دَوامُ الحالِ مِن المُحال} قولٌ مأثور
وَحْدن كلمة عربية باللهجة اللبنانية، تعني (وحدهم) أو (هم وحدهم) وهي صيغة جمع لمجموعة من الأشخاص أو الأشياء معينة ومحددة يتم الحديث عنهم، لا تشمل غيرها؛ بهذا العنوان (وحدن) ظهر لنا الفيلم الوثائقي المتميز، للمخرج وكاتب سيناريو الفيلم (فجر يعقوب).
الفيلم يجمع بين التوثيق للأشخاص والأحداث وتثبيت زمان ومكان حدوثها، ممزوجاً مع القراءات الشعرية وفن التصوير التسجيلي والإخراج في السينما التوثيقية، تم تصوير الفيلم في بيروت عام (2013) فيما كانت أحداث وقصص ووقائع أحداث سيناريو الفيلم تبعد بنا كثيراً بعمق الزمن،أبعد كثيراً من هذا التاريخ بعشرات السنين أنها تعود الى سنين حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تتحدث عن احداث ووقائع جرت معظمها في لبنان).
اسم الفيلم (وَحدن) هو بالحقيقة عنوان أغنية ذائعة الصيت للفانة الكبيرة (فيروز) بلحن أخاذ وصوت ساحر، والتي تقول مقدمة الاغنية (وحدن بيبقو مثل زهر البيلسان) والتي كتبها الشاعر اللبناني (طلال حيدر) وللقصيدة قصة معروفة ومشهورة وموثقة بلسان الشاعر (حيدر طلال) ومنشورة في مختلف وسائل الإعلام، وهي قصة العملية الفدائية الفلسطينية المسمات (عملية الخالصة) والتي نفذت في مستوطنة (كريات شمونة) في (11نيسان 1974).
الفيلم يوثق بالصوت والصورة لنشاطات وأعمال (ثلاث) مخرجين رواد مبدعين (لبنانيين) ولذلك لشاعر لبناني (طلال حيدر) أيضاً.
المخرجون هم:
بالإضافة للإخراج السينمائي فقد عرف عنه انه متعدد المواهب فنانومسرحي وأجاد الغناء الأوبرالي وَشاعر له العديد من الدواوين الشعرية، توفي في (بيروت) بتاريخ (11/ديسمبر/2013) بعد اكتمال تصوير الفيلم(وحدن) وقبل أن يشاهد عرض الفيلم.
خلال مشاهدتي عند عرض فيلم (وَحدن) كانت اللقاءات التي اجراها الفنان المغفور له (كريستيان) تظهر على صحته وحديثه قساوة الزمان وكرب المحن التي ضغط بعنف عليه وعلى صحته ونفسيته ومنها فقدان ارشيفه الفني الغزير، وفقدان زوجته وأوجاع مرضه وتبخر أحلامه وأماله!
للمخرج (جورج) العيديد من الأفلام والدراسات السينمائية، كرم بالعديد من الجوائز، يعد الأب الروحي للسينما اللبنانية، توفي عام (2019) عن عمر يناهز (92) عاماً. وثق لنا فيلم (وحدن) بالصوت والصورة المخرج المبدع (جورج نصر) وهو بعمر متقدم همته العالية وذاكرته المتقدة ونشاطه وحيويته عالية، وهو يتحدث عن مشاريعه وأحلامه التي لأسباب عديدة لم يستطع تحقيقها، دارت كامرة الفيلم بمكتبه الخاص لتوثق لنا أرشيف غني كبير لأعماله ومشاريعه الاكاديمية والسينمائية.
خلال عرض فيلم (وَحدن) سلط الضوء فيه عن فيلمها (لأن الجذور لا تموت) والذي يصور الفيلم الحياة الصعبة القاسية المأساوية لسكان مخيم (تل الزعتر) الفلسطيني في بيروت، خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية، والذي ركزت فيه المخرجة عن حياة النساء الفلسطينيات واللبنانيات اللواتي يكافحن بالعمل المثابر من اجل العيش والحياة.
في فيلم (وَحدن) يُبرز لنا المخرج المبدع ( فَجر يعقوب) لقطات من (فصل الخريف) يمازجها ويداخلها بشكل فني جميل مؤثر بصورة حية للشاعر (طلال حيدر) وهو ينشد مقاطع من قصائده الشعرية بصوته الرخيم، وكأنها تمثل رحلة (خريف العمر) أظهرها في العديد من اللقطات الإبداعية التي تتماشى مع أجواء الفيلم الذي يشارف فيه جميع من يحاول التوثيق لهم ولنشاطاتهم الإبداعية المهمة على مشارف (رحلة خريف العمر) والتي وثقت خلالها لحقب زمنية طويلة مضت والتي كانت قد انتجت فيها أفلامهم الوثائقية والتسجيلية ونشاطاتهم الفكرية والأدبية الإبداعية والتي ستبقى أرث ثقافي وشاهد حي وأرشيف مهم وضروري للتاريخ ولكل الباحثين والدراسين ولمختلف التخصصات.
في أمسية ثقافية رائعة متميزة تم عرض فيلم (وَحدن) مساء يوم السبت (2024.12.07) في صالة مقر الجمعية الثقافية العراقية في مالمو، والتي استضافت فيه الصديق المخرج والشاعر والأديب الأستاذ (فجر يعقوب) مخرج وكاتب سيناريو الفيلم للحديث مع الحضور عن فيلمه، في بداية الأمسية رحب مدير الجلسة الأستاذ (عصام ميزر الخميسي) بالضيف الكريم والحضور الأكارم، ثم قدم نبذة عن السيرة الذاتية للضيف الحافلة بالعمل المتواصل والابداع ، ثم تم عرض الفيلم ،بعد انهاء عرض الفيلم كانت هنالك فسحة من الوقت لمشاركة الجمهور الذي حضر العرض بمداخلاتهم واسئلتهم واستفساراتهم والتي رحب بها ضيف الأمسية وأجاب عليها جميعاً، ثم قدمت للضيف الكريم باقة من الورد.
نبذة مختصرة عن المخرج والكاتب والأديب والروائي والشاعر (فجر يعقوب) من مواليد (مخيم اليرموك/ سوريا 1963) مقيم حالياً في السويد، خريج المعهد العالي للسينما من – صوفيا/ بلغاريا- قسم الإخراج السينمائي (عام 1994) له أكثر من (7) أفلام روائية قصيرة، والبرامج التسجيلية، وأصدر العديد من الروايات الأدبية، والمجاميع الشعرية، حائز على العديد من الجوائز الأدبية والفنية والتقديرية.
في الختام أقول: تحية كبيرة للصديق العزيز الكاتب والروائي والاديب والفنان (فجر يعقوب) على هذا الجهد الإبداعي الذي بذل لإنتاج هذا الفيلم التوثيقي الرائع، ففيه رسالة كبيرة ومهمة وهي الحفاظ على توثيق اعمال المبدعين ولفت الأنظار لجهودهم الفكرية الإبداعية السخية المبذولة، ومن أجل حماية الملكية الفردية للمبدعين بتوثيقها وحفظها وتعميمها، لكونها جزءاً مهماًيبرز الهوية الثقافية لاي مجتمع لتلك الفترة الزمنية التي انتجت فيها، فالحفاظ عليها هو الحفاظ على الإرث الثقافي والابداعي والإنساني لعموم المعمورة.
لا شيء ثابت ويدوم للأبد، سريعاً يمضي بنا الزمان وترافقه تغيرات أسرع هائلة في طرق التجديد والتحديث والأبداع والابتكار وَالتفكير وَالتدوين والعمل، والإنتاج، وَالنِضال، وَالكفاح!
كتبت في مالمو/السويد (ديسمبر/ كانون أول 2024)