توقف قلم محمد كامل عارف عن النبض قبل وفاته بعامين.
فقد البصر وبات عاجزا الا من متابعة الأخبار أمام شاشة زرقاء لا يرى منها الا وميضا خافتا.
كان يتابع انتصارات العلوم والمعرفة بنفس الحمية في متابعة الخيبات والانكسارات العربية على جبهات السياسة لكنه قطف عناقيد المبدعين من القَفْر، مبرزا ثلة من العلماء والمبدعين تابع نتاجاتهم بحمية لايملكها إلا متبحر في الآداب والعلوم. مقراء ينتقي بذوق جامعي الفراشات؛الجميل والساحر في المنصات العالمية المواكبة للتنمية.
لم يُخْف محمد عارف الذي تمر ذكرى وفاته الأولى اليوم، انبهاره بالنتاجات العربية في مختلف صنوف المعرفة مانحا مبدعي أرض السواد التي ابتعد عنها اضطرارًا أواخر سبعينيات القرن الماضي، مساحة كبرى في دأبه البحثي ومقالاته على مدى ما يزيد عن خمسة عقود، لاحق خلالها باعجاب أخاذ، وباسلوب لا يجيده غيره، المبدعين والمبتكرين وأفرد للعراقيات والعراقيين؛ أهمية خاصة، ليس لاعتبارات منقبية؛ وانما عن اعتقاد راسخ بان بلدا أنتهك وأحتل ودمر وتلوث باليورانيوم وقبل ذلك بحثالة اللصوص والقتلة، استمر يلد مبدعين وسط الخراب وفي دول الشتات.
يشعر محمد عارف بالمسؤولية الوطنية والثقافية في إبراز الإبداع العربي والعراقي منذ خط السطور الأولى مع نخبة من الكتاب والصحفيين في صحيفة الجمهورية، لصفحة( آفاق) احد أسطع عناوين سنوات الأمل في عراق السبعينيات الى ان تدهور الوضع السياسي وتشردت الكفاءات العراقية في أرض الله الواسعة وكان بينهم المستشار محمد عارف الذي استعاد المبادرة بسفر من المقالات ستدخل في الخزائن الماسية.
عظّم الكاتب والصحفي والخبير بالعلوم، والتكنولوجيا هيبة المبدعين الناطقين بالعربية، وأضفى على نتاجاتهم طعما ساحرا بحديثه الشيق عن تفاصيل ما أُنتج، لكن محمد كامل عارف لم يحظ بالموقع الذي يستحق، كما لم يحظ آلاف المبدعين العرب والعراقيين، وقد قتل من علماء وأكاديميي العراق المئات بعد الاحتلال؛ فأضاء الراحل ملفات الفقد العزيز على أرض السواد والإنسانية.
انحاز محمد عارف دوما الى العدالة وان لم يسجل له الانتماء الى حزب سياسي رغم انه عاش كل تفاصيل السنوات العاصفة وكان في مقدمة معارضي الغزو والاحتلال الانغلوسكسوني مع ثلة من المثقفين العراقيين ميزوا بين قمع النظام و الدولة في قراءة متبصرة للتداعيات الخطيرة على العراق شعبا وأرضًا ما ان تُدنِس جزم المحتلين أرضه.
كتب المقال بأسلوب يقود القاريء من السطر الأول الى رحلة ممتعة بين الاستشهادات والمعارف المستقاة من تجربة طويلة مع القراءة الممعنة والرصد الحاذق لكل ملهم ومتجدد. وليس مصادفة ان مقالات عارف كانت تدرج حيثما نشرت في باب” الأكثر قراءةً” حتى وسط القطاع الواسع من الجمهور بمن فيهم قراء القيلولة والارائك المسترخية؛ الذي سيجد في كل مقال المفيد والطريف بأسلوب لا يخلو من التهكم حين يتعلق الأمر بالعراق المبتلى.
من رصد للنكات السياسية والاجتماعية إلى تأمل العمارة العربية الإسلامية مرورا بمنجزات علوم الفضاء؛ قدم العارف حزمة من الملفات تفتح ذهن القاريء على زوايا لم تخطر على البال، وتكافح الكسل الذهني وكأنه يجالس القراء محدثا.
في ذكرى رحيل محمد كامل عارف، يصدر قريبا عن برنامج ” ابداع ” في مجلس الأعمال العراقي كتاب ” أعمدة من رخام المعرفة” قامت الصحفية كفاح عارف، وكانت لأعوام طويلة تعمل في اذاعة بي بي سي، بإعداده.
خط مقدمة الكتاب المعماري والرسام التشكيلي معاذ الألوسي بفصول ثلاثة ، وفصل يتضمن مسيرة الراحل الطويلة في الحياة والمعرفة.
يشتمل الفصل الأول على مقالات الراحل حول العمارة نشرها في صحيفتي الاتحاد الاماراتية والحياة اللندنية و مجلة المسقبل العربي بين الاعوام 1994 و 2020
وياتي الفصل الثاني على مقالات عن إبداعات المعمارية الرائدة زها حديد تتناول جوانب مختلفة من إبداعاتها المدهشة والتي صارت معالم في شتى بقاع الأرض .
ويشتمل الفصل الثالث على مئات المقالات والدراسات بالعربية والروسية والإنكليزية.
صمم الغلاف المهندس المقدسي راسم بدران.
يستهل الكتاب ببضعة سطور أملاها لشقيقته كفاح؛ قبل رحيله ببضعة أيام عن سبب شغفه بالعمارة:
“عشقي للعمارة ينبع من انها
تجمع بين الفن والهندسة ،
حيث اشتهر معظم
المهندسين بتقدمياتهم ومن
أوسكار نيمير الذي بنى
عاصمة البرازيل، بالإضافة إلى زها حديد كنموذج أبرز في هذا المجال”.
سيجد القراء في ” أعمدة من رخام المعرفة” أروقة وساحات ونبع يغذي العقل، ويداعب الروح.
سلام مسافر