خاص: كتبت- نشوى الحفني:
وسط تقارير إعلامية تؤكد انتهاء المشروع الإيراني؛ شدّد القائد العام للإدارة السورية الجديدة؛ “أحمد الشرع”، الملقب: بـ”أبو محمد الجولاني”، على أن: “الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكانٍ آخر”.
وأكد “الجولاني”؛ خلال مقابلة مع صحيفة (الشرق الأوسط)؛ أن بلاده: “لن تكون منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان”.
وقال “الجولاني”؛ في المقابلة التي جرت في “قصر الشعب” الرئاسي بـ”دمشق”، الخميس، إن: “ما قمنا به وأنجزناه بأقل الأضرار والخسائر الممكنة… أعاد المشروع الإيراني في المنطقة (40 سنة) إلى الوراء”.
وأعرب عن تطلعه إلى: “الحالة التنموية المتقدمة التي وصلت إليها بلدان الخليج ونطمح إليها لبلدنا”.
وأوضح “الشرع” أنهم اليوم في مرحلة بناء الدولة، مبينًا أن “الثورة السورية” انتهت مع سقوط النظام؛ ولن يسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر.
وقال: “سورية تعبت من الحروب ومن كونها منصة لمصالح الآخرين، ونحن بحاجة لإعادة بناء بلدنا وبناء الثقة فيه، لأن سورية بلد في قلب الحدث العربي”.
نهاية النفوذ الإيراني..
صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ (ذات الميول السلفية الإسلامية منذ سنوات)، قالت إن سقوط نظام الرئيس؛ “بشار الأسد”، في “سورية”، شكل نهاية النفوذ الإيراني، وصعودًا كبيرًا لنفوذ “تركيا”، مما يُعيّد رسم المشهد الجيوسياسي من “القرن الإفريقي” إلى بلاد “الشام وأفغانستان”.
وقد صَعدَ الدعم الذي قدمه الرئيس؛ “رجب طيب إردوغان”، للفصائل السورية المسلحة، بـ”أنقرة” إلى مرتبة القوة الإقليمية الأكبر.
وكتب مؤسس ورئيس تحرير مجلة (نيولاينز)؛ “حسن” في الصحيفة البريطانية، أن “تركيا” لعبت دورًا محوريًا في النصر المفاجيء الذي حققته الفصائل المسلحة من دون إراقة الدماء، إذ وفرت “تركيا” المعلومات الاستخباراتية والإرشاد والغطاء السياسي.
استنزاف “إيران”..
في السنوات الأولى من النزاع السوري؛ قدمت عشرات الدول دعمًا متفرقًا للفصائل المسلحة، بينما كان التزام “تركيا” بدعم الفصائل المحاذية لحدودها، وعبْر هدنات وخطوط جبهة مجمَّدة تم العمل عليها منذ 2019، ضمنت “تركيا” للفصائل الاستقرار وإفساح المجال لها كي تُعيّد تنظيم نفسها.
ومع استنزاف “إيران” وعدم قدرتها على توفير الموارد والقوى البشرية بسبب الضربات الإسرائيلية ضد (حزب الله) والفصائل الإيرانية في “لبنان وسورية”، لم يصر انهيار نظام “الأسد” ممكنًا فحسّب، بل بات حتميًا.
وفي الوقت نفسه؛ لم تُقدم “روسيا”، المنشغلة بحربها في “أوكرانيا”، سوى دعم محدود لـ”الأسد”.
ومن المُرجّح أن يشعر “العراق” بتأثيرات النجاح التركي. وأبقت “تركيا” على وجود في المناطق الشمالية، وتعاونت مع أكراد “العراق”، واستهدفت حزب (العمال الكُردستاني). بحسّب مزاعم الصحيفة البريطانية.
يُعزز يد “تركيا” في المناطق السَّنية..
وكما يدعي الكاتب؛ فإن صعود حكومة يقودها السَّنة في “سورية” يُعزز يد “تركيا” في المناطق السَّنية من “العراق”؛ الذي تهيَّمن عليه فصائل شيعية موالية لـ”إيران” منذ سقوط تنظيم (داعش) عام 2019، مما يعني التلاشي التدريجي لنفوذ “إيران” في “العراق”.
وعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن، كان الهلال في “إيران”، يرمز إلى طموحها للسيّطرة على الشرق الأوسط. ويمتد هذا الممر من “طهران” إلى “البحر الأبيض المتوسط”.
وبحلول عام 2019، بدا أن “إيران” قد عزّزت قبضتها على (04) عواصم عربية – “بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء” – مما يمَّثل ذروة نفوذها الإقليمي.
قطع الجسر الإيراني لـ”لبنان”..
واليوم ينكسر هذا الهلال؛ وكان انتصار الفصائل المسلحة في “سورية”، إلى جانب النفوذ التركي المتزايد، سببًا في قطع الجسر البري الإيراني إلى “لبنان”، وتعطيل خطوط إمدادها وعزل وكلائها. بحسب تصورات الصحيفة البريطانية المضللة.
وينعكس هذا التراجع بشكلٍ أكبر في “لبنان”، حيث تتعرض هيمنة (حزب الله) لضغوط متزايدة بسبب الأزمات الداخلية والضغوط العسكرية المستمرة التي تُمارسها “إسرائيل”.
وبحسّب مزاعم الكاتب؛ فإن خسارة “إيران” هي مكسب لـ”تركيا”، حيث تتحول “دمشق” من حليف لـ”إيران”؛ منذ ما يقرب من نصف قرن إلى حليف لـ”تركيا”.
وختم الكاتب: “بالنسبة للمنافسين والحلفاء على حدٍ سواء، لن يكون السؤال هو ما إذا كانت تركيا ستَّهيمن على المنطقة، بل كيف ؟”.
فرصة للتفاوض على البرنامج النووي..
بينما يرى الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين الفرنسيين؛ أنّ التطوّرات الأخيرة التي حدثت في “سورية”، تُوفّر فرصة ثمينة للتفاوض مع “إيران” حول برنامجها النووي، من زاوية استغلال كونها الطرف الأضعف، بعد فُقدان نفوذها في الشرق الأوسط.
وتنبع الأحداث الحاسمة التي طرأت على الوضع في الشرق الأوسط، في نهاية المطاف من الهجوم الذي شنّته حركة (حماس) على مستوطنات “غلاف غزة”؛ في 07 تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي، ودعم (حزب الله) اللبناني لها، فيما وجدت “طهران” نفسها غير قادرة على مُساعدتهم في مواجهة الردّ الإسرائيلي العنيف. كما تدعي الآلة الدعائية الصهيوأميركية وتوابعها العربية والغربية.
ولا يعني سقوط نظام “الأسد” خسارة “إيران” الآن لدولة حليفة فحسّب، بل أيضًا أنّ إمدادات (حزب الله) ستُصبح أكثر تعقيدًا، الأمر الذي يجعل من الصعب تصوّر إعادة بناء قُدراته العسكرية.
تغييّر ميزان القوى في الشرق الأوسط..
واعتبر الدكتور “إيمانويل فاتاناسينه”؛ الأستاذ والباحث الفرنسي في التاريخ والجغرافيا السياسية، أنّ الانتصار المُفاجيء للتحالف الذي قادته (هيئة تحرير الشام) ضدّ نظام الرئيس السوري السابق؛ “بشار الأسد”، أدّى إلى تغيّير كبير في ميزان القوى في الشرق الأوسط.
ولكن برأيه؛ فإنّه ما زال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الحرب الأهلية قد انتهت للتو، فالشكل الذي سيتخذه النظام السوري المقبل (على افتراض احتفاظ البلاد بتماسكها) ليس واضحًا.
وأوضح أن التجربة تؤكد أنّ الحركات الديمقراطية نادرًا ما تكون ندًّا للجماعات الإيديولوجية المسلحة مثل (هيئة تحرير الشام)، وهي تطور للجماعة المتطرفة؛ (جبهة النصرة-تنظيم القاعدة)، التي لا يزال مؤسسها “أحمد الشرع”؛ (أبومحمد الجولاني)، هو الزعيم.
تضرر مصداقية “إيران”..
ويرى “فاتاناسينه”؛ أنّه من بين “المحور” الذي بنته “الجمهورية الإسلامية”، فإنّ الروابط الوحيدة التي لا تزال اليوم في حالة قتال هي (الحوثيين) في “اليمن” والميليشيات الشيعية العراقية. علاوة على ذلك، تضررت مصداقية “إيران” إلى حدٍّ كبير بسبب عجزها عن إلحاق ضرر ملموس بـ”إسرائيل”؛ (لا سيّما بعد صدمة اغتيال الزعيم السياسي لحركة “حماس”؛ إسماعيل هنية، الذي جاء لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، في المنطقة الأكثر أمانًا في طهران)، فيما فرّ المُستشارون العسكريون الإيرانيون على عجل من “سورية”. بحسب تصورات الكاتب المضللة.
ومن المؤكد أنّ سرعة انهيار النظام السوري، التي لا بدّ أنّها فاجأت مُقاتلي (هيئة تحرير الشام) أنفسهم، لم تترك سوى القليل من الوقت لـ”إيران” للرد. وكانت خسارة “طهران” قاسية لحليف مُهم، تمّ استثمار الكثير من الموارد لحمايته، وهو ما يُثبت أيضًا أنّ القوة الإيرانية كان مُبالغًا فيها.
من إيران إلى تركيا..
ومن جهتها؛ رأت مجلة (لو بوان) الفرنسية؛ أنّ إضعاف ما يُسمّى (محور المقاومة)؛ الموالي لـ”إيران”، وخاصة (حزب الله)، يُشكّل خبرًا طيبًا. ولكن مبدأ توازن القوى يتطلب من الغرب الآن الحرص على ألا يُفيد انسحاب النفوذ الإيراني الآخرين بشكلٍ مُفرط، وخاصة “تركيا”، التي قد تستسلم لإغراء قيادة النظام السوري الجديد ضدّ المناطق الكُردية، التي أصبحت بحكم الأمر الواقع ذات حُكم ذاتي خلال الحرب الأهلية.
ويُشكّل استيلاء (هيئة تحرير الشام) على السلطة في “سورية”، بالفعل نجاحًا جديدًا للنفوذ التركي بعد انتصار “أذربيجان” على “أرمينيا”؛ في عام 2020، بالإضافة لاختراقات ناجحة لـ”أنقرة” في ملفات عدّة.
وبالمُقابل؛ فإنّه من المؤكد أنّ الرهان على بقاء النظام الإيراني الحالي على المدى الطويل ليس الحل الأمثل للشرق الأوسط، رُغم مخاطر الدور التركي. ونظرًا للعرقلة التي يواجهها من قبل رجال الدين و(الحرس الثوري)، فإنّ أيّ ديناميكية عميقة لتحرر “طهران” تبدو مستحيلة داخله.
إطلاق المفاوضات..
وحسّب المجلة الفرنسية؛ يبدو أنّ الوقت قد حان لكي تقوم الدبلوماسية الأوروبية والفرنسية بشكل خاص، بالتنسيق مع “الولايات المتحدة”، بإعادة إطلاق المفاوضات الرامية إلى تنظيم البرنامج النووي الإيراني.
وكان الرئيس الأميركي المُنتخب؛ “دونالد ترمب”، قد أعلن خلال الحملة الرئاسية، أنّه يجب توقيع اتفاق مع “إيران” – على الرغم من أنه دفن في عام 2018 “اتفاق فيينا”، الذي أبرمه “باراك أوباما”؛ في عام 2015. ومن شأن ذلك أن يسمح لـ”الجمهورية الإسلامية” بإنعاش الاقتصاد الوطني إلى حدٍّ ما واستعادة حيز المناورة في الميزانية، مقابل التخلي عن برنامج تخصّيب (اليورانيوم) الذي يهدف إلى تطوير سلاح نووي.
ومن المؤكد أن تكلفة اتفاق من هذا النوع، هي السماح للنظام الإيراني بتحقيق استقرار الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الداخل مع تمويل الجماعات المسلحة في الخارج. لكن في ظل الوضع الجديد الناشيء في الشرق الأوسط، حيث يتعين على “إيران” أن تقصَّر نفوذها على “العراق واليمن”، فإنّ هذا رهان تفوق فوائده مخاطره بكثير، خاصة وأن “الجمهورية الإسلامية” لم تكن قط أقرب من اليوم إلى تحقيق مستوى التخصّيب اللازم لتصنيع الوقود النووي والقنبلة النووية.
نصر لـ”بزشكيان” واستفادة لـ”ترمب”..
وعلى الرغم من أنّ الرئيس الإيراني الجديد؛ “مسعود بزشكيان”، لا يتمتع بسلطة عليا داخل النظام، إلا أنّه ينتمي إلى الاتجاه الذي يُفضّل التنمية الاجتماعية والاقتصادية على السياسة الخارجية العدوانية. كما ترى الميديا الغربية.
ويرى الخبير الاستراتيجي؛ “فاتاناسينه”، أنّ التوصل إلى اتفاق نووي سوف يُشكّل نصرًا مُهمًّا يُحسّب للرئيس الإيراني، شريطة أن يتمكن بطبيعة الحال من إقناع المرشد الأعلى؛ “علي خامنئي”.
ومن شأن الرئيس؛ “ترمب”، أيضًا أن يستفيد، على المستوى الشخصي، من التوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، فمن المُرجّح أنّه سيسعى للحصول على أقصى قدر من التنازلات من “طهران”. وقد تضطر “إيران” إلى دفع ثمن “الاتفاق النووي” من خلال الوقف الدائم لدعمها لحركتي (حماس) و(حزب الله).