5 فبراير، 2025 2:52 م

“بشير الديك”.. عشق عالم صناعة التفاصيل وكتابة الواقع

“بشير الديك”.. عشق عالم صناعة التفاصيل وكتابة الواقع

خاص: إعداد- سماح عادل

“بشير الديك” كاتب سيناريو ومخرج أفلام مصري. من أبرز كتاب السيناريو في مصر والوطن العربي، قام بكتابة سيناريوهات عدة أفلام مميزة في فترة الثمانينات والتسعينات، وعمل مع عدة مخرجين لاسيما مخرجي الواقعية الجديدة مثل “محمد خان في “الحريف”، و”عاطف الطيب” في “سواق الأتوبيس”.

حياته..

ولد بقرية الخياطة بمدينة دمياط، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة في يونيو 1966. كتب القصة القصيرة ونشر في المجلات الثقافية بمصر والعالم العربي قبل أن يكتب للسينما.

أول أعماله هو فيلم «مع سبق الإصرار» من إخراج “أشرف فهمي” وبطولة: “محمود ياسين ونور الشريف وميرفت أمين”، عرض في فبراير 1979. ثم كون ثنائيا ناجحا مع المخرج “عاطف الطيب” في عدد من أهم أفلامه، مثل «سواق الأتوبيس» و«ضربة معلم» و«ضد الحكومة» و«ناجي العلي» و«ليلة ساخنة». و مع المخرج “محمد خان” في أفلام مثل «الرغبة»، و«موعد على العشاء»، و«الحريف».

أخرج فيلمين فقط، هما “الطوفان” من بطولة “محمود عبد العزيز”، و”سكة سفر” من بطولة “نور الشريف”. وابتعد عن السينما خلال سنوات الألفية باستثناء تقديمه فيلم «الكبار» عام 2010 من إخراج “محمد جمال العدل”، كما قدم عدد من المسلسلات التلفزيونية الناجحة مثل «الناس في كفر عسكر» و«حرب الجواسيس» وغيرها.

جبر الخواطر..

في حوار معه أجراه “محمد غالب وإمام أحمد” يقول “بشير الديك” عن عن فيلم “جبر الخواطر”: “هذا السيناريو قرأه عاطف الطيب، الله يرحمه، وتحمس له جدا، وكان من المفترض أن يخرجه، لكن الله لم يطل في عمره، كان فيلما صعبا، وشيريهان الجميلة بذلت مجهودا كبيرا في تمثيله، وأنا بذلت مجهودا في كتابته، ذهبت إلى مصحة نفسية في الإسكندرية قبل أن أكتب كلمة واحدة، والتقيت بالمرضى، وكان معي «عاطف» في هذه الزيارات.

«جبر الخواطر» كان قصة “عبد الفتاح رزق”، الصحفي في «روزاليوسف»، وإخراج “عاطف الطيب”، وسيناريو وحوار “بشير الديك”، «عاطف» مات قبل أن ينتهى من المونتاج والرتوش الأخيرة للعمل.”

وعن معايشة الواقع يقول: “المعايشة أمر مهم جدا للسيناريست. لا يمكن أن تكتب عن مستشفى أمراض عقلية دون أن تراه وتزوره وتجلس داخله فترة من الوقت، لا يمكن أن تكتب عن عالم لا تعرفه، وإلا فالناس لن يصدقوك، العمل سيفقد مصداقيته عند المشاهد، مهما كان أداء الممثل أو المخرج، الورق أولا يجب أن يكون صادقا وحقيقيا، يمكنك أن تغير في الواقع، لا يمكنك أن تجهله تماما.

من حق المخرج أن يقترح، ومن حق الممثل أن يقترح، مفيش مشكلة خالص، كلنا أطراف عمل واحد. وأنا لسه في بداياتي، قال لي رشدي أباظة: «بص يا بشبش والنبي، فيه 4 جمل كده، تقال على لساني أوى، فأنا عاوز أغيرهم»، قلت له: “يا حبيب قلبي مفيش مشكلة، نعمل كذا كذا كذا”.

أتذكر في فيلم «السلخانة»، قالوا لي يوسف بك وهبي عايز يشوفك، قلت لهم يوسف بيه عاوزنى أنا! كان سمير صبري المنتج، وجايب يوسف وهبي وأحمد عدوية، جايب أسماء كبيرة علشان يعملوا أدوار صغيرة أوى ويساهموا في نجاح العمل. قال لى: «بص يا ابني، أنا عاوز أقول لك على حاجة، أنا عندي جملة شهيرة، باقولها والناس حباها منى أوى. وما الدنيا إلا غابة كبيرة. وأنا عايز أقولها بشكل أو بآخر، ممكن أقول: “وما الدنيا إلا سلخانة كبيرة، ونحن نُساق فيها كالبغال والحمير”.

أبديت وجهة نظري بأن الجملة غير مناسبة، وأنها ستحمل إساءة للمشاهد الذي يجلس في السينما، واقترحت جملة أخرى تناسب شخصية العمل التي كانت تحمل قدرا من الفلسفة والحكمة، فعجبته جداً”.

السيناريو..

وعن كتابة السيناريو يواصل “بشير الديك”: “كتابة السيناريو حالة خاصة جدا، أنا أعشق هذا العالم، عالم صناعة التفاصيل، كنت أحب الاهتمام بكل تفصيلة، وبعضها أمور تتعلق بالإخراج، مثل زاوية التصوير، قطع المشاهد بمشاهد أخرى، الصورة والألوان والأداء والإحساس. بعض المخرجين يقول لك طب أنا أعمل إيه؟ مرة سمعت هذه العبارة من خيري بشارة.

قلت له: أنت مش شايف يا خيري كده.. أوك its up to you.. أنت المخرج، لكن أنا أقول تصوري، لا تحرمني من الإعلان عن تصوري، عايز تكسره اكسره من أجل أن تعمق المشهد، هذا حقك.

اللي يقول لك أنا لا أكتب لأحد، يبقى بيضحك عليك. كل كاتب سيناريو يرى شخصياته في خياله، ويرى الأسماء التي يمكنها أن تلعب هذه الشخصيات، خاصة سعاد حسني وأحمد زكي، بسبب الخصوصية التي تميزهما، يمكنهما أداء الشخصيات المركبة، التقمص، درجة عالية من الإبداع. ده بيكون في ذهني طبعا.

لما بابقى عارف بقى أن نادية الجندي هتعمل فيلم، وطلبوا منى كتابة السيناريو والحوار، باكون عارف قدرات نادية الجندي إيه، وباعمل حاجة تناسبها.

الأدوار الشابة التي فيها معاناة، كانت تناسب أحمد زكى بصورة أكبر، إحنا كجيل كان بالنسبة لنا كل الأدوار الشابة أحمد زكى كان قادر على إنه يديلك كل اللي أنت عايزه. نور الشريف ممثل بارع، وله مساحة يؤديها أفضل من غيره، هناك شخصيات تناسب نور الشريف ولا تناسب أحمد زكى أو عادل إمام مثلا.

سنواته الأخيرة..

في مقالة بعنوان (“حريف كتابة السيناريو”.. كيف كان يقضي بشير الديك سنواته الأخيرة؟) كتب: “محمود مجدي”:”بشير الديك كاتب كبير ويعد من المفكرين الذين كتبوا للسينما، وعلى الرغم من إنتاجه الغزير وكتابته لأعمال متنوعة في السينما والتلفزيون إلا أنه ابتعد عن الساحة الفنية منذ 15 عاما، وهذا ما يدفعنا للسؤال: كيف كان شكل حياته ونمطها وهو بعيد عن محبوبته الأولى السينما؟!

“بشير الديك” اعتاد في سنواته الأخيرة أن يبدأ يومه بقراءة الجرائد وحل الكلمات المتقاطعة والبحث داخل مكتبته الكبيرة على الكتب التي لم يقرأها فيقوم بقراءتها بجانب القراءة في كتب الصوفية.

“بشير الديك” كتب فيلم من أهم الأفلام التي عالجت القضية الفلسطينية وهو ناجي العلي فبشير الديك مهتم ومؤيد للقضية الفلسطينية منذ بداياته وكذلك أيد ما حدث في 7 أكتوبر 2023، فبالنسبة إليه إسرائيل والعالم بأكمله حاربوا الشعب الفلسطيني الذين يدافعون عن وطنهم، وآمن بشير الديك أن حل هذه القضية سيكون من خلال إقرار بإقامة دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل بقرار من الأمم المتحدة، كما أنه هاجم النازية المسيطرة على إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، وهاجم بشدة نتنياهو لهجومه على المدنين.ما حدث للشعب الفلسطيني جعل بشير الديك يعتقد أننا في أواخر مراحل الكون”.

وتواصل المقالة: “هاجم بشير الديك ظاهرة الإعلانات الرمضانية وانتقد كثرتها بشكل كبير مما جعلها تطغى على الدراما فأصبح الوضع كثير من الإعلانات قليل من الدراما، وجعل الموضوع يتحول إلى شيء مضجر وممل وكأنما يدفعوا المشاهد دفعا لمشاهدة الإعلانات فأصبح الوضع على حد تعبير الكاتب الراحل له ثمن غال جدا، في مجتمع شديد الرأسمالية ولا توجد فيه قوانين المجتمع الرأسمالي، الكل يسعى للربح أي كانت الوسيلة.

ورأى أن السوق والحس التجاري مسيطر على أغلب الموضوعات الدرامية وأننا لو في رأسمالية ناضجة ستأخذ بالها من أشياء هامة أمريكا تقدم أفلام جيدة وهي قمة الرأسمالية أما هنا يسيطر على المنتجون هاجس «أنا هكسب كام وازاي هكسب أكتر» وليس لي علاقة بالمجتمع من حولي وهذا المنطق هو الذي جعله يبتعد عن السوق بإرادته، وجاء له أكثر من عرض للعودة والكتابة للدراما والسينما لكنه لم يستطع الاندماج مع الواقع حاليا بجانب سنه الكبير كما أن هموم المجتمع لم تعد همومه الشخصية”.

وفاته..

توفي “بشير الديك” يوم الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 عن عمر الثمانين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة