21 ديسمبر، 2024 7:44 ص
يأكل الناس حقوق الناس ويظلم القوي الضعيف ، ويحدث هذا اكثر ما يحدث عندما تغيب الدولة العادلة او عندما يضعف القضاء او عندما تؤول الامور بيد الفاسدين ، وفي عادة المجتمعات الحديثة ان يحمي القانون الضعفاء وان ترد المحاكم الحقوق وتمنع السلطة -بأدواتها المخولة- المظالم ، ولكن الأمر يرجع الى العرف والدين عندما يغيب كل ذلك لسبب من الأسباب كسقوط الأنظمة وانهيار الدول واختلاط الأعراف ،
فالدين هو النظام الذي لا يسقط لأنه باق في ضمائر الناس وعقول العلماء وبطون القراطيس ، وهو الدولة التي لا ننهار لأن ملكها رب العزة وحراسها الملائكة ودستورها الكتاب المحفوظ ، وهو العرف الذي لا يختلط لانه يحكم بميزان واحد بين العربي والأعجمي والمتمدن والبدوي ، فإذا اختلت الموازين وتفاوتت المعايير وماج الناس لأمر خطير برز الدين وشريعته واحكامه ليعيد الناس الى رشدهم و يصدّ الناس عن غيّهم ويقيم لأهل الحق الحقوق ويرد عن المستضعفين المظالم ،
وليس للحاكم او من يتولى أمر الناس -بعد سني ظلم و مرَج دهتهم- ان يعفو عن مظلمة أو يسقط حقا ليس هو طرفا فيه بل ان الله الخالق سبحانه وتعالى حرّم هذا على نفسه فكيف يكون لك وانت الآدمي المخلوق ان تمنح لنفسك صلاحية كهذه أن آتاك الله الملك أو امّرك المسلمون عليهم ومن تحت جناحهم من الذمّيين والآخرين ، فالأصل ان يعفو صاحب المظلمة وان يتنازل صاحب الحق راضيا مرضيا عن طيب نفس منه وإلاّ فيقاد من ظالمه ويعاد له حقه لا ينقص منه شيء ،
فان المظالم التي ليس فيها حقوق للآدميين يمكن تسوية  تبعاتها بتحقيق شروط التوبة في “الإقلاع عن المعصية حالا والندم على فعلها في الماضي والعزم عزما جازما على عدم العودة إلى مثلها أبدا”، وإلا فإن كانت المظلمة تتعلق بحق الغير فإنه يشترط فيها رد المظالم إلى أهلها أو تحصُّل البراءة منهم بالمسامحة و الاستحلال ، ولك ان تعرف ان من المظالم التي تكون بين العبد والعبد ما يكون معنويا كمن تكلم في شخص بغير حق أو سخر منه ونحو ذلك فالخلاص منها يكون مع التحلل من صاحب المظلمة حال حياته إن علم بها ، فكيف بمن استحل مالا او عرضا او عينا ،
 و يأخذ من مات وله مظلمة عندك من حسناتك يوم القيامة -وهذا ادهى و أمر- فيأخذ منها بقدر المظلمة إذا كانت لك حسنات فإن لم تكن لك حسنات فإنه يؤخذ من سيئاته ثم تطرح عليك ، وذلك أيضا على قدر المظلمة ، ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” ، فاستحلل ايها الظالم مظلومك و ردّ على من أكلت حقه ماله قبل ان لا ينفعك مال ولا بنون ،
ولا تريث ولا تأخير باقتصاص المظالم بخاصة الدماء والأخص من سفك دم انسان لأجل صاحب ملك ، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام “يَجِيْءُ الرجل اخذاً بيدِ الرجلِ، فيقول: يا ربِّ، هـذا قتلني، فيقولُ: لم قتلتَهُ ، فيقول: قتلتهُ لتكونَ العزَّةُ لكَ، فيقول : فإنَّها لي، ويجيءُ الرجلُ اخذاً بيدِ الرجُل فيقول: أيْ ربِّ، إنَ هـذا قتلني، فيقول الله: لم قتلتَهُ؟ فيقول: لتكون العزَّةُ لفلان، فيقول: إنَّها ليستْ لفلانٍ، فيبوءُ بإثمِهِ » ،
ولا تلم من ظُلم في مال او دم او غيره إن طالب وتشدد وصرخ فان الله تعالى أباح له ذلك ، فقال عز من قائل : ﴿لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم﴾ ، ولا تجوز الشفاعة للظالمين {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} ، وعن أَبِي هريرة : أَنَّ رسولَ اللَّه عليه الصلاة والسلام قَالَ: “لَتُؤَدّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقيامَةِ حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاء مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاء” فبادر ايها الظالم برد المظلمة وبادر ايها الحاكم بحبس الظالم حتى يؤديها : فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة” ،
و دلّت النصوص والآثار على أن المظلوم لابد يلقى ظالمه ويأخذ منه حقه لا محالة ، ومن ثم فإن الخير -حتى بعد رد المظلمة-في استحلال من ظلمهم المسلم او تعدى عليهم فلا تتم توبة هذا التائب إلا باستحلال من آذاهم إن قدر على ذلك ، يقول العلماء “فإن ترك التحلل من تلك المظالم مع القدرة فإن توبته غير تامة، ويخشى عليه من العقوبة في الآخرة وأن يقتص منه هؤلاء المظلومون، وأما من عجز عن استحلاله فالمرجو من لطف الله وكرمه أن يرضيه بما شاء من الأجر في الآخرة “، وأن يتجاوز عن هذا الشخص لفعله ما يقدر عليه، وقد رجح ابن القيم رحمه الله في الدماء انه إذا سلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ندما على ما فعل وخوفا من الله  وتوبة نصوحا سقط حق الله بالتوبة ، وبقي حق الولي بالاستيفاء أو الصلح أو العفو أما حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة” انتهى كلامعطه
 أما اذا تولى الولي ولم يردع الظلم ولم يوقفه ولم يرد المظالم لأصحابها فان في توليه وبالا جديدا على القوم قال تعالى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} ، ولا تحقرن من الظلم شيئا قلّ ولا تستصغرن شأنا من حقوق الآخرين قال رسول الله “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ.” عليه افضل الصلاة و اتم التسليم ،اللهم لا تجعلنا من الظالمين و رد حق المظلومين واجعلنا للعدل من الناصرين ،، والحمد لله رب العالمين .