الموضوع مهم في هذه المرحلة المفصليّة بين الدولة الوطنية والدولة الحاكمية. بين الاسلام السياسي المُستنسخ وبين أحلام الشعوب. نقول أمنية وفرحاً أن المشروع الإيراني سقط في سوريا ولبنان وبقي العراق واليمن. ونقول أمنية أن مستقبل سوريا يحدد معالمه أبناء سوريّا أنفسهم دون غيرهم. أتمنّى من السادة القرّاء أن يتمعّنوا في التفاصيل كنقد تحليلي قد أخطئ وقد أصيب. أولاً أسأل / على ماذا يستند التحليل النقدي للجماعات الإسلامية المتطرفة؟ الجواب يستندُ إلى مجموعة من الأسس الفكرية والمنهجية التي تجمع بين الأبعاد الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والفكرية. ويمكن تلخيصها في النقاط التالية: العامل الأول سوء التأويل للنصوص الدينية: يعتمد التحليل النقدي على إبراز كيفية تحريف الجماعات المتطرفة للنصوص الدينية (القرآن والسنة) لخدمة أجنداتها العنيفة والمتطرفة، من خلال انتقائية النصوص وتجاهل السياقات التاريخية والفقهية. مثل (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) سورة المائدة. مثال عن سوء التأويل للسنة النبوية “أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ” “من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية” وأمثلة كثيرة إستقطبت وغيرت عقول أبناء الأمة المندفعين في التديّن الى حد العمى الفكري بسبب الدعاة وطبعا لدى الشيعة أيضا التأويلات الكثيرة ومنها حديث يقول من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. العامل الثاني هو الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي: تُسلط التحليلات الضوء على استغلال الجماعات المتطرفة للفقر والبطالة والجهل لجذب الأفراد وتجنيدهم من خلال إغراءات مالية أو وعود بتحقيق العدالة الاجتماعية. أيضا تستخدم الجماعات المتطرفة مظاهر الظلم الاجتماعي والتهميش السياسي لتغذية مشاعر الغضب والاغتراب لدى الشباب. العامل الثالث هو فشل الدول في إدارة الأزمات: يشير التحليل إلى أن غياب الحوكمة الرشيدة وانتشار الفساد والاستبداد يخلق بيئة خصبة لنمو الفكر المتطرف كوسيلة “للاحتجاج” أو التغيير. العامل الرابع استخدام التكنولوجيا ووسائل الإعلام: الجماعات المتطرفة تمتلك أدوات إعلامية متطورة وتستغل وسائل التواصل الاجتماعي لبث دعايتها ونشر أفكارها بسرعة فائقة بين فئات الشباب. العامل الخامس يتعلق بقراءة الحركات في سياقها التاريخي: يربط التحليل نشوء الجماعات المتطرفة بالظروف التاريخية، مثل الاحتلال الأجنبي، أو انهيار الخلافة الإسلامية، أو الحروب الأهلية، من أجل فهم جذور التطرف. في ضوء ما أشرتُ إليه، يمكن القول إن المشروع الوطني غالبًا ما يكون محاصرًا أو مستهدفًا من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرفة لعدة أسباب مرتبطة بمنهجها الفكري والسياسي. هذه الجماعات ترى في أي مشروع وطني حقيقي تهديدًا مباشرًا لوجودها وأيديولوجيتها القائمة على إقصاء الآخرين وتوظيف الدين لخدمة مصالحها الضيقة. سأوضح كيف ولماذا يحدث ذلك. مثلا التعارض الآيديولوجي فالمشروع الوطني يقوم على فكرة الدولة المدنية التي تجمع كل أبناء الوطن بمختلف مكوناتهم وأديانهم وطوائفهم على أساس المواطنة والحقوق المتساوية. كما أن الجماعات المتطرفة تتبنى رؤية حصرية تقسم المجتمع إلى “مؤمن” و”كافر”، وتعتبر الوطنية فكرة “جاهلية” أو “عصبية قبلية” تتناقض مع ما تراه “الدولة الإسلامية” وفق تفسيرها الخاص. لذلك، أي دعوة إلى مشروع وطني شامل يُعتبر في نظر هذه الجماعات تقويضًا لأجندتها الأيديولوجية. فعندما يظهر مشروع وطني يُعيد بناء الدولة على أسس مدنية حديثة، تتصاعد حملات التشويه والرفض، ويُتهم هذا المشروع بأنه “مناهض للإسلام” أو “عميل للغرب”، حتى لو كانت أهدافه واضحة في تحقيق العدالة والتنمية. ولاتنسوا الجماعات المتطرفة ترفض فكرة فصل الدين عن السياسة وتعتبر أن أي مشروع وطني يدعو إلى الحكم المدني هو “كفر” أو “علمنة”.السؤال لماذا أطرح موضوعا كهذا الآن وهو سيكون ضمن حلقات متتابعة ؟ أقول هناك ترويج لشخصية محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام (التي كانت تُعرف سابقًا بجبهة النصرة)، وإضفاء نوع من القبول عليه بدعم إعلامي، خاصة من منصات مثل قناة الجزيرة وبعض العناصر المحسوبة على الإخوان المسلمين مثل أحمد منصور ، وهي مسألة حقيقية ومخيفة تستحق التحليل بعمق دون أن نغفل دعم قطر وتركيا للجماعات الاسلامية وعلى غرار دعم إيران لجماعات إسلامية أخرى سنيّة وشيعية. أعتقد وهذه واحدة من أسباب تهميشنا كمعارضة وطنية حقيقية مستقلة هو أن تلك الجماعات يدركون أهمية موقعنا ومن يتوافقون معنا في حالة إنهيار العملية السياسية في العراق. وأقولها بصدق أنه من مصلحة الدول التي عانت من الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي ، أن يخرجوا من مجاملاتهم لدولة قطر وأن تدرك قطر أنه ليس من مصلحتها هذه السياسة . كلنا نعرف دور قطر مع الجماعات الإسلامية، بما في ذلك بعض الفصائل المسلحة في سوريا، يعد من أكثر الأدوار الإقليمية إثارة للجدل. قطر لعبت دورًا متشابكًا في دعم المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة عام 2011، لكن دعمها تميز بتركيزه على تيارات الإسلام السياسي، بما فيها الفصائل القريبة من الإخوان المسلمين، وبعض الجماعات الإسلامية المسلحة. آملا اليوم أن يكون لدولة قطر دورا مهما في دعم المشروع العربي السياسي التنموي الذي تقوده المملكة العربيّة السعودية وأي خطأ في سوريا الحبيبة لصالح الجماعات الاسلامية على حساب الدولة السورية المدنيّة ستكون له إرتدادات مستقبلية على دول الخليج قد يُعيد الحياة لعودة المشروع الايراني بأدوار مختلفة. سؤال آخر أختم به المقال / ماذا عن إزدواجية المعايير في السياسة الأمريكية ؟ أقول كمتابع أن السياسة الأمريكية تجاه الأزمات الإقليمية، بما في ذلك سوريا، غالبًا ما تتسم بـازدواجية المعايير، حيث تتعامل مع القضايا وفقًا لمصالحها الاستراتيجية، وليس استنادًا إلى مبادئ أو قيم ثابتة. هذه السياسة تبرز بشكل واضح في دعمها لبعض الجماعات أو الأنظمة في ظروف معينة، بينما تعارضها في سياقات أخرى. ومن هنا أقول أن المشاريع الوطنية لايُفترض ان تنتظر وصول ترامب الى السلطة او غيره وفق وعود انتخابية فسجّل الادارات للحزبين الديمقراطي والجمهوري إتسمتا بالإزدواجية وكانت على حساب تعميق جراحات الشعوب المتأثرة من الهيمنة الإيرانية والاحتلال التركي. مثال على ذلك الرئيس السابق ترامب أمر بضربات جوية بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية (2017 و2018)، لكنه أعلن انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا (2019)، مما ترك الأكراد، حلفاء أمريكا الرئيسيين ضد داعش، عرضة لهجوم تركي. أيضا انتقد نظام الأسد بشدة، لكنه لم يتخذ خطوات جادة لإزاحته، بل سمح لروسيا وإيران بتعزيز نفوذهما. وفي إدارته الأولى للبيت الأبيض انسحب ترامب من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات صارمة على إيران، لكنه لم يواجهها عسكريًا في سوريا، بل سمح لها بتوسيع نفوذها عبر الميليشيات صحيح قتل قائدا إيرانيا مهما ( سليماني ) ولكن ذلك لم يكن كافيا وفق قدرته على دعم مشاريع المعارضة آنذاك. من هنا أركز في خطابي الى الجماعات الوطنيّة أن تكثّف جهود تواصلها مع صنّاع القرار والمستشارين للرئيس المنتخب دونالد ترامب لكي تُفعل المصالح الوطنية المتبادلة بين شعوبنا والولايات المتحدة الأمريكية.