22 يناير، 2025 12:51 م

اللحظات الاولى من اللقاء كانت مؤثرة وفي الحقيقة ان هذا اللقاء كان بمثابة معجزة غير متوقعة لان الامر كان غاية في الخطورة الا ان ارادة الله تعالى حققت هذا فهو الذي يقول للشيء كن فيكون.

على مدى ايام شهد بيتنا زيارات للأحبة والمقربين اجتمعوا مهنئين بخروجي من السجن وفي كثير من الاحيان يحتدم النقاش بين المجتمعين في مجالات شتى دون التطرق الى السياسة فهذا شعار يرفع في بيتنا ويطبق على اشد ما يكون من صور التطبيق ولهذا اسباب كثيرة منها الحرص على سلامة المجتمعين وكذلك ساكني المنزل ومنها اعتقال احد اخوالي وتغييبه في السجن دون معرفة مصيره وكذلك عددا من ابناء الاعمام …شباب بعمر الورود لم يعرف مصيرهم وبقيت الايادي ترفع الى السماء دعاءا لهم بالعودة سالمين ولم يكن ذلك الدعاء بمستجاب ,هكذا اقتضت ارادة لله عز وجل ورغم كل الحذر من تناول احاديث السياسة الا انهم اي المجتمعون في بعض الاحيان يتبادلون الوانا من الحديث لا تتناول السياسة مباشرة ولكن يشار اليها رمزا فكنت استمع الى احدهم يقول:  

هو كالنجم تظن انه افل لكن عيوننا هي التي اغمضت دونه ….هو لم يأفل ابدا وهاجا منيرا ينشر ضوؤه عبر الافق على مدى الدهور لكن عيوننا اضعف من ان تراه وباطلا نقول  : افل النجم ولم يعد منيرا .

يجيبه آخر بعد ان يحول الحديث الى مسار آخر يتناول المعاملات والرشوة فيقول:

المرتشي يقول: لو لم اكتسب المال رشوة لما امكنني ان احل مشاكلي فأنا مضطر لذلكينظر للأخرين وكأنه ينتظر الجواب

فينبري آخر قائلا:

تبرير الخطأ بخطأ اكبر واعظم

وبعد فترة من الصمت يضيف

لولا المرض لما طرقت للطبيب باب .

يسأل الصديق عن الحال قائلا:

كيف حال عائلة (ابو خالد)وهي تعاني وضعا اقتصاديا صعبا فيجيب:

انها حال صعبة ولا تكاد تتحصل قوت يومها وقد رأيت (ابو خالد) وهو جالس على عتبة الباب وهو يضع رأسه بين كفيه والحزن مرسوما على وجهه فحاولت مواساته بكلمة طيبة وانهيت حديثي اليه قائلا:

لا تنسى الآية المباركة (ان بعد العسر يسرا)

رفع اليَّ نظرة حزينة يكاد الدمع يشق جفونها وانبرى قائلا:

اليد الفارغة ليس لها نفع سوى الضرب على الرأس لتكريس الحسرة والندم والالم يا اخي لا اجد عملا اعول به عائلتي هل تدرك ما أنا عليه من عناء حين لا تجد ما تسد به سغب عائلتك. ..؟

– لاحول ولا قوة الا بالله

لم اجد غير هذه العبارة فالحرب تخلق ظروفا قاسية وللعوز والفقر فتك ما بعده فتك ومن العجب ان الدول المتنفذة تفرض الحصار على الشعوب وهي تعلم علم اليقين ان هذا الحصار لايؤثر الا على البسطاء والضعفاء من ابناء الشعوب أما علية القوم فسيجدون الف وسيلة للتخلص من عناءه والتحرر من ربقته .

*************ايها الضمير المخدّر في خبايا المصالح

                      ينادي بأسمك الجميع

                       بعضهم يناديك باسم الدين

                        بعضهم يناديك باسم الوطن

                          بعضهم يناديك باسم الحرية          

                           بعضهم يناديك باسم الحياة

لكنهم في الاغلب الاغلب ينادونك باسم مصالحهم

********لكنهم يلتقون على طاولة المشاورات

            يتصافحون ولا يتصايحون

             يبتسم بعضهم لبعض ولا يغضبون

              يناقشون مطالبهم(مصالحهم)وعنها لا يتخلون.

…………..

في الافق تزدحم الرؤى وهي تختلف في اشكالها منها ما يعود لأزمنة الضياع والخسران ومنها ما يستشرف مستقبل الايام .

انا اقف في هذه النقطة من الزمان ومن المكان ,أنظر الى ما انا فيه من الوقائع وأخط لنفسي طريق لتحقيق الأمل فغايتي ان يكون لي غد مشرق وهذا ليس حلما ولا وهما واعلم ان ذلك لايتحقق بالأماني والامنيات ولكن يتحقق ببذل الجهد واستعمال كل الوسائل الممكنة الكفيلةبتحقيق ذلك.

نعم قد يكون امسي مظلما بقدر ما هو مؤلم ومع هذا فاني املك من الايمان بالله تعالى وبما يمدني من عون لأحقق ما يهديني اليه من خير.

……………….

هكذا عاهدت نفسي وقررت ان ابدأ من هذه النقطة ,أن ابدأ من هذه الخطوة .

أجل قررت أن اترك الدراسة في المعهد والتحق بالخدمة العسكرية فهذا افضل لي لأكسب الاطمئنان النفسي والقلبي وآمن الملاحقة فكوني سجين سابق او خارج من السجن ستعرضني للكثير من المضايقات  والمسائلات في ظل ظروف الحرب الطاحنة التي تدور رحاها بين البلدين .

نعم اتخذت هذا القرار ونفذته واوصدت دون امنية نيل الشهادة العليا باب الامل.

لم تمض الا ايام حتى كنت قد انجزت معاملة التحاقي بالجيش وحزمت حقائبي ونويت السفر .

نظراتي تطالع كل شيء كأنني اراه لأول مرة كل الاشياء صارت عزيزة عليَّ غاية في المحبة كأن بيني وبينها اسرار لا يعرفها أحد غيرنا كأنها أصدق الأصدقاء فأنا أحب هذه المكتبة وأحب هذه الكتب وأحب هذه الغرفة الصغيرة واحب هذه النافذة التي تطل على فناء الدار وانا تعودت في كل صباح ان انظر من خلالها الى تلك النخلة الباسقة التي تمد ظلالها على ارض الفناء خاصة عند ارتفاع الشمس اذ يرسم ظلها على الارض نخلة بسعفها وعذوقها بل وفي كثير من الاحيان ترتسم ظلال للطيور التي تبني اعشاشها عليها . النخلة تعني لنا الكثير ففي جوارها نستظل عند الظهيرة حين يستسلم الكبار لقيلولتهم ونصير نتحدث بالصوت الخفيض ونأتي بالحركات الهادئة مخافة ازعاجهم فينالنا منهم اللوم وربما الاذى.

تعتبر تلك النحلة معلم من معالم بيتنا فقد زرعتها جدتي لابي وقد تعودنا منذ طفولتنا ان نلعب بجوارها ويشد اليها الكبار حبل الارجوحة التي نتأرجح بها وكنا نتسابق لنجمع من تحتها التمر قبل اوان نضوجه (الجمري) وكذلك بعد نضوجه وكنا نحتفل ايما احتفال حين يستأذن دخول البيت رجل ريفي يحمل الة خاصة بصعود النخل(التبلية) فيلبسها في وسطه مشدودا الى النخلة ويرتفع عليها ومن خلالها فنتابع حركة اقدامه على جذع النخلة فكانه يجعل من جذع النخلة سلم طويل ثم سرعان ما يعمد الى العذوق فيقطعها ويلقي بها الى الارض فتتناثر بضع حبات من التمر حول العذق بينما يبقى الجزء الاكبر ملتصقا بالعذق رغم ارتفاع النخلة ورغم شدة ارتطام العذق بالأرض .

كنت اعجب لهذا التعلق لحبات التمر بالعذق وها انا اجد جواب ما اعجب له انه تعلق الامل والحياة تعلق الوطن وحب الوطن التصاق به والرضا بما هو عليه وبما هو حاله هو الوطن سواء كان مكانه في اعلى جذع النخلة او مطروحا على ارض الديار تعلق بالحياة تعلق بالوطن وادركت ان لهذا التعلق ولهذا الحب يقدم المتفانون في حب الوطن تضحياتهم.