22 ديسمبر، 2024 7:16 م

(الحياة التي لم تجرب لا تستحق ان تعاش )

                                سقراط

استهل حديثه قائلا:

نعم انها حياة جربتها وعشتها ,حياة القيد, حياة السجن ,حياة الترقب وحساب الزمن ثواني ودقائق وساعات وايام وشهور ….

حين تقابل وجه السجان الغاضب وكانه يملك امرك دون الله تعالى ويعاملك بجفاء كأنك قاتل والديه وليس بينك وبينه صلة او معرفة سابقة تجعلك تحسب انك ربما تكون قد أسأت اليه فهو رهين ثأر سابق ولم توجه له كلمة تحط قدره لكنه مع هذا يكيل لك الكلمات النابية وربما جرك الى مالا تحمد عقباه من العقوبات التي لا مبرر لها ولا ينص عليها قانون الانسان او حتى قوانين الغاب .

نعم قانون الانسان هو كما قال امير المؤمنين وسيد الاوصياء الامام علي عليه السلام :  ( اجعل نفسك ميزانا لغيرك)

هذا هو قانون الانسان  وهو قبل هذا هو القانون  الذي جاءت به جميع الاديان وما نصت عليه مختلف الكتب السماوية وصحف الانبياء ووصايا الاولياء والحكماء.

اما قوانين الغاب فهي كثيرة تختلف باختلاف القائمين بها وان جمعتهما الشراسة والقوة والقسوة وما نسميها نحن البشر بالهمجية وننسى نحن البشر بأن الافعال الصادرة عن الوحوش تأتي نتيجة للحاجة كالجوع او دفاعا عن النفس عند مواجهة الاخطار.

اجل نسمي افعال الوحوش همجية وفي الوقت نفسه نغض الطرف عن الافعال الهمجية التي تصدر عن الذين يسمون انفسهم بشرا بل ويدعون باطلا انهم امناء  الانسانية والحقوق والعدل والدعاة الى الخير والمساواة والفضيلة .

صدر امر العفو !!!!!!

هتف في سره انه امر الله واردته, لم يصدر العفو اعتباطا ,بل هي مشيئة الله تعالى الذي لم ييأس من رحمته في اصعب الظروف وأقساها .

كان رغم كل الذي واجه من الصعاب يردد عبارة سمعها وآمن بها عبارة تقول:

(تفاءلوا فالهموم مثل الغيوم “ما تراكمت إلا لتمطر)

نعم كان في بعض الاحيان يخطر له خاطر آخر يكاد يغلق عليه باب الامل اذ ربما تكون تلك الغيوم كعارض يمطر العذاب كما امطر القوم الذين كذبوا أنبياء الله لكنه سرعان ما يتجاهل هذا الخاطر بل ويمحوه من فكره وقلبه ويتشبث بأمل عظيم الا وهو رحمة الله تعالى فتطمئن نفسه فيردد:

يا الله يا ارحم الراحمين ويا خير المسؤولين وهكذا وبإرادة الله تعالى

صدر امر العفو !!!!!!

السؤال هو العفو عن ماذا…؟  ما هو الذنب الذي ارتكبه…؟ وما هو الاثم الذي قام به…؟

ليس من جواب .

اجل فهو لا يمكن ولن يتمكن من طرح هذا السؤال. اجل هو لن يتمكن من الهمس به حتى لنفسه او أن يطرحه  حتى في سريرته وان كان قد طرح هذا السؤال في سريرته لكنه سرعان ما احجم عنه مخافة ان تعلن تلك السريرة من خلال سمة تظهر على ملامحه او كلمة قد يتفوه بها دون قصد.

صدر العفو….!!!!

 ابتسم ليست ابتسامة الفرح المسرور ورغم فرحه وسروره بهذا العفو لكنها كانت فرحة مجروحة لأنه متهم برئ وتم العفو عنه ولكنه لا يملك ان يسأل السؤال الذي يوجه في هذه الظروف الا وهو عبارة (العفو عن اي ذنب) انه لا يستطيع  ان يسال هذا السؤال وهو ايضا لن يرفض هذا العفو كما فعل نبي الله يوسف الصديق عندما تلقى خبر العفو عنه وامر اخراجه من السجن الذي اصدره الفرعون وهو اعظم سلطة آنذاك وحين سئل عن السبب اخبرهم انه لن يخرج حتى تثبت براءته ويعاد اليه اعتباره الانساني والاخلاقي.

اجل لم يخرج النبي يوسف الصديق من السجن حتى اثبتت براءته حين امر الفرعون بإحضار النسوة اللائي قطعن ايديهن حين فوجئن بجماله وبهاءه وهيبته اذ ادخلته إمراة العزيز عليهن بعد ان سمعت بكلمات لومها في هيامها به قائلات(انا لنراها في ضلال مبين) لكنهن حين رأينه اكبرنه وقلن عبارة اخرى الا وهي :(ان حاشا لله ما هذا بشرا ان هذا الا ملك كريم )  وحين سئلن عن براءته قلن :حاشا لله ما علمنا عليه من سوء.

كذلك شهدت امرأة العزيز شهادة الحق والصدق اذ اعترفت انها هي التي كادت له هذا الكيد لأنه لم يأتمر بأمرها ولم يستجب لدعوتها.

ذلك زمن كان فيه الفرعون عادلا يتقصى الحقائق ويجد في طلب العدل ويحكم بالحق .

فماذا لو رفض هذا العفو حتى تثبت براءته  ترى هل سيجد من ينصفه ….؟؟؟؟

رفع عن رأسه الكيس الاسود الذي سبق ان البسوه اياه للحظات مضين وانزل الى الارض فما كان منه الا ان سجد لله تعالى شكرا ومن ثم قدم كلمات الشكر لمن اصدر امر العفو ,أجل …أجل لقد قدم كلمات الشكر وكان في سريرته ممتنا حقا وصدقا اذ لولا ذلك العفو الذي جاء في الدقيقة الاخيرة بل الثانية الاخيرة اذن لقضي الامر ونزل به الموت  ونسي او تناسى ما كان يمر به من افكار وخواطر قبل هذا.

ارجع الى سجنه ولم يمر وقت طويل حتى افرج عنه وعاد الى اهله الذين ما كادت اعينهم تقع عليه الا واستقبلوه بالأحضان وذرفت عيونهم دموع الفرح هكذا هم اهله يكاد الدمع يكون رفيقهم الاول فهو متنفسهم في الحزن وهو ايضا تعبيرهم  في الفرح.