18 ديسمبر، 2024 1:03 م

رواية الأحجية المفقود.. للقاص والروائي العراقي عامر العيثاوي

رواية الأحجية المفقود.. للقاص والروائي العراقي عامر العيثاوي

قراءة لثلاثة عقود من تاريخ العراق

طباعة ونشر: دار فضاءات للنشر والتوزيع

عرض ونقد: حسام ممدوح

ليست المرة الأولى التي أقرأ فيها للقاصّ والروائي العراقي عامر العيثاوي، فقد قرأت له سابقاً العديد من القصص القصيرة مع روايته الأولى خربشات الحبر الأسود.

وأكاد أجزم أن العيثاوي من بين الكتاب العراقيين المعاصرين الكثر الذين لا زالوا لم يأخذوا حظهم ومكانتهم الحقيقية بين صفوف كتاب العراق على مستوى القصة القصيرة والرواية.

فهو يمتلك من المهارة في صياغة الأحداث وتتابعها مع قلم جميل في رسم أبطاله وشخوص رواياته وقصصه إلى حدٍ مؤذٍ لنفسية القارئ كونها تجعله يعيش تفاصيلها من فرح وألم. ولمّا كان جل ما يكتبه العيثاوي ينطلق من أحداث عاصرها بنفسه خلال العقود الثلاث الأخيرة في العراق فلك أن تتخيّل كم المعاناة التي تحملها كلماتها وكم حجم المكابدة التي يعيشها أبطال رواياته وقصصه.

وفي روايته الجديدة (الأحجية المفقودة) ينقلنا العيثاوي لمنطقة تقع في جنوب بغداد نعيش فيها مع عائلة بطلة روايته (أمينة) وهناك سنعيش عقوداً ثلاثة لمرحلة مهمة من تاريخ العراق شهد فيها ثلاثة حروب وحصار اقتصادي خانق، وهنا بطلة الرواية ستكابد ما كابده العراقيون طيلة تلك السنوات وستجعلنا نعيش معها لحظات الألم والخوف والحزن وكذلك حالات الفرح على قلتها عبر أحجية تحاول بطلة الرواية جمعها لتستعرض ونستعرض معها تاريخ حياتها حتى من قبل ولادتها.

أجتهد الكاتب في عموم النص باستخدام لغة سهلة سلسة للقارئ مع تشبيهات دقيقة للغاية لاسيما لبيئة المنطقة التي شهدت أحداث روايته، ومن أسطر الرواية يستطيع القارئ معرفة طبيعة المناخ ولون الجدران وملمسها بل إنه قد يتمكن من رؤية أبطال روايته رأي العين ومعرفة نوع ملبسهم وطريقة مشيتهم ونبرة أصواتهم بحكم دقة الوصف وجماليّته.

ويبدو أن طبيعة البيئة التي شهدت أحداث الرواية أضفت على أحداثها هذه اللمسة الجمالية المتعلقة بالمكان ومكوناته.

على مستوى البعد الفكري عمل الكاتب على بيان منظومة القيم التي تحكم بيئة الرواية سواء على مستوى القيم الدينية أو الأعراف المجتمعية، كحالة الالتزام الديني والإنسجام المجتمعي والتي وظّف أحداث الرواية في بيانها لاسيما إبان مرحلة الحصار الاقتصادي والحرب الطائفية.

فنياً كان إيقاع الرواية متناغماً مع الأحداث، فتارة تشعر أن الحياة تسير بطيئة رتيبة وتارة تتسارع أحداثها إنسجاماً مع تسارع وقع الحدث، ومما أثارني كقارئ دقة التعبيرات التي استخدمها الكاتب في بيان مواقف أبطاله في مشاهد الرواية حتى أنك لتلمس حالة الحزن والفرح وكأنك تشاهدها رأي العين.

سهولة النص ووضوحه يجعل من فهم أحداث الرواية أمراً يسيراً، فهي لا تحمل تعقيداً فلسفياً أو طرحاً فكرياً جدلياً، وقد يكون هذا مأخذ على الرواية لكنني أعتقده سلاحاً ذو حدين، فهو وإن كان أسلوباً قريباً من القارئ مهما كان مستواه الثقافي إلاّ أنه كذلك قد يفقد العمل عامل الجذب بالنسبة للكتاب والنقاد المختصين بالجانب الأدبي.

أخذت على الرواية أن ذروة حبكتها لم تكن متماسكة بشكل كبير، لاسيما وأن اللحظة التي قدّر لبطلة الرواية أعادة رحلة حياتها مستعرضةً أهم أحداثها كانت بسبب حادث عادي جداً مقارنةً بأحداث أكثر عمقاً وتأثيراً مرت بها.

كذلك على المستوى الداخلي، لم تكن لبطلة الرواية (أمينة) عقدة حقيقية وإنما مجموعة من المشاعر والأحاديث النفسية والتي وإن تم طرحها بإسلوب فنّي جيد إلاّ أنها لم تصل في أي لحظة من اللحظات لتكون عقدة داخلية تنعكس على مجريات أحداث الرواية.

رواية الأحجية المفقودة قد تكون من أكثر الروايات التي قرأتها مؤخراً سلاسةً في سردها القصصي وتماسكاً في بنائها، وأدعو القرّاء المهتمين بالقصة والرواية لقرائها فهي ماتعة ومشوّقة وتستحق القراءة. .