20 ديسمبر، 2024 11:15 م

قصة الحضارة (178):  قامت حضارة طراودة علي ثراء التجارة

قصة الحضارة (178):  قامت حضارة طراودة علي ثراء التجارة

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن حضارة طراودة في أرض اليونان الأصلية، والتي قامت بشكل أساسي علي التجارة. وذلك في الحلقة الثامنة والسبعين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

طروادة ..

يكمل الكتاب الحديث عن الحضارة الميسينية: “بين كريت وأرض اليونان 220 جزيرة منثورة في بحر إيجة في دائرة حول ديلوس، ومن أجل ذلك سميت السكليديس. ومعظم هذه الجزائر صخري قحل وهي بقايا قمم جبال كانت تمتد في أرض غرق بعضها تحت ماء البحر، ولكن بعضها كان غنيا بالرخام أو المعادن إلى حد جعل أهله يعملون في استخراجها، وأنشئوا فيه حضارة على مر القرون القديمة قبل أن يطل علينا التاريخ اليوناني.

وقد قامت المدرسة البريطانية في أثينه عام 1896 بأعمال الحفر في أرض ميلوس عند فيلا كوبي، وعثرت على أدوات وأسلحة وفخار مشابهة شبها يثير الدهشة لآثار العصور التي مرت بها الحضارة المينوية عصرا عصرا؛ واستطاع الباحثون بفضل البحوث التي أجريت في غيرها من الجزائر أن يرسموا صورة لجزائر السكلديس في عصر ما قبل التاريخ تتفق في زمنها وصفاتها مع الصورة المستعادة التي رسمها المنقبون لكريت، وكانت جزائر السكلديس ضيقة الرقعة لا تزيد مساحة أرضها كلها على ألف ميل مربع، فكانت من هذه الناحية شبيهة ببلاد اليونان عاجزة عن الاجتماع في قوة سياسية موحدة.

ولم يكد يحل القرن السابع قبل الميلاد حتى خضعت هذه الجزائر الصغيرة في حكمها وفنونها، بل خضع بعضها في لغته وكتابته لسيطرة الكريتيين؛ ولما أن حل الطور الأخير من أطوار الحضارة الكريتية (1400-1200) انقطع ما تستورده تلك الجزائر من كريت، وولت وجهها شطر ميسيني تستورد منها فخارها وأساليبها.

وإذا اتجهنا نحو الشرق إلى أسبوردايس أي المتفرقة ألفينا في جزيرة رودس ثقافة أخرى في عصر ما قبل التاريخ من نوع الثقافات الإبجية البسيطة، أما في قبرص فإن رواسب النحاس الغنية التي استق منها اسم الجزيرة قد أفاءت عليها قدراً من الثراء دام حتى عصر البرنز (3400-1200) ولكن مصنوعاتها ظلت مع ذلك خشنة غير مهذبة لا تمتاز في شيء إلى ما قبل السيطرة الكريتية”.

الكتابة..

ويواصل الكتاب عن الكتابة في حضارة طراودة: “وكان أهلها الذين يغلب عليهم العنصر الآسيوي يستخدمون كتابة مقطعية شديدة الصلة بالكتابة المينوية، ويعبدون إلهات تنحدر من عشتار السامية، وهي التي قدر لها أن تصبح أفروديتي إلهة اليونان. ثم نمت صناعة المعادن في الجزيرة نموا سريعا بعد عام 1600؛ وأخذت المناجم التي تمتلكها الحكومة الملكية تصدر النحاس إلى مصر، وكريت، وبلاد اليونان.

وكان المصنع المقام في إنكومي يصنع الخناجر الذائعة الصيت، وكان الفخرانيون يبيعون آنيتهم المستديرة في جميع البلاد الممتدة من مصر إلى طروادة. واستخرجت الأخشاب من الغابات، وأخذ سرو قبرص ينافس أرز لبنان. وفي القرن الثالث عشر أنشأ المستعمرون الميسينيون المستعمرات التي أضحت فيما بعد مدناً يونانية وهي باثوس مدينة أفروديتي المقدسة، وسيتيوم، مسقط رأس الفيلسوف زينون، وسلاميس القبرصية التي حط فيها صولون رحاله في أثناء تجواله ليُحل القانون محل الفوضى”.

التجارة..

وعن التجارة يتابع الكتاب: “وعبرت التجارة الميسينية كما عبر النفوذ الميسيني البحر من قبرص إلى سوريا وكاريا، ومنهما انتقلا عن طريق الشواطئ والجزائر الآسيوية حتى وصلا إلى طروادة. وهناك كشف شليمان ودوربفلد على تل تفصله عن البحر ثلاثة أميال عن تسع مدن كل واحدة فوق الأخرى كأنما كان لطروادة تسع حيوات:

1- فكان في الطبقة الدنيا بقايا قرية من العصر الحجري الحديث يصل تاريخها إلى عام 3000 ق.م، وقد وجدت فيها جدران من الحجارة غير المنحوتة بينها طبقات من الطين، كما وجدت قواقع حلزونية، وقطع من العاج المشغول، وأدوات من الحجر الزجاجي، وقطع من الفخار المصقول باليد.

2- ووجدت فوق هذه الآثار أنقاض المدينة الثانية التي اعتقد شليمان أنها طروادة هومر. وكانت أسوارها المحيطة بها مقامة من حجارة ضخمة كأسوار تيرينز وميسيني، وكان في أماكن متفرقة منها حصون وفي أركانها أبواب ضخمة مزدوجة ما يزال اثنان منها باقيين حتى الآن. وهناك أيضا بيوت باقية تعلو نحو أربع أقدام، وقد بنيت من الآجر والخشب فوق أساس من الحجارة. ويستدل مما عثر عليه فيها من فخار مطلي بطلاء أحمر، مصنوع على العجلة ولكنه خشن فج، على أن هذه المدينة كانت قائمة في الفترة المحصورة بين 2400، 1900 على وجه التقريب. وقد حل البرونز فيها محل الحجر في صنع الأدوات والأسلحة، وكثرت فيها الحلي، ولكن التماثيل الصغيرة قبيحة المنظر بدائية الصنع. ويتضح من مخلفات هذه المدينة الثانية على أن النار قد دمرتها، فآثار النار كثيرة فيها كثرة اقتنع معها شليمان بأن هذا كان من عمل يونانيي أجممنون.

(3-5) ووجدت من فوق “المدينة المحروقة” بقايا ثلاث دساكر متتالية صغيرة وفقيرة، لا قيمة لها من الناحية الأثرية.

6- وقامت حوالي 1600 ق.م مدينة أخرى على هذا التل التاريخي. وقد دفعت السرعة والحماسة شليمان إلى أن يخلط عاديات هذه الطبقة بعاديات الطبقة الثانية، وأن يصف المدينة السادسة بأنها “مستقر ليدي” لا خطر له، ولكن دوريفلد واصل الحفر بعد موت شليمان مستعيناً إلى وقت ما بمال شليمان نفسه، حتى كشف عن مدينة أكبر كثيراً من المدينة الثانية مزدانة بالمباني الكبيرة مقامة من حجارة مسواة، يحيط بها سور يرتفع فوق الأرض ثلاثين قدما بقيت له ثلاثة من أبوابه. ووجدت في أنقاض المدينة مزهريات ذات لون واحد أدق صنعا من المزهريات التي وصفناها من قبل، كما وجدت فيها آنية كآنية أوركمنوس المينية، وقطع من الفخار شبيهة بما وجد في ميسيني إلى حد اعتقد معه دوريفلد أنها مستوردة من هذه المدينة الثانية وأنها لذلك معاصرة لأسرة القبور البئرية (1400-1200 ق.م).

طروادة هومر..

ويضيف الكتاب: “ويرى معظم العلماء أن هذه المدينة السادسة هي طروادة هومر، مستندين إلى هذه الآثار، وإلى عوامل أخرى أقل منها ثباتا واستقرارا . ويخصون بها “كنز بريام” الذي ظن شليمان أنه عثر عليه في المدينة الثانية، والمكون من ستة أساور، وطاسين، وتاجين، وعصابتين للرأس، وستين قرطا و 7800 قطعة أخرى كلها من الذهب. ويؤكد لنا المؤرخون أن المدينة الثانية قد دمرتها النار أيضا حوالي عام 1200 ق.م، ويحدد المؤرخون اليونان حصار طروادة بالفترة الواقعة بين: 1194، 1184 ق.م .

وبعد، فمن هم الطرواديون؟ تذكر إحدى البرديات المصرية اسم الدردنيويين بين أحلاف الحثيين في واقعة قادش (1287)؛ ويحتمل أن يكون هؤلاء هم أسلاف الدردنويين وهم في لغة هومر الطرواديون أنفسهم. والراجح أن هؤلاء الأقوام ينتمون إلى أصل بلقاني، وأنهم عبروا مضيق الهلسينت في القرن السادس عشر مع أبناء عمومتهم الفريجيين، واستقروا في وادي نهر اسكندر الأدنى. أما هيرودوت فيوحد بين الطرواديين والتيكريين وهؤلاء في رأي اسطرابون أقوام من كريت استقروا في الصقع الذي بنيت فيه طروادة فيما بعد، ولعل استقرارهم في ذلك المكان كان بعد سقوط نوسس”.

جبل أيدا..

ويكمل الكتاب عن جبل أيدا: “ولقد كان لكريت وطروادة جميعا جبل مقدس يسمى جبل أيدا “جبل أيدا ذا الفوارات الكثيرة” الذي يذكره هومر وتنيسن ولقد تعرض هذا الإقليم في أوقات مختلفة إلى مؤثرات سياسية وجنسية من أرض الحثيين الواقعة خلفه. وتدل أعمال الحفر في جملتها على وجود حضارة بعضها مينوي، وبعضها ميسيني، وبعضها آسيوي، وبعضها دانوبي.

ويصف هومر الطرواديين بأنهم كانوا يتكلمون لغة اليونان ويعبدون آلهتهم، ولكن اليونان المتأخرين عن عصر هومر كانوا يقولون إن طروادة مدينة آسيوية، وإن حصارها الذائع الصيت هو أول الأحداث المعروفة في النزاع القائم بين الساميين والآريين، وبين الشرق والغرب.

وأهم من مظهر أهلها وجنسهم موقع المدينة المنيع قرب مدخل الهلسبنت والأراضي الغنية المحيطة بالبحر الأسود. لقد كان هذا الممر الضيق في التاريخ كله ميدان القتال بين الإمبراطوريات”.

حصار طراودة..

وعن حصار طراودة: “وكان حصار طروادة هو معركة غليبولي الحديثة نشبت في عام 1194 ق.م. وكان السهل القائمة عليه على درجة لا بأس بها من الخصب، وكانت الأرض المجاورة له من الشرق غنية بالمعادن الثمينة؛ ولكن هذه الثروة وحدها لا يمكن أن تكون سبب ثراء طروادة أو هجمات اليونان عليها. إن أهم من هذا في رأينا أن موقع المدينة كان يمكنها من فرض المكوس على السفن المارة بالهلسبنت، وكانت هي في القوت عينه بعيدة عن البحر بعداً يجعلها في مأمن من الهجمات البحرية.

وربما كان هذا السبب لا وجه هلن الجميل هو الذي جردت من أجله ألف سفينة للهجوم على إليوم. وثمة رأي آخر يفسر ثراء طروادة وربما كان أرجح من الرأي الأول وهو أن التيارات المائية والرياح الجنوبية في مضيق الهلسبنت قد جعلت التجار يفرغون بضائعهم في طروادة وينقلونها براً إلى داخل البلاد، وأن طروادة قد حصلت من المكوس التي تتقاضاها نظير قيامها بهذا العمل على ما تجمع لها من قوة. ومهما يكن سبب هذا الثراء فإن تجارة المدينة نمت نموا سريعا كما يستدل على ذلك من اختلاف المصادر التي تنتمي إليها آثارها.

فقد كان يأتي إليها من الجزء الجنوبي من بحر إيجة النحاس، وزيت الزيتون، والخمر، والفخار؛ ومن بلاد الدانوب وتراقية: الفخار، والكهرمان، والخيل، والسيوف؛ ومن بلاد الصين النائية أشياء نادرة كحجر اليشب. وكانت طروادة تستورد من داخل البلاد المحيطة بها خشبا، وفضة، وذهبا، وحمرا برية، وتصدرها إلى الخارج”.

ترويض الخيول..

وكان أهل طروادة “مروضو الخيول” المقيمون في زهو وخيلاء داخل أسوارهم، يسيطرون على ما حولهم من البلاد ويفرضون المكوس على تجارتها البرية والبحرية.

والصورة التي تطالعنا في الإلياذة عن بريام وبيته هي صورة العظمة والعطف الأبوي التي تطالعنا في أسفار التوراة. فالملك كثير الزوجات، ولم يكن منشأ هذه الكثرة حب المتعة بل كان منشؤها ما يشعر به من تبعه تفرض عليه أن يستمر في إنجاب الأبناء وزيادة عددهم. أما أبناء الملك فيقتصرون على زوجة واحدة، وكلهم حسنو الأخلاق مستقيمون إذا استثنينا بطبيعة الحال باريس المرح الذي كان بعيداً عن حسن الخلق بعد السبيديس.

وإن هكتور ، وهلنوس، وترويلوس لأجدر بالحب من أجممنون المتقلب، وأديسيوس الغدار، وأكليز المشاكس. وأندروماك وبلكسينا لا تقلان سحرا وفتنه عن هيلين وإفجينيا؛ وهكيبا أحسن قليلاً من كليتمنسترا. والطرواديون في جملتهم كما يصورهم أعداؤهم يبدون في نظرنا أقل خداعا، وأكثر وفاء، وأحسن تهذيبا، من اليونان الذين غلبوهم على أمرهم. ولقد أحسن الفاتحون أنفسهم بهذا التفوق في أواخر أيامهم؛ ولم يبخل هومر على أهل طروادة بكلمة طيبة؛ ولم يترك سافو ولا يوريديز شكاً في الناحية التي يرون أنها خليقة بعطفهم وإعجابهم.

ولقد كان من دواعي الأسف أن يعترض هذا الشعب طريق بلاد اليونان المتوسعة التي جاءت، رغم عيوبها الكثيرة، إلى هذا الإقليم وإلى غيره من أقاليم البحر الأبيض المتوسط في آخر الأمر بحضارة أرقى من كل الحضارات التي عرفها من قبل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة