خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أعلنت “إيران”؛ الأحد، أنها ستُجري محادثات، الجمعة المقبل، بشأن برنامجها النووي مع “فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة”، وهي الدول الثلاث التي وقفت وراء قرار “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، الذي انتقد “طهران”؛ الخميس، على عدم تعاونها في الملف النووي.
وأمر القرار؛ الذي اقترحته الدول الثلاث، “إيران” بتحسّين التعاون مع الوكالة بشكلٍ عاجل وتقديم تقريرٍ “شامل” يهدف إلى الضغط على “إيران” للدخول في محادثات نووية جديدة.
رفع مخزون “اليورانيوم” المُخصب..
والثلاثاء؛ كشف تقرير سري للوكالة أن “إيران” رفعت مخزونها من (اليورانيوم) المُخصب إلى مستويات قريبة من درجة تصنيع الأسلحة، في تحدٍ للمجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي.
كشف تقرير سري لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ التابعة لـ”الأمم المتحدة”، الثلاثاء، بأن “إيران” تواصل تحديها للمجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي.
تكتيك لاكتساب الوقت..
حول المحادثات “الإيرانية-الأوروبية” المرتقبة، يرى “بول سوليفان”؛ أستاذ أمن الطاقة في جامعة (جونز هوبكنز) الأميركية، أنها ليست سوى “تكتيك” تتبعه “طهران” لكسب مزيدٍ من الوقت لاستكمال مشروعها النووي.
وقال “سوليفان”؛ في تصريحات لموقع (الحرة): إن “معظم دول العالم تتعامل بسذاجة مع إيران وطبيعتها الماكرة”.
اتفاق وانسحاب..
يُذكر أنه في عام 2015؛ أبرم “اتفاق نووي” بين “طهران” وست قوى كبرى في عهد الرئيس الأميركي السابق؛ “باراك أوباما”، أتاح رفع عقوبات عن “إيران” مقابل تقييّد نشاطاتها النووية وضمان سلميتها.
وردًا على انسحاب “الولايات المتحدة” من الاتفاق؛ في عام 2018، أثناء الولاية الرئاسية الأولى؛ لـ”دونالد ترمب”، بدأت “طهران” التراجع تدريجيًا عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق، واتخذت سلسلة خطوات أتاحت نمو برنامجها النووي وتوسّعه إلى حدٍ كبير.
وحدد “الاتفاق النووي” مع “إيران”؛ المعروف رسميًا باسم: “خطة العمل الشاملة المشتركة”، والذي فشلت مفاوضات في إحيائه في العام 2022، معدل التخصّيب الأقصى عند نسبة: (3.67) في المئة.
ويُشير نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق؛ “هنري إنشر”، إلى أن اتفاق عام 2015؛ كان: “خطوة مهمة”، لكنه لم يتناول جميع الجوانب المثيرة للقلق في سلوك “إيران” على الصعيدين الإقليمي والدولي.
موضحًا أن اتفاق 2015: “لم يشمل القضايا المتعلقة بتصرفات إيران في المنطقة وحول العالم، وهو أمر لطالما كان للولايات المتحدة موقف واضح حياله”، مشيرًا إلى أن المحادثات المقبلة التي من المقرر أن تنعقد الجمعة؛ في “جنيف”، قد تتُيح فرصة لطرح جميع هذه القضايا على الطاولة، بما في ذلك الأنشطة الإقليمية والنووية الإيرانية.
استراتيجيات معُقدة..
وتتصاعد التوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وتنفي “طهران” أن تكون لديها طموحات نووية على الصعيد العسكري وتُدافع عن حقها بامتلاك برنامج نووي لأغراض مدنية؛ ولا سيّما في مجال الطاقة.
غير أن “سوليفان” يُشير إلى أن “إيران”: “تُسابق الزمن نحو امتلاك القنبلة النووية”، ويعتقد أن “طهران” تستخدم: “استراتيجيات معُقدة لخلق الضبابية حول أنشطتها النووية”، لافتًا إلى أن “إيران” أصدرت تصريحات متناقضة في الأيام القليلة الماضية، إذ أنه بعد يومين فقط من إعلانها التوقف عن إنتاج (اليورانيوم) المستخدم في صنع القنبلة النووية، قالت إنها تقوم بترقية أجهزة الطرد المركزي لتسّريع تخصيب (اليورانيوم).
وأضاف “سوليفان”: “من خلال ترقية هذه الأجهزة، يمكن لإيران إنتاج (يورانيوم) مُخصب بدرجة أعلى باستخدام وحدات أقل، مما يجعل العملية أكثر كفاءة وأسرع”. وقال إن هذا: “التناقض ليس مجرد خداع، بل خطر حقيقي”.
خطة لتأجيل الإجراءات الغربية..
والسبت؛ أعربت “الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا”، عن: “قلقها الشديد” إزاء اعتزام “إيران” تشغيل مجموعة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة ضمن برنامجها النووي، وحثّت الدول الثلاث؛ “طهران”، على توثيق التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.
وجاء إعلان “إيران” عن محادثاتها المرتقبة؛ الجمعة، بعد أن تقدمت القوى الغربية الأربع باقتراح ينتقد “الجمهورية الإسلامية” في مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”؛ الذي يضم: (35) دولة.
وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب (اليورانيوم) المحول إلى غاز من خلال تدويره بسرعة كبيرة ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية (يو-235) لاستخدامات عدة.
ويعتقد “سوليفان” أن هذه التحركات قد تكون جزءًا من خطة “إيران” لتأجيل أي إجراءات أكثر صرامة من جانب الدول الأوروبية أو القوى الدولية الأخرى.
من جهتها؛ أكدت “الولايات المتحدة” أنها تنتظر من “طهران” تغيّيرًا حقيقيًا في “سلوكها”؛ وليس مجرد تصريحات، وذلك بعد تصريحات للرئيس الإيراني؛ “مسعود بزشكيان”، أعرب فيها عن رغبة بلاده في: “إزالة الغموض والشكوك” حول برنامجها النووي.
وفي الوقت الذي يستمر فيه البرنامج النووي الإيراني بالتقدم، يزداد القلق من أن تكون “طهران” قد وصلت بالفعل إلى مرحلة متقدمة من امتلاك المواد اللازمة لتطوير سلاح نووي.
ويؤكد “إنشر” أن “إيران” خصّبت (اليورانيوم) إلى مستويات تقارب تلك اللازمة لإنتاج سلاح نووي، “لديهم المواد التي يمكن استخدامها في تصنيع القنبلة، وهذا يمُثل مشكلة كبيرة. يجب أن نُعيد إيران إلى الوراء ونُخفض قدرتها على التخصيب إلى مستويات آمنة”.
يُشار إلى أن “إيران” تقوم حاليًا بتخصيب (اليورانيوم) لمستوى: (60) في المئة. ووفقًا للخبراء، فإن مستوى أكثر من: (90) في المئة هو المطلوب لتصنيع أسلحة نووية.
تسعى للتوصل لحل قبل تنصيب “ترمب”..
لكن “إنشر” يرى في الوقت ذاته؛ أنه: “إذا تم فتح هذا النقاش الشامل بشأن سلوك طهران في المنطقة، في اجتماع الجمعة، فسيكون ذلك تطورًا عظيمًا. ويمكن أن يؤدي إلى اتفاقية جديدة حول القضايا النووية تكون مقبولة للولايات المتحدة. إنها بداية جيدة، وهناك احتمال كبير للوصول إلى ترتيبات جديدة مع الإدارة الأميركية القادمة”.
وذكرت وكالة (كيودو) اليابانية للأنباء؛ التي كانت أول من نشر خبر انعقاد الاجتماع يوم الجمعة في “جنيف”، أن حكومة الرئيس الإيراني؛ “مسعود بزشكيان”، تسعى إلى التوصل لحل للأزمة النووية قبل تنصيب “ترمب”؛ في كانون ثان/يناير 2025.
ولم تُفلح المحادثات غير المباشرة بين إدارة الرئيس؛ “جو بايدن”، و”طهران” في إحياء الاتفاق، لكن “ترمب” قال في حملته الانتخابية؛ في أيلول/سبتمبر الماضي: “علينا أن نُبرم اتفاقًا، لأن العواقب غير محتملة. علينا أن نُبرم اتفاقًا”.
على وشك تجاوز “العتبة النووية”..
عن التطورات الأخيرة في الملف النووي الإيراني؛ يقول الدكتور “رامي خليفة العلي”، الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة (باريس)، أن القرار يأتي بعد سلسلة من التطورات التي تشهدها المنطقة، في وقتٍ تتزايد فيه المخاوف من امتلاك “إيران” للسلاح النووي.
شرح “العلي”؛ أن “إيران” اتخذت خطوات ملموسة لوقف زيادة مخزونها من (اليورانيوم) عالي التخصيب، وهو ما رحبت به “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”. لكن، رُغم هذه الخطوات، لا يزال هناك قلق دولي بشأن نوايا “إيران” في هذا الملف.
“العلي” أشار إلى أن “إيران” على وشك تجاوز “العتبة النووية”، مما يعني أنها قريبة جدًا من القدرة على تخصيب (اليورانيوم) إلى درجة تمَّكنها من تصنيع قنبلة نووية، وهو ما يُثير قلق القوى الغربية التي تُراقب التطورات عن كثب.
تسّريع المفاوضات أم تعقيدها ؟
حول الضغوط الغربية في مسار المفاوضات؛ يرى الدكتور “العلي”، أنه على الرُغم من وجود جو من التفاؤل حول المفاوضات الدبلوماسية بين “إيران” والدول الأوروبية، بما في ذلك “فرنسا وبريطانيا وألمانيا”، إلا أن هناك اختلافًا في الرؤى بين هذه الأطراف، خاصة مع الإدارة الأميركية القادمة.
“العلي”؛ أضاف أن القوى الغربية تتعامل مع ملف “إيران” النووي بشكلٍ معقدَّ، حيث يسعى بعض الأطراف لفرض مزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية على “طهران”، بينما ترى بعض الدول الأخرى أن التفاوض هو السبيل الوحيد لتجنب التصعيد.
حول التقارير الاستخباراتية التي تُشير إلى أن “إيران” قادرة على تصنيع أسلحة نووية في حال وصلت إلى مستوى تخصيب (اليورانيوم) المطلوب. هذا، إلى جانب تطور مشروع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي يمُكن أن تحمل رؤوسًا نووية، يقول “العلي” أن ذلك يُزيد من تعقيّد الوضع الأمني في الشرق الأوسط.
يُفرض المزيد من الضغوط على “طهران”..
“العلي” أكد أن هذا المزيج من القدرات النووية والصاروخية يجعل من الصعب على الغرب تقبل هذا الوضع، مما يُفرض مزيدًا من الضغوط على “طهران”.
وحول ما إذا كانت “إيران” سترد على الضغوط الغربية بتسريع برنامجها النووي، قال “العلي” إن “إيران” قد تلجأ إلى هذا الخيار إذا شعرت بأن موقفها السياسي والأمني مهدَّد، موضحًا أن رد الفعل الإيراني سيكون معقدًا، حيث لا يمكن فصل الملف النووي عن السياسات الإقليمية الإيرانية وتدخلاتها في “سورية والعراق ولبنان”.
“العلي” لفت إلى أن “إيران” قد تستخدم ملفها النووي كورقة ضغط في المفاوضات، خاصة إذا كانت تواجه عُزلة دولية متزايدة أو ضغطًا عسكريًا مباشرًا.
التحديات الداخلية في “إيران”..
أما عن التحديات الداخلية التي تواجهها “إيران”، أشار الدكتور “العلي” إلى أن هناك حالة من الاستياء الشعبي داخل “إيران” نتيجة العقوبات الاقتصادية والحالة الاقتصادية المتردية في البلاد.
هذا الاستياء قد يؤثر على القرارات السياسية الإيرانية في المستقبل، حيث أن الضغط الداخلي قد يدفع القيادة الإيرانية لتغييّر سياستها أو على الأقل التوصل إلى تسوية مع الغرب لتخفيف هذه الضغوط.
قرارات حاسمة..
أكّد “العلي” أن الدول الغربية أمام مفترق طرق في التعامل مع الملف النووي الإيراني. وقال إن الغرب قد يحتاج إلى اتخاذ قرارات حاسمة بشأن العقوبات أو التدخل العسكري، لكنه أضاف أن “إيران” ستستمر في سعيها للحصول على قُدرات نووية في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مستَّدام.
أما بالنسبة لـ”إيران”، فالمعادلة واضحة بالنسبة لها، وهي: الحفاظ على برنامجها النووي كورقة ضغط وحماية لنفوذها الإقليمي، وهو ما سيجعل ملف “إيران” النووي يظل مفتوحًا ومثيرًا للجدل لفترة طويلة.