وصف القرآن العنكبوت بآية واحدة : (( وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)) , كما ان هناك سورة تتحدث من أولها لآخرها عن الفتن سميت بالعنكبوت , مع ان الناس كانوا يعلمون مدى الوهن في البيت الحسي للعنكبوت لكنهم لم يدركو الوهن المعنوي الا في هذا العصر, وبالتالي جاءت الآية : لو كانو يعلمون , وقد يتبادر للذهن ما علاقة الفتن بالعنكبوت ؟ الجواب :إنّ تداخل الفتن يشبه خيوط العنكبوت , فالفتن متشابكة و متداخلة فلا يستطيع المرء أن يميز بينها , وهي كثيرة و معقدة , ولكنها هشة و ضعيفة , ومن هنا جاء الدعاء : (( اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن)) .
العنكبوت حيوان صغير وذكره يدعي عنكب أما أنثاه فهي العنكبوت , وهي التي تبني البيت وتصل عدد الخيوط إلى 400 ألف خيط وطول الخيط الواحد 20 سم , وللعنكبوت ثمانية أرجل وأربعة أزواج من العيون , وتقوم أُنثى العنكبوت بقتل الذكر بعد التلقيح , وتلقيه خارج البيت , وبعد أن يكبر الاولاد يقومون بقتل اﻷم و إلقائها خارج المنزل , انه بيت عجيب من أسوأ البيوت على اﻹطلاق , وتبدو حشرة العنكبوت وديعة رغم أن لديها استعداداً للتخلي عن قيمها بافتراس زميلاتها والمقربين منها , وتحب العناكب الزوايا المظلمة لتنسج خيوطها الحريرية التي تبين أنها أقوى بخمسة أضعاف من الفولاذ, سيد المعادن الصلبة , وتَخرُج العناكب في أوقات غير متوقعة , مثلما يخرج اللئيم في مواقف محرجة لمن كان له فضل عليه , وقد شاهد العلماء العناكب وهي تقتات على حشرات مدّت لها يد العون , وتسعد العناكب في انتشار الفوضى وهو ما يدفعها لبعثرة شبكاتها عشوائياً ليصفو لها الجو , عندما يمس شباكها أحد تتصدى له لتحمي مرتع الفساد.
لأن هناك خيراً في باطن كل (شر) , فقد وجد العلماء في خيوط العناكب متانة مكّنتهم من صناعة مواد متينة في الطائرات , وبزات رواد الفضاء , وتشييد الجسور وغيرها , مشكلتنا ليست في مَن يخالفنا أو يعادينا بل بعدم مقدرتنا على التعايش مع الآخر مهما كانت عدوانيته , هنا تذكرت عبارة قرأتها ومن غير المؤكد ان دستوفسكي قالها , ولكنها نسبت له : (( ماذا لو كان العنكبوت الذي قتلته في غرفتك يظن طوال حياته أنك رفيقه في السكن؟)) وتأشر عندي أنه قال : ((كيف احتملت فكرة أنك وضعت ثغرة مؤلمة في صدر أحدهم سترافقه طوال حياته , ومضيت هكذا دون أن تكترث لشيء ؟ )) , وكذلك قال : (( أتعرفون ماذا يعني ألاّ يعرف أحدنا إلى أين يذهب ؟ )) , ربما تطرح عبارة الكاتب الروسي حول العنكبوت العديد من الأسئلة الإنسانية , فهو يطرح مشكل قتل كائن بريء كان يتقاسم معه إطار مكاني معين و هو الغرفة , كائن كان يعتقد منذ فترة طويلة أنه رفيقه في السكن , أي رفيقه في الحياة , كائن لطيف سعيد بالإنتماء إلى عالمه أي إلى نفسه , بمعنى كائن يعيش في حدود الغبطة و ذلك بمجرد تواجده معه في الغرفة
وقد وجدت في كتاب الحيوان :
قال الحدّانيّ (( كأنّ قفا هارون إذ قام مدبرا … قفا عنكبوت سلّ من دبرها غزل
ألا ليت هارونا يسافر جائعا … وليس على هارون خفّ ولا نعل )) , وقال مزرّد بن ضرار : ((ولو أنّ شيخا ذا بنين كأنما … على رأسه من شامل الشّيب قونس
ولم يبق من أضراسه غير واحد … إذا مسّه يدمى مرارا ويضرس
تبيّت فيه العنكبوت بناتها … نواشئ حتى شبن أو هنّ عنّس
لظلّ إليها رانيا وكأنه … إذا كشّ ثور من كريص منمّس )) .
نعيد صياغة مقولة دستوفسكي بما يلي :(( ماذا لو قتلت شخصا يحبك بالفعل ؟ )) , ماذا لو دمرت حلم شخص كان يهتم لأمرك ؟ ماذا لو مزقت قلب شخص أحبك بصدق ؟ ماذا لو دمرت الأفق الروحي لشخص أحبك كالعنكبوت ؟ شخص يتقاسم معك تفاصيلك كلها , شخص يعتبرك الرفيق الوحيد في الحياة , ماذا لو قتل آخر أمل له ؟ شخص لم يتنكر لك ؟ هناك من كتب وقد صدق : (( نحن اليوم ننتمي إلى عصر ( القتل الناعم ) , ( القتل الهادىء ) , ولذا لنثني على من كتب رسالة الأعتذار التالية : (( أيها الزميل الافتراضي في السكن انا اعتذر منك , حقيقة أشعر بالأسف ان خيبت ضنك وصدمتك , بل وغدرت بك (حسب تفسيرك للأمر) , كل ما هنالك أنني لم أعرف بأنك كنت تعتبرني رفيقاً في السكن , لأنه بصراحة لم يكن هنالك أي تواصل بيننا تواصل مادي أو عاطفي , حتى أشعر على الأقل أنك تعتبرني رفيقك في السكن , كذلك صدقا عدم وجود وسيلة للتفاهم بيننا جعلتني أعتبرك دخيلاً غير مرغوبٍ به , بل وكنت أتساءل مع نفسي هل كنتَ تنتظر الفرصة لتؤذيني انت قبل أن أفعل فعلتي هذه ؟ إن كنت تضن أنني تركتك فترة في غرفتي (او غرفتنا كما تدعي زورا وبهتان ) فليس لأنني كنت أرغب بذلك , ولكنكَ كنت بعيداً عن متناول يدي لأبدأ الهجوم القاتل عليك , ولأنك كنت تختفي فلا أعثر عليك , وهذا كان قد سبب لي القلق حتى اني كنت أضن أنك بين ملابسي , بينما كنت تظن أننا رفاق .