خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
حاليًا وبعد هجوم فصائل المعارضة المسلحة في “سورية”، والسيطرة على عدة مناطق هامة في شمال البلاد مثل “حلب”، ثارت الأسئلة حول سبب أو أسباب هذا التقدم السريع. وكنت قد تحدثت في مقالات سابقة عن الأسباب الرئيسة؛ من مثل انشغال حلف “دمشق” مثل “إيران وحزب الله” بالحرب مع “إسرائيل”، وكذلك “روسيا” بالحرب ضد “أوكرانيا”، كما يصعب تبرير دور “موسكو” المشبوه؛ خلال الأسبوع المنصرم، وتفجيرات اليومين أو الأيام الثلاثة الماضية، ما أسفر عن الاستيلاء على “حلب” والتقدم نحو “حماة”. بحسّب تحليل “صابر گل عنبري”؛ المنشور على قناة (الكاتب) الإيرانية على تطبيق (تلغرام).
الأسباب الداخلية أكثر دهشة !
لكن الأسباب الداخلية تنطوي على أهمية أكبر، وتحديدًا انسحاب الجيش السوري، والانهيار السريع، وحركة دومينو الخطوط الدفاعية من ريف “حلب” حتى “حماة” في الأيام الأولى للهجوم، الأمر الذي أثار دهشة المهاجمين.
لكن ثمة سببين آخرين، الأول: شراء وتعاون بعض ضباط الجيش مع المعارضة، والثاني: انعدام حافز باقي الجنود الذين فضلوا الفرار على البقاء.
وهذان العاملان نابعان عن سببٍ آخر بالغ الأهمية وهو الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمناطق تحت سيطرة النظام السوري. وحين يكون متوسط الرواتب الشهرية للقوات والموظفين السوريين حوالي: (20) دولارًا فقط، وهو مبلغ لا يكفي حتى تلبية احتياجاتهم من السجائر، ولا يُغطي مصاريف يوم واحد لهم ولعائلاتهم، يكون الانسحاب والتراجع طبيعيًا، فلم يبقى لهم حافز للقتال أو إيديولوجية بعثية كما في السابق مع انعدام الأموال في ظل فساد حكومي ممنهج. صحيح أن الرئيس السوري رفع رواتب العسكرية بنحو: (07) دولارات، لكن هذا ليس مبلغًا.
دور العامل الاقتصادي..
في المقابل تمتلك الأطراف المضادة حوافز أكبر لأسباب عدة. ولطالما كان العامل الاقتصادي مهمًا في تحفيز الفصائل المسلحة.
والوضع الاقتصادي بشكلٍ عام في الشمال السوري والمناطق الكُردية ذات الحكم الذاتي، أفضل من المناطق تحت سيطرة النظام السوري.
ذلك أن اقتصاد المناطق تحت سيطرة المعارضة يتبع نوعًا ما الاقتصاد التركي؛ حيث تُسيطر الليرة التركية، وتتكفل الحكومة التركية في الغالب بتوفير الأجور. ومع أن الوضع الاقتصادي في هذه المناطق ليس جيدًا كفاية نتيجة تراجع قيمة الليرة التركية باستمرار، لكنها أفضل بكثير من “دمشق” وغيرها من المناطق الأخرى تحت سيطرة النظام.
على سبيل المثال يبلغ متوسط أجر العمال في المناطق تحت سيطرة المعارضة نحو مئة دولار أي خمسة أضعاف راتب الضابط بالجيش السوري.
دور الاقتصاد التركي..
بخلاف ذلك؛ ضخت “تركيا” وشركاتها، على مدار السنوات الماضية، استثمارات ضخمة في البُنية التحتية بالشمال السوري؛ لا سيما المناطق تحت سيطرة (الجيش السوري الوطني) أو (الجيش السوري الحر) سابقًا، مثل قطاع الكهرباء، لذلك ينعم الشمال السوري بالكهرباء، بينما تفتقر المناطق تحت سيطرة النظام إلى الكهرباء وتعيش في الظلام.
وكانت بعض المدن مثل “حلب”؛ قبل سقوطها، تحظى بساعتين كهرباء فقط في اليوم، والآن “تركيا” تعتزم “تركيا” توفير الكهرباء لتلك المدينة الاستراتيجية.
وخلاصة القول؛ فقد كان الاقتصاد إلى جانب عوامل أخرى ساهمت في استمرار الأزمة السورية، دورًا رئيسًا في تقدم المعارضة مؤخرًا، ومن المستبعد (إذا كانت عناصر الجيش السوري تحصل شهريًا على مبلغ (10-20) دولار لا تكفيه وأسرته)، أن تُحارب وتتقدم، وحتى لو حدث فسوف تنسحب بعد حين.
وعليه؛ لعب الاقتصاد دورًا محددًا في ملفات رئيسة أمنية وعسكرية، حيث الأزمة السورية مستمرة.
والسياسة الخارجية التركية القائمة على الاقتصاد في هكذا أزمة أمنية؛ لها ارتباط اقتصادي كبير، ومن ثم يرتبط اقتصاد الشمال السوري تمامًا بالاقتصاد التركي، بحيث لو أردنا لا يمكن فك هذا الارتباط، وبالتالي تحول الجيوسياسية في شمال “سورية” (المناطق تحتس سيطرة المعارضة) لصالح “تركيا”.