقول ما لا يعرف منه شيئاً. سيكتب التاريخ عنا في يوم من الأيام هنا عاش لصوص الأرض وهنا عاش المتملقون وهناك في تلك الزوايا البعيدة عاش الشرفاء في ظلام دامس يبحثون عن قوت يومهم ويخافون أن يسرقه أغنياء القوم منهم…
خواطر نكتبها في كل وقت في الصباح والظهيرة والمساء دون جدوى، غايتنا أن نخرج ما في أنفسنا من هموم ونسليها بعيداً عن مأساتها وربما نزيد في آثامنا إذا لم نقل الحقيقة التي أصبحت مُرةً لأنها سوف تصطدم بواقع خجول أغبر، واقع المدح والذم، واقع المظاهر الكاذبة وكلام الابتعاد عن الواقع…