خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
التطورات السورية تنطوي على معاني ورسائل جيوسياسية وجيواستراتيجية خاصة في آتون الاصطفافات الإقليمية، والتي ستكشف عن نفسها بمرور الوقت. وبالفعل فقد فازت “تركيا وقطر” باعتبارهما لاعبين إقليميين من أنصار (الربيع العربي)؛ بانتصار المعارضة وسقوط نظام؛ “بشار الأسد”. بحسّب ما استهل “صابر گل عنبري”؛ خبير الشأن الدولي، في تحليله المنشور على موقع (نور نيوز)؛ المحسوب على المخابرات الإيرانية.
إنهاء الوجود الإيراني في “سورية”..
من هذا المنطلق؛ ربما تستاء “الإمارات ومصر”، من هذا التغيير بسبب التأثير المحتمل لذلك على إحياء “الثورات الصامتة”، ويمكن مشاهدة هذا الاستياء في تعبير؛ “أنور قرقاش”، مستشار الرئيس الإماراتي؛ “محمد بن زايد”، عن قلقه إزاء انضمام المعارضة السورية إلى (جماعة الإخوان المسلمين)؛ لكن الحقيقة أن “أبوظبي” عاجزة هذه المرة عن القيام بأي إجراء ضد الإرادة الإقليمية والدولية للإطاحة؛ بـ”الأسد” بهدف تحقيق مصلحة مشتركة ترتبط: “بإنهاء وجود إيران وحلفائها العسكري” في “سورية”.
قلق إسرائيلي..
والأولوية بالنسبة لـ”الكيان الإسرائيلي” كانت تحقيق هذا الهدف؛ لكن تستشعر بين سطور التقارير وتعليقات المحللين المقربين من السلطة في “تل أبيب”، نبرة قلق من صعود الإسلاميين في “سورية” وتأثير ذلك على المنطقة مستقبلًا.
وما الحملات واسعة النطاق، واستشعار الخوف، والقضاء على القدرات العسكرية السورية، إلا مؤشر على هذا القلق وتأثيره على حسابات حكام “سورية” الجدد.
بدوره عبر “یسرائیل کاتس”؛ وزير الدفاع الإسرائيلي، بشكلٍ ضمني، عن هذه المخاوف بقوله: “التطورات الأخيرة في سورية، ورغم الوجه المعتدل الذي يبدَّيه من يقدمون أنفسهم كمعارضة، يزيد من قوة المخاطر”.
مساعي إماراتية فاشلة..
لكن السبب الرئيس لتصالح النظام الرسمي العربي؛ لا سيما “الإمارات”؛ (باعتبارها زعيم الثورات المضادة)، مع نظام “الأسد”، هو دق المسمار الأخير في تابوت “الثورات العربية”.
لكن لم تساعد هذه المصالحة وعودة “سورية الأسد” إلى “الجامعة العربية”، في تقوية أركان النظام السوري، أو تقديم الدعم للاقتصاد السوري المفلس بسبب المعارضة الأميركية، لكن تسببت بالوقت نفسه؛ (سواء كان عن قصد وبشكل متعمد أو عن غير قصد)، في اعتناق نظام “الأسد” وحلفائه، تصورات وحسابات مغلوطة، تقوم في ضوء التطورات الميدانية، على أن اكتساب “الشرعية” الإقليمية العربية تدريجيًا لم تُعدّ خطرًا لذلك النظام.
سر عدم قلق “الرياض”..
ويبدو أن “السعودية” ليست قلقة؛ بعكس “مصر والإمارات والأردن”، نتيجة تأثير التطورات السورية على اضعاف نفوذ “إيران” الإقليمي.
بخلاف ذلك، كانت “تركيا” قد أعدت للتطورات السورية بالتعاون مع “السعودية” على أعلى مستوى؛ بحسّب “هاكان فيدان”؛ وزير الخارجية.
القضية الأخرى، أن “الرياض” لا تتعاون كالسابق مع المحور الإماراتي في المنطقة العربية، والسبب الخلاف والتوتر الذي برز بين “ابن زايد” و”ابن سلمان” قبل نحو عامين. وتغييّر نبرة وسائل الإعلام السعودية كـ (العربية)، وإرسال شخصيات معروفة إلى “دمشق” للقاء؛ “أحمد الشرع”، المعروف: بـ (الجولاني)، والثناء عليه، وكذلك رسالة تهنئة ملك “البحرين”، كلها تؤشر إلى موقف “السعودية” المختلف.
الإسلاميون في سورية..
وحكم الإسلاميين في “سورية” يرتكز حتى اللحظة على كسب الثقة والشرعية الداخلية والخارجية، وهم يريدون بذلك السيطرة على مخاوف النظام الرسمي العربي والسياسة الدولية تجاه وجودهم بالسلطة.
في غضون ذلك، فإن “تركيا”؛ باعتبارها أهم لاعب إقليمي في “سورية الجديدة”، فقد حصلت بلا شك على إنجازات جيوسياسية كبرى، لكن بالوقت نفسه سوف تواجه مستقبلًا الكثير من التحديات، ومن المحتمل أن يتبلور في المنطقة العربية تدريجيًا تصور حول المداخلات التركية والعثمانية الجديدة.
وقد بدأ منذ الآن بعض نشطاء الفضاء المجازي المقربين من “الإمارات” عملهم لإشاعة هكذا تصور، و”تركيا” بدورها قد أدركت هذه المسألة، وما تصريحات “فيدان” بشأن عدم رغبة “أنقرة” في الحيلولة مكان “إيران”؛ بـ”سورية”، إلا دليل على ذلك.
ورُغم الوجود العسكري التركي في شمال “سورية”، إلا أن سياسة هذا البلد الخارجية تقوم على النفوذ الثقافي والاقتصادي، وعلينا أن نرى كيف ستتعامل مع تحديات دورها في “سورية”. لكن يبدو أن الرئيس المصري هو الأشد قلقًا، وهذا واضح من رد فعله السلبي على انتصار المعارضة في “سورية”، وسوف نناقش هذا الموضوع في مقالة أخرى.