خاص: كتبت- نشوى الحفني:
تقف “سورية” الآن عند مفترق حاسم في تاريخها؛ حيث تواجه مرحلة مصيرية تتراوح بين احتمالات قيام دولة قادرة على النهوض وفق مشروع وطني شامل، أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والصراع الداخلي.
فبعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق؛ “بشار الأسد”، كثرت التساؤلات حول مستقبل البلاد في ظل كثرة الجماعات المسلحة والقلق من اقتتالها ورجوع البلاد للوراء.
يأتي هذا في ظل حالة من الترقب المحلي والعالمي لمصير البلاد وكيفية إدارتها في المستقبل القريب مع تصدر رئيس (هيئة تحرير الشام)؛ “أبو محمد الجولاني”، للمشهد وخطبته في الجامع “الأموي”.
لا يوجد وحدة فكرية أو تنظيمية !
الخبير في شؤون الجماعات المتشدَّدة؛ “ماهر فرغلي”، يقول إن “الجولاني” يشبًّه “أبو بكر البغدادي”؛ زعيم تنظيم (داعش)، حيث مر “البغدادي” على “جماعة الإخوان المسلمين” ثم (القاعدة) حتى أسس تنظيم (داعش)، بينما “الجولاني” انتمى لـ”الإخون” ثم تنظيم (القاعدة)؛ ثم بايع “الزرقاوي”، (أبو مصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم داعش)، قبل أن يؤسس (هيئة تحرير الشام).
مضيفًا أن كلًا من “البغدادي” و”الجولاني” ينتميان لما يسَّمى: بـ”السلفية الجهادية” سواء الجهادية العالمية أو المحلية.
واعتبر أن هناك مجموعة كبيرة من القيادات والتنظيمات والفصائل المتنوعة حول “الجولاني”؛ والمشكلة أنهم ليست لديهم وحدة فكرية أو تنظيمية والاتحاد بينهم كان مرحليًا.
وبيّن أن الخطير هو عدم تراجع (هيئة تحرير الشام) عن أفعالها القديمة أو إنكارها لها بشكل رسمي وواضح.
مجرد مرحلة من تفكيك الدول العربية..
كما تخوف الخبير في شؤون الجماعات المتشدَّدة من قيام دولة إخوانية في “سورية”؛ حيث قام “الجولاني” بالجانب الخاص بحمل السلاح ثم يقوم “الإخوان” بالجانب الآخر المتعلق بتداول السلطة وبناء حكومة جديدة يُشكلونها ومن ورائهم فصائل جهادية تحمي حكمهم على غرار (الحرس الثوري) الإيراني.
ويرى “فرغلي”؛ أن مشروع تفكيك الدول العربية يسيّر؛ وما يجري هو مجرد مرحلة حتى تتحول “سورية” لدولة تشَّبه (طالبان) أو دولة إخوانية جديدة في “سورية”.
أهمية الجيش السوري..
ويُسلط الباحث السياسي؛ “طارق عجيب”، الضوء على أهمية الجيش السوري كركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ففي تصريحات له، يرى أن: “الجيش السوري هو عامل رئيس لاستقرار سورية”، مشيرًا إلى ضرورة الحفاظ عليه وإعادة هيكلته بطريقة تساهم في خدمة البلاد.
ويؤكد على: “أهمية الحفاظ على الجيش كعامل رئيس لاستقرار سورية”، ويشدَّد على ضرورة إعادة هيكلته بما يخدم مصلحة البلاد دون أن يتم: “حل الجيش” كما قد يُطالب البعض.
مسؤولية كبيرة على الجميع..
من جانبه؛ ينبَّه الأكاديمي والبرلماني السابق؛ “محمد حبش”، إلى أن: “الاعتراف بمعاناة الشعب السوري جراء الأعمال الدموية والقمع بعد (13 عامًا) من الظلم”، يُفرض مسؤولية كبيرة على الجميع في حماية وحدة البلاد، مشيرًا إلى ضرورة: “تمسك الشعب السوري بالدفاع عن وطنه” أمام التحديات القادمة.
التعددية الثقافية والدينية..
في المقابل؛ يُشير الباحث في مركز (الإمارات) للسياسات؛ “محمد الزغول”، إلى ضرورة أن: “تقوم سورية الجديدة على مفهوم السيّادة الوطنية والاستقلال”، مع التخلص من الأذرع المسلحة غير الجيش الوطني، مؤكدًا على أهمية: “الحفاظ على مؤسسات الدولة” ومؤسسة الجيش باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السيّادة الوطنية.
أحد أكبر التحديات التي تواجه “سورية”؛ في المرحلة المقبلة، هو التعددية الدينية والثقافية في المجتمع السوري، والتي تُفرض ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية. “محمد حبش”؛ يُلفت الانتباه إلى: “إدراك تنوع الثوار الذين ينتمون إلى خلفيات دينية وثقافية متباينة”، مما يتطلب بذل جهود إضافية لتعزيز: “الوحدة والتفاهم” بين جميع مكونات المجتمع السوري.
“الزغول”؛ بدوره يرى أن: “مسألة تعريف الهوية الوطنية في سورية” أصبحت ذات أهمية كبيرة، مشددًا على ضرورة أن يكون هذا التعريف قائمًا على: “مبدأ المواطنة وحقوق متساوية لجميع المواطنين”، لضمان تجنب الأزمات والصراعات الطائفية والعرقية.
حكومة وحدة وطنية..
في سيّاق هذه التطورات؛ يبَّرز بشكلٍ واضح اقتراحات بضرورة تشكيل “حكومة وحدة وطنية” تضم جميع الأطراف السورية.
الباحث “طارق عجيب”؛ يرى أن: “التنسيق مع الحكومة الحالية” سيكون خطوة هامة على طريق الانتقال إلى: “حكومة جديدة متفق عليها”، في حين يعتقد “الزغول” أن الحل يحتاج إلى: “مشاركة الجميع في الحلول” بما يضمن توزيع السلطة والموارد بين جميع المواطنين، من دون تكرار سياسات النظام السابق التي كانت تهمَّش الهويات المختلفة.
الباحث “أعلية العلاني”؛ يضع أمام السوريين خيارين أساسيين: إما الدخول في فوضى نتيجة التنوع الطائفي داخل الجيش، أو بناء مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة.
ويؤكد على أهمية أن يعمل الجميع على تأسيس: “مؤسسة عسكرية للمرحلة القادمة” بدلًا من إفساح المجال للفوضى. كذلك، يرى أن: “التوافق حول إنشاء حكومة وحدة وطنية” يشمل ضرورة الاتفاق على هوية الدولة من خلال: “دستورٍ مؤقت يُحددها كدولة مدنية”.
“سورية” أمام مفترق حساس في المرحلة المقبلة، يتطلب الحفاظ على الاستقرار الوطني وإرساء قاعدة صلبة من الوحدة الوطنية والسيّادة. إن تحديد دور الجيش السوري وإعادة هيكلته، بالإضافة إلى ضمان حقوق جميع المكونات السورية، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف. سواء من خلال الحفاظ على مؤسسات الدولة أو من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة، فإن هذه المرحلة تتطلب قيادات حكيمة قادرة على تجنب الفوضى وبناء “سورية” جديدة قائمة على أسس من المواطنة والمساواة.