البعد الأخر لتحديات فوضى السلاح لفصائل المعارضة وتأثيرها على بناء وتنمية سوريا الجديدة؟

البعد الأخر لتحديات فوضى السلاح لفصائل المعارضة وتأثيرها على بناء وتنمية سوريا الجديدة؟

*لا توجد تنمية اقتصادية مجتمعية حقيقة في بلد خارج من حرب أهلية مدمرة وسقوط نظام إذا لم يتوفر الأمن والأمان للمواطن.

*توطئة لحدث قائم و قادم :

لا أحد يستطيع أن يقنع الرأي العام الإن بأنه لا توجد حاليآ قوات خاصة كوماندوس إسرائيلية أو أمريكية أو بريطانية قد دخلت قبل أسابيع أو حتى قبل أيام من سقوط العاصمة دمشق وهروب الرئيس “بشار الأسد” لغرض تأمين جميع مخازن ومستودعات الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والصواريخ والقذائف والأجهزة الفنية والتقنية والمختبرات , وذلك في سبيل عدم وقوعها في الأيدي الجماعات والفصائل الإسلامية المتطرفة واستخدامها بعد ذلك بسوء نية مسبقة لغرض خلق نوع من الفوضى في الداخل , وكما حدث من سيناريو قبل سقوط بغداد 2003 ونشرته بعد أشهر تفاصيل عن هذه القوات الخاصة الصحافة الغربية للبحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة , والذي تبين بعد ذلك كذب هذا الادعاء . والذي شنته على أثر هذا الادعاء الحرب على العراق.  

ما يزال الطيران الحربي الإسرائيلي لغاية هذه اليوم يواصل قصفه المستمر لجميع مقرات النظم والسيطرة ومعسكرات وأبنية الجيش والمخابرات والاستخبارات ,وحتى إلى الموانئ على الساحل السوري , وحسب بيانات القيادة العسكرية :” فإنها تنفذ حاليآ أكبر عملية قصف جوية في تاريخها ,ووصول التوغل البري الى نحو 25 كيلو متر الى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق ,واحتلال كامل لأراضي منطقة جبل الشيخ المحاذية لهضبة الجولان”.

كأننا نشاهد سيناريو مشابه أو يكاد يكون طبق الأصل عما حدث للعراق أثناء القصف الجوي للتحالف الدولي في حرب 1991 وكذلك أثناء الغزو والاحتلال وسقوط العاصمة بغداد 2003  سوف يخلق بالتالي بعد هذا التدمير الشامل لمقدرات الجيش السوري بمختلف صنوفه البرية والجوية والبحرية إلى إعادة التسليح من الصفر ومما سوف يستنزف من الميزانية السورية أموال طائلة هم بأمس الحاجة إليها الإن لإعادة الإعمار والبناء والتنمية وإنشاء لجان برلمانية أو خاصة لإعادة التسليح والتجهيز , والتي بدورها قد تكون منفذ للفساد المالي والإداري , هذه الأموال يجب أن تصرف على تأهيل وإعادة الشبكات الكهربائية المتهالكة والتي هي الآن من أهم الضروريات الملحة لإعادة شريان الحياة إلى مجراها الطبيعي وتشغيل المعامل والمصانع الإنتاجية للمساهمة بالتنمية , إضافة الى تشغيل محطات النفط والغاز ومصافي المشتقات النفطية.

إن التحدي الرئيسي أمام الحكومة السورية الجديدة , أو حتى السلطة الانتقالية سيكون في توفير الأمن والأمان للمواطنين السوريين. وهذا يتطلب إيجاد طريقة فعالة ومدروسة للتعامل مع سلاح وعتاد الفصائل المسلحة المختلفة المنتشرة في أنحاء البلاد حاليآ , فهناك عدد كبير من هذه الفصائل التي تحتاج إلى معالجة دقيقة وشاملة , في أيجاد الكيفية والطريقة للتعامل  مع هذه الأسلحة والتي قد تعتمد بالدرجة الأساس على عوامل متشعبة ومتعددة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

ونظراً لتجربة العراق في التعامل مع السلاح المنفلت للفصائل والأحزاب المعارضة والتي تم دمجها في وزارة الدفاع والداخلية وبقية الأجهزة الامنية ، يمكن أن تستفيد الحكومة الانتقالية السورية من هذه التجربة. ولكن ينبغي تجنب الأخطاء التي حدثت في العراق , مثل حل الجيش والأجهزة الأمنية، وإعادة بناء جيش قائم على الطائفية والمحسوبية ولذا من الضروري جدآ أن تبقى مراتب وضباط الجيش السوري ومختلف الأجهزة الأمنية، بحيث أن هؤلاء بدورهم لم يكن جميعهم مجرمين أو أدوات للسلطة والتعذيب. بل كان بينهم من يمتلك السمعة الحسنة والكفاءة والنزاهة ولذا يتحتم على القائمين على هذا الموضوع بالتحديد  أن يتم فرز هؤلاء الضباط والمراتب وفقاً لمعايير مهنية وشفافة ونزيهة ، وتتم فقط محاكمة المتورطين في الجرائم ضد الشعب السوري ومن خلال القضاء العادل النزيه , وليس عبر عمليات انتقامية أو اجتثاث كما حدث في العراق وكانت نتيجته ردة فعل من هؤلاء المجتثين الذين لم يتورطوا بالدم العراقي من أن تتجه أنظارهم إلى الجماعات والفصائل الإسلامية المسلحة والتي إستفادة من خبراتهم العسكرية الميدانية كثيرآ .

1)نزع السلاح أو دمج الفصائل في الجيش الوطني الجديد تعتبر من أهم الخيارات المتاحة ومن خلال دمج مقاتلي الفصائل المعارضة في القوات المسلحة الوطنية والشرطة والأجهزة الأمنية , وهذا الدمج يجب أن يتم فقط بعد ضمان الأمن والمساواة بين جميع فئات الشعب , ويمكن أن يشمل دمج الجنود والضباط السابقين في الجيش، للاستفادة من خبراتهم الميدانية للمساعدة في التدريب والتأهيل وفق أسس علمية وكفاءة باستخدام السلاح.

2) العمل الجاد الرصين في تشكيل وحدات وأجهزة أمنية خاصة وذلك لحماية الجبهة الداخلية والخارجية من عمليات التخريب والتفجيرات التي قد تنفذها فصائل متطرفة ,ويجب أن تكون هذه الوحدات تحت إشراف الحكومة الانتقالية أو السلطات المدنية، وليس تحت إشراف أي فصيل معارض.

3) جميع أنظار العالم الغربي تتجه اليوم الى سوريا وفجرها الجديدة , وينتظرون أفعال على أرض الواقع تكون ملموسة وحسية وليس فقط مجرد أقوال وكلام لا يطبق , ومن خلال ضرورة سرعة إيجاد الألية لسرعة نزع سلاح جميع الفصائل التي كان لها الدور أو التي أشتركت بصورة أو بأخرى في إسقاط النظام السابق وضمن عملية سلام حقيقية , وحتى الذي قد يرفض من قادة هذه الفصائل بتسليم سلاحه للشرعية الحكومية يمكن أن يقدم لهم حوافز اقتصادية وشراء هذه الأسلحة وعدم الوصول الى صدام مسلح معهم , لأن السوريين اليوم في غنى عن أي صدام مسلح قد يحدث بين بعض  الفصائل المعارضة والحكومة الانتقالية من خلال عقلية تقسيم كعكة الحكم والمناصب والامتيازات , أو على الأقل في أسوأ الحالات , ولمنع الصدام المسلح  تعزيز مبدأ اللامركزية في الوقت الحاضر لحين إعادة بناء القوات الجيش والأمن, وإعطاء هذه الفصائل والتي كانت تتواجد وتسيطر في مناطقها الجغرافية السابقة , نوع من الاستقلالية الإدارية والسياسية والاقتصادية للمساعدة على إدارة وحفظ الأمن وتحت إشراف ومساعدة من الحكومة المركزية اذا اقتضت الحاجة لها , وفي المستقبل يمكن لهم نزع سلاحهم تدريجيا وبدون أي مشاكل وصدامات مسلحة.

4) مراقبة الحدود الدولية من التهديدات الأمنية الخارجية , يجب أن تكون حاليا من سلم أولويات الحكومة الانتقالية لغرض حفظ الأمن الداخلي ,وكذلك لمنع تدفق الأسلحة والعتاد الحربي من بعض دول الجوار الى فصائل متطرفة مثل تنظيم “داعش” الذي قد يستغل الفوضى حاليا لإعادة ترسيم وتنسيق وعودة مقاتليه وقياداته مرة أخرى ومن خلال تسهيل وصولهم  الى مناطق البادية السورية وبعض المدن والبلدات التي كانت سابقآ حاضنة له ونواة لتشكيل هذا التنظيم الإرهابي , ولذا عليهم الحيطة والحذر من هذا الجانب ,وحتى الطلب بالمساعدة من قبل القوات الدولية المتواجدة حاليا داخل الأراضي السورية , ومن خلال إنشاء مكاتب وهيئات من أعضاء الحكومة الانتقالية لغرض التباحث والتنسيق والمناقشات والمتابعة الميدانية للسيطرة على ما قد يحدث من قبل هذه التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري والأهم العمل على متابعة ورصد الخلايا المسلحة النائمة المرتبطة بأجندة خارجية وتفكيكها وحتى الطلب من قوات التحالف لتقديم المساعدة والمشورة.

5) في الفترة الحالية الانتقالية سيكون مختلف أنواع ومعدات وذخيرة السلاح الثقيل الحربي من دبابات ومدافع وراجمات صواريخ وطائرات مروحية وحربية وغيرها , ومن خلال وقوعه أو الاستيلاء عليه بصورة أو بأخرى من قبل بعض الجماعات والفصائل المسلحة , ولذا قد يكون إشراك القوى الدولية الإقليمية وبرعاية من قبل الأمم المتحدة هو الحل الأمثل في الترتيب لاعادة والاستفادة من هذه المعدات مرة أخرى لبناء جيش جديد والعمل على حصرها في أماكنها الطبيعية المعتادة في معسكرات الجيش وحراستها من العبث بها من قبل الأيدي الخطأ.

6)أحدى أهم المشاكل ستنتج حاليا وتواجه الحكومة الانتقالية في كيفية إيجاد طريقة لنزع وضبط الأسلحة الشخصية الخفيفة والمتوسط والمنتشرة حاليآ وبكثرة ,وسابقة غير معهودة كانت لدى المجتمع السوري , وتتمثل بمختلف أنواع البنادق الآلية الخفيفة ، والرشاشات المتوسطة وحتى الثقيلة ، بالإضافة الى مختلف وأنواع القذائف المضادة للدبابات التي تم الاستيلاء عليها من قبل مقاتلين فصائل المعارضة وحتى من قبل جموع الناس من داخل المعسكرات المنتشرة بين المدن والمحافظات بعد إن تركها جيش النظام السابق وكأننا نشاهد مرة أخرى سيناريو طبق الأصل عن ما حدث بعد سقوط بغداد 2003 ، لذا ستكون الحكومة الانتقالية مطالبة من قبل المجتمع الدولي للحفاظ على السلم الأهلي الداخلي بسرعة الدعوة من خلال وسائل الإعلام وإشراك رجال الدين من خلال خطب في الجوامع والشخصيات الأكاديمية والصحفية المؤثرة الى المساعدة في أفهام جمهور المواطنين من خطورة بقاء هذه الأسلحة في أيديهم وتسليمها الى الأجهزة الأمنية الشرعية من خلال مراكز الشرطة أو حتى الاحتفاظ بالسلاح الخفيف من مسدس أو رشاشة واحدة مع أخذ جميع المعلومات الأمنية من الشخص الذي يريد إن يحتفظ واستخراج هوية رسمية مع تضمينها عدد الإطلاقات التي يحتفظ بها وجميع معلومات عن السلاح وحفظها في داخل سجلات رسمية .

وأخيرآ وليس أخرآ أن التعامل مع سلاح جميع فصائل المعارضة بعد سقوط النظام سيكون معقدًا بعض الشيء ويحتاج إلى مساعدة وتكاتف جميع فئات المجتمع بغرض إيجاد صيغ وآلية لغرض نزع السلاح بصورة طبيعية ومقبولة ومفهومة لدى المواطن , وليس بإجراءات انتقامية غير مدروسة , ولكي لا تنعكس الحالة على شعور المواطن بالخوف من المستقبل ولغرض تحقيق مصالحة وطنية حقيقة وشعوره بالأمن والأمان وبالتالي سيكون لديه القدرة على التفهم , وحتى المساعدة بدوره على أفهام الأخريين الذي بدورهم قد يكونون لديهم شكوك حاليآ بعدم تسليم سلاحهم إلى الأجهزة الرسمية الحكومية لأن هذا سوف يحقق بالمستقبل القريب والبعيد شعور بالطمأنينة والأمان وبأن لا يوجد سلاح خارج الشرعية الرسمية الحكومية.

أن نجاح هذه العملية يعتمد بالدرجة الأساس على وجود إرادة سياسية قوية لدى السلطة الانتقالية ، وكذلك الى التنسيق لغرض الحصول على الدعم والمساندة الدولية ، واستقرار للتنمية الاقتصادية ، و خلق الفرص والحلول المستدامة لتضمن بناء فجر سوريا جديدة بعيدًا عن العنف والفوضى والسلاح المنفلت والصدامات المسلحة التي قد تنتج بين فصائل المعارضة مستقبلآ , وهذا ما لا يريده الجميع وبالاخص المجتمع الدولي الذي يرى الآن ويشاهد ما يجري في الداخل السوري .

حاولنا قدر الإمكان أن نقلي الضوء على هذا الحدث القادم نظرآ لخبرتنا السابقة , ومعاناة الحكومات العراقية من فوضى السلاح المنفلت والتي ما يزال يعاني منها كذلك المواطن العراقي , ونترك الباقي لأصحاب الخبرة والاختصاص للتوسع أكثر في هذا الموضوع , عسى ولعلى أن تصل هذه المخاوف والتحديات لأصحاب الرأي والشأن.

[email protected]