يكتبها: محمد فيض خالد
” الهداية من الله “، يهمس بها “الحاج عبد الصبور الجيار “، وهو يتحامل على نفسه متجاوزا عتبة المسجد، يختفي صوته المهتز بجوار المنبر العتيق، يكر حبات مسبحته الكوك، ويغيم في تسبيح طويل. على إثره يدخل الشيخ ” عبدالمنعم الصعيدي”، هكذا عرفوه، منذ قدم صباحا فوق عربة محملة “ببلاليص” العسل الأسود، نزل بهم ولم يرحل، “عبد المنعم ” اسما جديدا اخترعه.
أما هو “فصلاح الهوا” مجرم عتيد، له تاريخ مخزي، يحاول طمسه، شهدت أحداثه عتمة الحقول، والسواقي المهجورة، وكلاب الطريق، طرفه بيد أبناء المنصر، والطرف الآخر بيد “زبيدة “، و “وزبيدة ” غجرية حسناء، جاوزت الثلاثين بقليل، انفق أيامه يتعقبها، يطوف بالعزب والنجوع والبنادر يبدر ماله، لا يهنأ له جفن، ولا يقر قرار، تكبره “زبيدة ” بسنوات تغاضى عنها، وجد فيها كل ما يجد الرجل في المرأة من مزايا، عرفت كيف تأسر قلبه، فتبعها عن اقتناع كطفل غرير، “زبيدة ” ابنة الليل وريبية المجهول، لا تعرف لها أصل، كل ما تعرفه، أن أمها “مديحة العايقة” رحلت ساعة نحس وهي تلدها.
ربتها “اعتدال”، و “اعتدال ” مثلها تماما ابنة المجهول، ومن يحن على الغريب غير غريب مثله، ضمتها إليها، واهتمت لشأنها، سقتها من كارها، حتى أصبحت نجمة، تزدان بها ليالي الصعيد، تملئ عيون العمد والأعيان وأصحاب الأطيان، كبرت “زبيدة” وكبرت معها علتها، لتتحول لجرح ينز الألم والحسرة، تمنت الأسرة، اشتهت بيتا وعزوة، وزوج يحميها من الأعين الجائعة التي تنهشها، لزبائن سكارى وسط أنفاس الدخان، فتنت ب“صلاح “، تعلقت به، ذاقا معا لذة الحب، تخفف من مخالطة رفقة الليل، ليصبح هملا رخوة لا يصلح لزعامة.
تحت تأثير إلحاحهم ضاق ذرعا، حتى كانت ليلة دعاهم لبيته،للاتفاق على طلعة ليل، وبعدما لعب الشراب برؤوسهم وتراخت الأجسام ، احرق عليهم البيت وهرب، اختفى للأبد، مات ابن الليل، ليولد في بقعة غيرها، الشيخ ” عبدالمنعم الصعيدي ” فهل يصمد للأبد.