2 ديسمبر، 2024 8:50 م
Search
Close this search box.

ضلال المستكبرين

الله تعالى لا يحب المتكبر ومن لا يحبه الله لا يهديه ولا اعتراض على حكمه فهو {يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} ولكن لا تخش أن تكون من الضالّين وانت ساع الى الهدى ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ ، ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، فالله تعالى كفيل بهدايتك واتمام هداك إن ابتغيت الهدى وابتعدت عن العناد والاستكبار وقد وعد بذلك سبحانه وهو الذي لا يخلف الوعد ، فما عليك إلا ان تتبع ما توعظ به وتسلّم قلبك ونفسك لهدي الله ثم الله منه التوفيق وعليه التثبيت {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا () وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا () وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} ،
ولكن الخطر كل الخطر في التكبر والإصرار فالله تعالى قالها صريحة في آياته البينات {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} واذا صرفك الله عن آياته كنت من الضالين وصرت من الذين {وإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } ،
بعض الناس -ممن اغواه الشيطان- يمنعه الاستكبار أن يخضع لله ويبرر لنفسه أعذارا مضلة كالشك والبحث عن الحق والتبصر في الأدلة ، ولكنه في داخله مستكبر ضال مستنكف أن يتبع الهداة او يستسلم لبيان الآيات
﴿وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا () فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ فالأنبياء والملائكة لم يسنتكفوا من ذلك ولم يستكبروا ولم يجادلوا فمن تكون انت {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} ولكن الذي استكبر واستنكف هو الشيطان وكان اول من فعل فسأله الله تعالى ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ () قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴾
فإن شئت ذلك فكن من أتباعه فانك معه في المصير ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ فخطر الاستكبار عن آيات الله وهدي رسله كبير فالمتكبرون لا تفتح لهم ابواب السماء ولن يدخلوا الجنة وسمّاهم الله المجرمين ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ ومما ذكر الله تعالى في آياته وذكّر عن المستكبرين يوم الحساب قوله : ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ جاء في التفسير عن أبي مجلز: قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُون ، وقال، يونس أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد ف”الرجال” عظماء من أهل الدنيا. قال: فبهذه الصفة عرَف أهلُ الأعراف أهلَ الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة قال : “ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون” أي “على أهل طاعة الله”. إنتهى كلامه .
فالله تعالى توعد بالويل والعذاب لكل متكبر أفّاك : {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ () يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، الذي استكبر عن طاعة الله وعن آيات الله وعن الاستماع لهدي الله ورفع نفسه عن الناس وظن في نفسه العزة ، يُكبّ يوم القيامة على وجهه في النار فيقول الله تعالى له : انظر الى عزتك الآن :{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ () ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ () ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ،
وقد استكبرت امم من قبل وقالوا لا قوة فوق قوتنا ولا عزة ارفع من عزتنا فأخذهم الله بذنوبهم وأراهم من يكونون ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ () فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ فكل ادأمة او جماعة استكبرت كان مصيرها النكوص والخسران فمثل ذلك عتاة قريش وقوم تبّع {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ () فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾
ومن الناس من يظن في استكباره غوى وهوى فيشتري بمصيره المحتوم يوم القيامة متاعا من حديث الدنيا وضيع {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
واذ ذاك ويوم يرون العذاب يتبرأ الذين استكبروا -ملحدين ومنكرين ومعاندين- من الذين اتبعوهم وصدقوهم وكانوا بهم مقتدين فأنكروا وبرروا {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} ، وملحدو اليوم ومنكروهم ومنسلخوهم لا يتوقعون لقاء الله فهم عنه مستكبرون فيريدون ان يروا الله او ينزّل الله على كل واحد منهم ملَكا {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} سيرون الملائكة ذلك اليوم ولكن يوم سوء: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا () وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}
فاستمع يا ابن آدم الى قول ربك وأطعه وهوّن من عزة نفسك فانك لا تساوي شيئا في هذا الكون الجبار ولن تنقذ نفسك من قدر او شرر ولن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا ولن يغني عنك جدلك وعنادك ولا استعراضك لعزتك امام الناس ، ولا من اتباعك وممن ضللتهم شيئا ، ولن يشترك معك احد في مصيرك ولن يتغير الكون بما توهمت به من أدلة ولن يفتديك احد ممن أضلّوك يوم حسابك وعقابك ، و يا أيها الناس هذه تذكرة من الله العزيز الحكيم فإن {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ () لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ فإن جهنم موعدهم وهي مثوى المتكبرين {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} فالله غني عن العالمين وعن عباده المتكبرين فعنده من يسبحون له ولا يتوقفون {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} فاجعلنا ربنا ممن يؤمنون دون كبر وممن يسبحونك -دون كلل- وممن يسجدون {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
29 ت٢ 2024

أحدث المقالات