خاص: بقلم- د. مالك خوري:
عوامل عديدة ساهمت بانهيار النظام السوري وأهمها:
مراهناته المستمرة على تحالفه مع الطبقات البرجوازية الطفيلية الفاسدة في دمشق وحلب وفكه لأي ارتباط جدي مع مصالح فقراء الأرياف في كل المناطق والطبقات العاملة التي همشَّت كليًا.
تحول النظام السياسي والأمني إلى أداة لقمع وتهميش أي صوتٍ معارض جدي، خصوصًا ما تبقى من المعارضة اليسارية والعلمانية، بعدما جرى تطويع أو إقصاء قياداتها وقواعدها عن أي عمل سياسي مستقل (الجبهات التقدمية والوطنية فقدت جدية الحضور والعمل منذ أيام حافظ الأسد)..
وحصر السلطة بشكلٍ مطَّلق وبلا أي رقابة سياسية ديمقراطية بيد جلاوزة قوى أمنية أتوا في معظمهم من حيثيات طبقية مهمشة، وجرى فتح الطريق أمامهم للتسلق طبقيًا والتحول إلى طبقة من “حديثي النعمة” الفاسدين والساديين والكارهين لكل ما يُذّكرهم بجذورهم الطبقية بصلة. هؤلاء كانوا في صُلب تجذر قمعية الطبقة الحاكمة.
بالمقابل، وكالعادة في عالمنا العربي، مد النظام خيوط تواصل انتهازي مع “نسَّخٍ” موالية له من الفئات الدينية والأصولية المنافقة والانتهازية، طامحًا من خلال هذا إلى تنفيس بعض الاحتقانات الطائفية (خصوصًا للفئات الاجتماعية السَّنية البرجوازية كما الفقيرة). ساهمت هذه السياسة بشكلٍ سريع (منذ استلام الأسد للسلطة إلى تحولات في التوجهات الإيديولوجي للشعب السوري، وبشكلٍ خاص بعيدًا عن التحولات الجذرية التي جعلت منه منذ بداية القرن مهدًا للفكر القومي العربي العلماني واليساري على أنواعه.
تحول الخطاب المعادي لإسرائيل إلى ديكورٍ هش من مسَّتلزمات الحفاظ على نظام فقد شرعيته على المستوى الشعبي. أما الدعم غيرالمباشر والمباشر للمقاومة الفلسطينية واللبنانية فقد تلاشت تدريجيًا قدرته على تجييّش القوى الوطنية حول النظام، خصوصًا بعد فشله في إثبات مصداقيته في الرد الجدي على الاعتداءات المتكررة لإسرائيل والتي استباحت الأجواء والأراضي السورية طوال عِقدين من الزمن، وحتى في الرد على الاعتداءات التي كانت تجري خلال السنة الماضية في الحرب الإسرائيلية ضد المقاومة في لبنان وفلسطين.
اعتماد النظام شبه المطَّلق على الدعم العسكري الروسي والإيراني كتعويض لفقدانه دعم معظم شرائح الشعب السوري. هذا الرهان المطَّلق والسّيء تحول إلى بديل لفتح قنوات تواصل مع الشعب السوري نفسه (خاصة بعد هزيمة الفئات المتأسلمة المسلحة التابعة لتركيا والناتو في الشمال والشرق بعد عام 2017) لمحاولة بناء بعض اللحَّمة بين مقوماته السياسية (غير المتأسلمة والدينية بالتأكيد)، وحتى إيجاد أسس لانتقالٍ سلمي للسلطة من يد الطبقات المهيمنة الفاسدة، إلى الفئات الوطنية والديمقراطية النيرة.
ضمن هذا الواقع المتهالك على كل المستويات، وجدت الإمبريالية والصهيونية (وأدواتها التركية والخليجية) فرصة تاريخية للقيام بضربتها ضد سورية (كدولة وفكرة) وليس فقط كنظام (كقلب عربي تقدمي علماني نابض موحد ومعادٍ للاستعمار).
وبالنهاية، قامت هذه القوى بتسليم الحكم في دمشق إلى مجموعة من الإرهابيين التابعين لهم مباشرة، والذين (بطبيعة الحال) لا يطرحون أي أجندة أو رؤية مستقبلية لا على الصعيد الداخلي، ولا الاقتصادي، ولا الوطني إلا هلوسات للاستهلاك الإعلامي والتحريض الانتقامي والغرائزي ضد نظام وسلطة كانت في حكم الساقطة منذ عدة سنوات.
سأكتب لاحقًا عن آفاق وتحديات المرحلة القادمة في العالم العربي.