بحث في الصوفية والطبيعة

بحث في الصوفية والطبيعة

الصوفية الذي أجمع عليه عدد هام من الباحثين هو نسبة هذا الاسم إلى الصّوف “لأنّه يقال تصوّف إذا لبس الصّوف كما يقال تقمّص إذا لبس القميص”، كما ذهب إلى ذلك محمد بن عمر السهروردي في “عوارف المعارف”. فالصّوفيّة منسوبون إلى الغالب من لباسهم لأنه ظاهر حالهم، ويضرب أبو نصر الطوسي مثلا يقرّب المسألة من الأذهان فيقول “ألا ترى أنّ الله تعالى ذكر طائفة من خواص أصحاب عيسى عليهم السلام في نسبهم إلى ظاهر اللبسة، فقال عزّ وجلّ (وإذ قال الحواريون) وكانوا قوما يلبسون البياض فنسبهم الله تعالى إلى ذلك ولم ينسبهم إلى نوع من العلوم والأعمال والأحوال التي كانوا بها متمرّسين، لأنّ لبس الصوف كان دأب الأنبياء والصديقين وشعار المساكين والمتنسّكين”. وهذا الرّأي يدعمه كثيرون ممن تعرّضوا لأصل الكلمة مثل صاحب كتاب “صفة التصوّف” والذي حشر الكثير من الأدلّة النقلية على أنّ لبس الصّوف كان دأب النبي محمد وصحابته، ويسانده في رأيه محمد بن عمر السهروردي، في مؤلفه “عوارف المعارف”، والذي يؤكّد أنّ لبس الصوف كان شعار أهل الصفّة وبعض البدريين، ويستنجد بشهادة الحسن البصري الذي يقول فيها “أدركت سبعين بدريا كان لباسهم الصّوف”يقول الصوفيون: “كل جسيم مخلوق هو مرآة، انعكاس لصفات الخالق الأسمى.” غالبًا ما يذهب الصوفيون إلى العزلة، وهو خلوة روحية في أماكن طبيعية معزولة. تسمح هذه الخلوات بالانغماس التام في الطبيعة، مما يسهل التواصل الأعمق مع الله. تساعد العزلة والصمت في هذه البيئات الطبيعية الممارسين على عزل أنفسهم عن الانحرافات الدنيوية والتركيز على علاقتهم مع الله. في الصوفية، الروحانية هي تجربة حية. الرقص والغناء تعبيرات عن الروح والممارسات الصوفية مثل الذكر، وهو (ذكر الله)، والرقص الذي يساعد على (تذكر الروح)، كلاهما يجتمعان معًا، من خلال تجربة روحانية مكثفة. ولذلك فإن الذكر، من خلال تكرار الأسماء المقدسة، المصحوب غالبًا بالدفوف والرقصات، ليس طقوسًا يمكن فهمها فكريًا، بل تجربة يجب أن نعيشها جسديًا وعاطفيًا. تسمح هذه الممارسات للمرء بتجاوز الأنا والانغماس في الحب الإلهي. وبحسب الصوفية، فإن الموسيقى والرقص الصوفي هما الوسيلة لكسر أغلال الروح والصعود إلى الحواس الإلهية. تركز طريقة الحب الصوفية بشكل خاص على الحب كوسيلة للوصول إلى الله. هذا الحب ليس مجرد شعور، بل هو تجربة تحويلية تشمل الوجود كله. يقول الصوفيون: “من خلال مواءمة أنفاسنا مع أنفاس العالم، نجد مكاننا في أوركسترا عظمة الوجود.” إن الطبيعة والروحانية، خاصة من منظور صوفى، هما تجارب عميقة للحياة. تعلمنا الصوفية أن المعرفة الحقيقية لا تكمن في حل الألغاز الفكرية، بل في الانغماس الكامل في الحياة الروحية والطبيعية. من خلال اتباع هذا النهج، يمكننا أن نعيش وجودًا أكثر ثراءً وأكثر ارتباطًا وأكثر معنى، حيث تصبح كل لحظة فرصة للتواصل مع الإله والعالم من حولنا. من خلال الوعي مع الكون، يدرك أن الذات كشخص لا وجود لها ككائن مستقل وهي وهم، بل هي جزء من الطبيعة وبطريقة ما. يتأثر باستمرار ببيئته وطبيعته، عندما يقترب من ضرورة تنمية حب الوطن والأرض والطبيعة ويشعر بعظمة التربية توضح قصائد الرومي، أحد أعظم الصوفيين، هذا السعي العاطفي للاتحاد مع الحبيب الإلهي. على سبيل المثال، كما يقول الرومي: “الأمس كنت ذكياً وأردت تغيير العالم، اليوم أنا ذكي وسوف أغير نفسي. إن الزواج بين الطبيعة والروحانية في الصوفية هو أن الطبيعة مرآة للروح. ينظر الصوفيون إلى الطبيعة باعتبارها مرآة للروح الإنسانية. تعكس المناظر الطبيعية والفصول والظواهر الطبيعية الظروف الداخلية للروح. على سبيل المثال، قد يرمز هدوء البحيرة إلى السلام الداخلي، في حين أن العاصفة قد ترمز إلى الاضطراب الروحي. يدعوك هذا التعايش بين الطبيعة والروحانية إلى تعميق قلبك وفهم نفسك بشكل أفضل من خلال مراقبة الطبيعة. الانسجام مع الكون يسعى الصوفيون للعيش في انسجام مع الكون، مدركين أن كل شيء في الكون مترابط. وتنعكس هذه النظرة الكونية في ممارساتهم الروحية، التي يكون فيها التوافق مع الإيقاعات الطبيعية أمرًا مهمًا للغاية. على سبيل المثال، غالبًا ما تتزامن الصلاة مع الدورات الشمسية، مما يؤكد الوحدة بين العبادة الإلهية والحركات الكونية.