16 يناير، 2025 12:18 ص

القيادة السنيّة الجديدة.. برغماتية نفعية.. ما معنى ذلك ؟

القيادة السنيّة الجديدة.. برغماتية نفعية.. ما معنى ذلك ؟

عاش العراق على مستوى العملية السياسية منذ العام 2003 مشهدين مختلفين في ساحتين مختلفتين، أولهما يتمثّل بالساحة السياسية السنيّة التي عرفت تحولاً كبيراً منذ أول مشاركة سياسية وليومنا هذا، وثانيهما يمتاز بكونه متماسكاً محافظاً على نفسه رغم إعادة توزيع الأدوار بين ممثلي الكيانات والكتل السياسية.

فالمراقب للمشهد السياسي سيكتشف أن الكتل السياسية الشيعية ورموز الساحة السياسية الشيعية لم ينالهم التغيير إلاّ بمستوى ضئيل للغاية، فحتى الإطار التنسيقي الذي عدّ تنظيم سياسي جديد لم يكن إلاّ نسخة محدثة عن البيت السياسي الشيعي الذي أسس في العراق عام 2004، أي قبل أكثر من عشرين عاماً.

بينما على الجانب الآخر نجد أن المشهد السياسي السنّي تغيّر بشكل كبير، فجبهة التوافق العراقية التي دخلت الانتخابات عام 2005 ممثلاً عن السنة في العراق لم يبقَ منها سوى الحزب الإسلامي العراقي الذي ضعف تأثيره بشكل كبير في المشهد السياسي العراقي.

وتراجع تأثير الشخصيات السياسية السنيّة إمّا بالموت أو بالإنسحاب من المشهد السياسي السني بعد اتهامهم بقضايا تتراوح بين الإرهابية والجنائية – بغض النظر عن حقيقة تلك الدعاوى- فلم يعد هناك عدنان الدليمي أو طارق الهاشمي أو خلف العليان.

أما القيادات السنيّة التي بقيت في الساحة فتراجع تأثيرها مع مرور الوقت كجبهة الحوار الوطني التي يتزعمها صالح المطلك.

طبعاً جل هذه التشكيلات كانت تقوم وفق مبدأ أو توجه إسلامي أو عشائري أو وطني يتبنى العلمانية كتوجه ويضع الدولة المدنية هدفاً للمشاركة في سلطاتها.

ومع تراجع مكانة تلك الكتل السياسية لأسباب سياسية -لا مجال لذكرها هنا- منها المرتبط بالداخل ومنها المرتبط بالتوجهات الدولية والإقليمية بدأت الساحة السنيّة تشهد ظهور تشكيلات سياسية جديدة من حيث المنطق والتوجه، هذه التشكيلات لم تقم وفق مبدأ أو عقيدة أيديولوجية وإنما هي أحزاب وتجمعات أشخاص قوامها رمزيّة زعمائها وقدرتهم على حشد الجمهور وفق طرق نفعية بحتة، وهذا ما ظهر من خلال الاتفاقات التي كانت تتم لتوزيع مكاسب السلطة ما بعد كل انتخابات نيابية.

فالمنصب بات يباع أو يتم مقايضته بمنصب آخر فيما يتم توزيع الصلاحيات وفق منطق الربح والخسارة، هذه المعادلة الجديدة أوجدت شخصيات جديدة بنفسية وروحية جديدة للتعامل السياسي يحكمها منطق واعتبارات السوق لا غير.

لذلك بات كل منصب حتى وإن كان في جوهره يرتبط برمزيّة سنيّة سواء من حيث طبيعة المنصب كديوان الوقف السني مثلاً أو حتى من حيث مكانه كأحد المحافظات التي تسكنها أغلبية سنيّة أو يشغلها مواطنون سنّة ولو بنسبة قابل للتفاوض.

وهنا وجدنا اتفاقاً لترتيب مجالس محافظتي كركوك وديالى وصلاح الدين يتم وفق المنطق أعلاه وكذا كان التصويت على اختيار رئيس مجلس النوّاب العراقي -الذي من المفترض أن يكون منصباً من نصيب أهل السنة- والذي تم وفق صفقة مقايضة مكشوفة.

هذا الشكل الجديد للتشكيل السياسي السنّي والذي تم وفق رؤية إقليميّة تعمّدت تحييد التوجه الإسلامي السياسي ضمن هذا المكوّن قابله توجه إقليمي عزّز البعد الديني في التشكيل السياسي الشيعي، بل وأسنده بدفع التشكيلات المسلّحة لدخول المعترك السياسي عبر ممثليها وقادتها.

الصورة النهائية لهذا المشهد وإن كانت من حيث التصوّر العام مقبولة -بالنسبة لعوام الناس- غير أنها قد تفضي في النهاية لتنازلات كبيرة في الجوانب الدينية والاجتماعية والاقتصادية، لاسيما ونحن نتحدث قيادات سياسية تعتمد في لعبتها حسابات الربح والخسارة لا المبدأ والعقيدة ومن الممكن أن تعتبر كل عملية صفقة قابلة للمساومة.