18 ديسمبر، 2024 10:51 ص

“عبد السلام مصباح”.. شغوف بالجمال والسحر ومبهور بالسلاسة والعفوية

“عبد السلام مصباح”.. شغوف بالجمال والسحر ومبهور بالسلاسة والعفوية

خاص: إعداد- سماح عادل

“عبد السلام مصباح” شاعر ومترجم مغربي

التعريف به..

من المغرب، ولد في 21 مارس 1947 بمدينة شفشاون. ترجمت قصائده إلى الإسبانية، الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والهولاندية والرومانية والصينية.. وقام بترجمة العديد من الروائع الشعرية والمسرحيات والقصص القصيرة ودراسات لأدباء من إسبانيا، الأرجنتين، الشيلي، بوليفيا، نيكاراغوا

يحكي عن نفسه في أحد الحوارات: “اشتركت في مطلع شبابي في تأسيس وتكوين جمعيات ثقافية، فأصدرنا  سنة 1965،أثناء دراستي بثانوية “القاضي عياض”مجلة «البلابل»، كما أشرفت على تحرير وطبع مجلة “دليل الطالب الأستاذ” التي كان يصدرها المركز التربوي الجهوي بآسفي، وقد ساهمت بإنتاجي في عددين من أعدادها.

بدأ  اهتمامي بالأدب في سنوات مبكرة؛ فقد كان للبعثات التعليمية العربية الوافدة إلينا من: مصر/ لبنان/ فلسطين يد سحرية في تشكيل فكري الإبداعي، فمن خلالها تعرفنا على الأدب المهجري والأدب الحديث: مدرسة أبولو، مدرسة الديوان وعلى عمالقة المعلقات والأدب العباسي، فأثر ذلك في تكويني، فكانت البداية، بداية الإبحار مع تيارات الشعر واتجاهاته، بداية تفتح الوعي المعمد في أنهار الحلم والعشق والشغب الأنقى والأروع،  وكانت محاولات تفتقر إلى كثير  من المقومات الشعرية، نشرت بعضها  وأطعمت  أكثرها  النار” .

شاعر المحبة..

في مقالة بعنوان (عبد السلام مصباح شاعر المحبة الصافية والجمال الراجح) كتبت “عبدالعزيز أمزيان”: “الشاعر عبد السلام مصباح شاعر شفيف الروح، رقيق الفؤاد، لطيف الطبع. عبد السلام مصباح مثل البلور اللامع المشرق، ينير بوجدانه كالمشكاة ما حوله،  ويضيء بقلبه كالمصباح ما يحيط به، صديق صادق صدوق، صفي طيب ودود، حين يحدثك عبد السلام مصباح، تشعر أنه يفضي إليك بمكنونات قلبه ويبينها، بوضوح غريزي تلقائي، ويكشف ما بدواخله من عواطف بجلاء فطري طبيعي، بدون التواء أو اعوجاج، ولا مداهنة أو مداراة.

تشدك إلى عبد السلام مصباح فلسفته في الحياة، ونظرته إلى الوجود، التي تنطوي على عمق غائر، وتنكتم على شمولية دامغة، لا يلقي بالا إلى الترهات، ولا إلى الأباطيل والسخافات وتوافه الأمور، يزن الأشياء بميزان الحكمة، والعقل، والبصيرة. ويرجحها بوجدان الرزانة والفطنة والنباهة.

يحب الحياة إذا ما استطاع إليها سبيلا على حد قول الشاعر الخالد محمود درويش، لا يتوانى في الإقبال على محافل الحياة ومباهجها، ينغمس في أجوائها بغريزة طفولية، وينصهر في بوتقاتها بروح مرفرفة، لا يشغله عنها لا همزة ولا لمزة، شغوف بالجمال أينما وجد، وبالسحر أينما انجلى، ومبهور بالبساطة والطلاقة والبشاشة والسلاسة والعفوية. شاعر بدون أي ادعاء أو زعم، على الرغم من أنه يحوز تاريخا غامرا، ويمتلك تجارب خصبة، فهو لا يفاخر بها ، ولا يظهرها لغيره، ولا يتباهى بنفسه. انه  شاعر القيم بلا منازع، يذود عنها، بكل ما أوتي من قوة وبأس.

شاعر محلق، ينزع إلى الطبيعة، فينهل من حياضها كل ما يروي عطشه إلى الحياة، ويلجأ إلى ربوعها، فيمتاح من عوالمها السحر والبهاء والجمال والروعة والحسن والملاحة، حتى يشعر بكنهه الصافي قد سما، ويحس بجوهره المعدني قد تبدى، وأضحى مثال الحق، ونموذج الخير، وطراز الجمال. أنذاك يفرد أجنحة شعره للأبدية، ويبسط ريش فنه للخلود”.

واقع الترجمة..

في حوار معه أجراه “محمد محمد حجي” يقول “عبد السلام مصباح” عن واقع الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية داخل الوسط العربي والمغربي: “الترجمة عن اللغات الأخرى أمر ضروري للتواصل والتفاعل، وهي فضاء خلاق للتبادل الثقافي، كما أنها وسيلة لغوية مساهمة في تطور الحركة الثقافية والفكرية للمجتمعات، وهي أداة فعالة للتواصل بين البشر على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وجسر تواصل يربط الشعوب ببعضها، ويساهم في تطوير حضارتها، وأحد عوامل النهضة التي تربطنا بالآخر. والانشغال عليها هوس داخلي يتنامى مع الأيام بالممارسة.

وخريطة  الترجمة في الوطن العربي تنقسم إلى ثلاثة: قسم ثقافته إنجليزية، ويرتكز في مصر والعراق، والثاني فرنسية، وينحصر في لبنان وشمال إفريقيا، والقسم الثالث إسبانية، وهذا محصور في شمال المغرب.

واقع الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية داخل المشهد العربي عموما والمغربي على نحو خاص خجولة جدا، مقارنة مع اللغتين الإنجليزية والفرنسية، لأن من يقوم بها أفراد، حتى هؤلاء قليلون، وليست مؤسسات، أو شركات، أو منظمات. أي تقوم على جهود شخصية. يترجمون، وفي الغالب ينشرون على نفقتهم، فلا يجدون أية مساعدة من جهة ما، أو مؤسسة إلا النذر اليسير”.

وعن حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية يقول: “إذا حاولنا أن نتعرف على حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية مقارنة مع الإنجليزية والفرنسية نجدها أقل حظا منهما. والمتأمل لها يجدها لغة لا تتوفر على إمكانيات مادية ومعنوية كما تتوفران في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويعود السبب، في رأيي، إلى قلة الدارسين والمهتمين.حتى المراكز الثقافية دورها محدود في هذا المجال، بل إنها لا تحفز الطلبة على ذلك. ولذا فهي ضعيفة، ولا تساير سياق العصر. إنه واقع مؤلم جدا، يعاني من الفوضى في الترجمة، وعشوائية في النشر.

والمتتبع لحركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية يلاحظ أنها تعاني من تعثرات، وليس وراءها أية مشاريع كما تتوفر عليها الإنجليزية، أبرزها مشروع دار بلومزبري بلندن، ومؤسسة قطر للنشر، وبالنسبة للإسبانية هناك «مركز محمد السادس لحوار الحضارات» بالشيلي، بإمكانيته المادية المحدودة. هذا المركز كان يشرف عليه الكاتب عبد القادر الشاوي حين كان سفيرا بالشيلي، وقد أصدر العديد من الأعمال المترجمة من الإسبانية إلى العربية، وبالعكس”.

وعن ما الذي أضافته حركة ترجمة الأدب الإسباني إلى الأدب المغربي يقول: “يقول المترجم الإسباني فرانثيسكو موسكوسو غارسيا إن «من يترجم الأدب كمن يحمل الماء بكفيه من إناء إلى إناء آخر. ولابد أن تسقط منه بعض القطرات»، وخصوصا إذا كانت ترجمة الشعر، لأن ترجمة الشعر من أصعب الترجمات.

وقد ركزت على الشعر نظرا للطبيعة الأندلسية التي أثرت الشعر بالأندلس، وحين خرج العرب كان الشعراء الإسبان، وخصوصا، الشعراء الفرسان: «الطروبادور قد تشبعوا بالثقافة العربية، بما في ذلك الشعروكان لهذا الاحتكاك تأثيره أيضا على الشعر المغربي، وخصوصا شعراء المنطقة الشمالية، من حيث الصورة الشعرية والأوزان، وبساطة في الأسلوب، وعمق في المعنى، وبعد في الرؤى كمثال على ذلك الأديب محمد الصباغ”.

النشر..

في حوار آخر أجراه “عبد العالي بركات” مع “عبد السلام مصباح” عن المكان الذي نشر فيه لأول مرة يقول: “يعتبر النشر حلم كل من يجد في نفسه ميلاً للكتابة ليكتشف الينابيع الدفينة في أعماقه؛ وحين أنفض طبقات الغبار والنسيان عن مخطوطة الماضي؛ وأتصفحه بحثا عن تلك اللحظة الحميمية والمتميزة والعميقة أجد أن أول منبر فتح شرفاته لأولى خربشاتي واحتضنها كانت صفحة «أصوات» بجريدة «العلم»، وحين أنبش في أوراقي التي غزتها القرضة وتخضبت باللون الأصفر أجد أول نص نشرته كان بعنوان «أنا لن أموت» بصفحة أصوات المخصصة للأقلام الحالمة بتاريخ 07/08/1962، وكان على بحر المتقارب: فَعُولُنْ، فَعُولُنْ،

أقول في أبياتها الأخيرة:

رَفِيقِي

أَنَا لَنْ أَمُوت

غدا حِينَ يَفْنَى شَبَابِي

وَيَبْلَى

تَجِدْنِي

عَلَى فَمِّ كُلِّ الصِّغَارِ

نشيدا يُغَنَّى

وَلَحْنَـا.

وعن الحافز الذي دفعه إلى النشر يقول: “أما كيف حصل النشر، أو ما الدافع الذي حفزني على مغامرة النشر؛ فسببان: غير مباشر ومباشر. السبب الغير مباشر، تعرف أن «شفشاون» مدينة ساحرة بجمالها وطبيعتها، وبإرثها الحضاري وطابعها التراثي. مدينة تؤثث فضاءاتها خضرة، ومياه تتدفق من جبالها فتنساب  صافية رقراقة في شرايينها، وهواء نقي يمد سكانها بطاقات.هذه المدينة الهادئة والوديعة والمبدعة ألهمت أبناءها فأنجبت أسماء شعرية وازنة أثرت المشهد الشعري المغري تجريبا وعطاءَ: عبد الكريم الطبال، محمد الميموني، محمد أبو عسل، عبد القادر المقدم..فكنا ، ونحن مراهقون، نلتمس تقليدهم من خلال رسائلنا الغرامية ونحلم بغد أكثر إشراقاً يفجر طاقاتها الكامنة تحت الرماد.

أما السبب المباشر، فبعد أن حصلت على الشهادة الثانوية؛ انتقلت إلى «تطوان» لمتابعة السلك الثاني: الشعبة الأدبية بثانوية القاضي عياض (شفشاون، آنذاك، لم تكن تتوفر على هذا السلك)، وفي يوم ربيعي مشمش؛ تلقيتُ رسالة من ابن عمي:محمد الحشلاف مصباح يطلب مني فيها أن أكتب له قبل أن أموت؛ فكان النص الذي أشرت”.

الجوائز..

جائزة جريدة العرب اللندنية عام 1985م عن ترجمته لمسرحيتين قصيرتين لغارسيا لوركا وغوستافو أدولفو بيكير.

جائزة التكريم دار نعمان للثقافة عام 2005.

جائزة الشعر مجلة «هاي 2006».

جائزة منتدى عاطف الجندي الأدبي في أكتوبر 2013.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة