بينما تفكر سوريا في مستقبلها بعد سنوات من الصراع المدمر، فإن الدروس المستفادة من العراق بعد عام 2003 بمثابة تحذير صارخ.
فقد تركت المآسي التي اجتاحت سوريا والعراق على مدى العقدين الماضيين ندوبًا لا تمحى على كلا البلدين . وقد شلت الطائفية والفساد الدولة ، وتسببت في الحروب الاهلية. والاضرار بالبنى التحتية والاقتصاد والنسيج المجتمعي في كلا البلدين .
يجب على سوريا، مع دينامياتها السياسية والاجتماعية الهشة، أن ترسم مسارًا مختلفًا. وعليها تجنب الأخطاء الجسيمة للنظام العراقي أذا ما ارادت القيادة السورية الجديدة بناء بلد مستقر ومزدهر وموحد .
فالتجربة العراقية تمثل درسا بليغا للنظام السوري الجديد . فبعد اعادة بناء النظام السياسي في العراق عام 2003 لم يتم بناء دولة رصينة ، فأدت الطريقة السيئة للتعامل مع هذا الانتقال إلى عدم استقرار طويل الأجل ، مازال العراق يعاني منه الى يومنا الحاضر .
ومن بين الأخطاء المرتكبة ابعاد كافة العناصر العاملة في إدارة الدولة عن طريق اجتثاث البعث. حيث لم يتم استهداف المسؤولين رفيعي المستوى فحسب، بل أثرت أيضًا على المعلمين والمهندسين والأطباء والعسكريين وغيرهم من المهنيين الضروريين للحكم والخدمات العامة. وكانت النتيجة تفكيك مؤسسات الدولة وتهميش قطاعات كبيرة من المواطنين .
وقد أدت هذه القرارات إلى نقمة قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي، مما وفر أرضا خصبة للتمرد وبروز الأيديولوجيات المتطرفة .
كما تسببت عمليات الانتقام والاغتيالات في العراق إلى الاضطرابات السياسية والافلات من العقاب الذي لا يزال يطارد الأمة اليوم .
كان أحد أكثر أخطاء العراق ضرراً هو إضفاء الطابع المؤسسي على الطائفية في نظامه السياسي. كان لتقسيم السلطة على أسس عرقية طائفية تأثير جسيم، مما عزز الانقسامات ورسخ شبكات المحسوبية السياسية. وقد أدى ذلك إلى تعميق انعدام الثقة بين المجتمعات المحلية وأعاق ظهور هوية وطنية متماسكة .
بالنسبة لسوريا، يجب أن تكون الأولوية للوحدة الوطنية.
ويتوجب على النظام الجديد تجنب السياسات التي تفضل طائفة أو عرق أو منطقة واحدة على الآخرين . يجب أن يستند التمثيل في الحكومة إلى الكفاءة والشمولية بدلاً من الحصص الطائفية .
يمكن للمبادرات التي تعزز المصالحة والحوار بين المجتمعات المتنوعة في سوريا أن تساعد في تضميد جراح الحرب ومنع تهميش أي جماعة .
إن اتباع نهج تدريجي ومتوازن للإصلاح، بدلاً من عمليات التطهير الانتقامية، يمكن أن يمنع الفوضى التي شهدها العراق بعد حل جيشه واجتثاث العناصر الفاعلة المدنية . وينبغي أن تركز الجهود على وحدة القرار الوطني . مع إضفاء الطابع المهني على المؤسسات، وتعزيز الممارسة والخبرة بدل المحسوبية والانتماء الطائفي او العائلي في اشغال الوظائف .
لقد كان الفساد تحديا مستمرا في كل من العراق وسوريا.
وفي العراق، خلق تدفق أموال الإعمار بعد عام 2003 فرصا للاختلاس وسوء الإدارة على نطاق واسع، مع اختفاء مليارات الدولارات في جيوب المسؤولين الفاسدين . وقد أدى ذلك إلى تقويض ثقة الجمهور نتيجة اهمال مشاريع البنية التحتية الحيوية .
يجب على النظام السوري الجديد إعطاء الأولوية للشفافية والمساءلة القانونية الجادة . ويشكل إنشاء هيئات تدقيق مستقلة لمكافحة الفساد ، وضمان الرقابة العامة على جهود إعادة الإعمار خطوات فاعلة .
لعل من أهم التحديات التي يواجهها العراق هو تأثير القوى الاقليمية والغربية المتنافسة، التي غالباً ما أعطت الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب الشعب العراقي . وان سوريا معرضة لخطر منافسات إقليمية وعالمية. مما يتوجب عليها مقاومة التدخل الخارجي من اي جهة كانت .
ان اعادة بناء أمة حطمتها الحرب مهمة ليست باليسيرة. ومع ذلك، من خلال تجنب الأخطاء الجسيمة للعراق، يمكن للنظام السوري الجديد أن يضع الأساس لمستقبل مستقر ومزدهر ، ومع الخيارات الصحيحة، يمكن لشعبها أن يرتفع فوق الدمار ويبني غدًا أفضل .