لا نبالغ بالحديث إذا قلنا إن التعداد السكاني الذي أجراه العراق والذي يعتبر أول تعداد شامل منذ أكثر من ثلاثة عقود، بداية لأزمات جديدة تنتظر لحظة الإفصاح عنها لتفجّر معها صراعاً كان يتستر بغطاء عدم معرفة الأعداد الحقيقية للعراقيين.
ذلك الصراع الذي يتوزع بين إقليم كردستان وبغداد أو بين المحافظات العراقية وحصص الموازنة التي تُخصص لها والتي كانت دائماً مثار جدل حول تلك النسب.
بداية الأزمة المنتظرة ستكون مع ما سيُثيره هذا التعداد السكاني من أسئلة، من بينها إمكانية زيادة عدد المقاعد في مجلس النواب العراقي نظراً لزيادة نسب السكان مع وجود نص دستوري يُلزم بأن يكون عدد المقاعد مساوياً لعدد محدد من السكان، وإستناداً لهذا النص الدستوري فمن المرجح أن تزداد مقاعد البرلمان العراقي إلى أكثر من 400 مقعد على إعتبار إن لكل 100 ألف نسمة من نفوس العراق يُخصص لهم مقعداً في مجلس النواب.
وقد تزداد أعداد المقاعد إلى أكثر من 500 مقعد في السنوات القادمة نظراً للزيادة الحاصلة في أعداد العراقيين.
هناك مثل شعبي يتداوله العراقيين بالقول “ما رِضَه بِجزّة…رِضَه بِجزّة وخروف” أي إن العراقيين الذين كانوا يرفضون مخصصات وإمتيازات ومنافع 325 نائباً في البرلمان الحالي، ويعتبرون ذلك الإنفاق من المال العام تبذيراً وهدراً، فيما يعيش ثلث الشعب العراقي تحت مستوى خط الفقر، لتأتي الزيادة الجديدة في أعداد المقاعد كارثة جديدة من كوارث هذا البلد المنهوب على العراقيين أن يتقبلها، لكن ذلك لايمنع من تفجّر أزمة جديدة بين بغداد وإقليم كردستان على إعتبار إن الأخير وجد في التعداد السكاني فرصة لإعلان زيادة مواطنيه مما يوجب زيادة التخصيصات الممنوحة له من موازنة العراق العامة، وقد يشعل ذلك صراعاً بين بعض الأطراف في بغداد وبين حكومة كردستان، على إعتبار إن التخصيصات التي تمنحها الحكومة المركزية لكردستان طالما كانت تثير جدلاً واسعاً وحتى رفضاً من قبل تلك الأطراف التي تتهم الإقليم بعدم تسليمه الإيرادات الداخلة إليه إلى بغداد، فكيف سيكون الحال إذا ما طلب الإقليم بزيادة حصته في الموازنة إستناداً لزيادة أعداد مواطنيه؟.
الأزمة الأخرى التي قد يفجّرها ذلك التعداد السكاني هو حصص المحافظات من الموازنة العامة وخصوصاً المحافظات التي تنتج النفط والتي تعتبر حصصها ضئيلة قياساً إلى كميات النفط المنتج من أراضيها.
أكثر من 120 ألف موظف شاركوا في عملية جمع المعلومات والإحصاء في محافظات العراق وإقليم كردستان وميزانية تقترب من 500 مليار دينار أي ما يعادل 360 مليون دولار وهو رقم يراه بعض المختصين مُبالغ فيه.
التعداد السكاني لن يشمل العراقيين في الخارج، وهو ما وجده البعض ثغرة في نسب أعداد العراقيين على إعتبار إن المعلومات المستحصلة من عراقيي الخارج ستوفر للدولة معلومات عن أعداد العراقيين الذين يتقاضون رواتب وإعانات، ويثير أكثر من سؤال عن السبب في عدم إحتساب أعداد هؤلاء في التعداد، وقبله لم يشملهم التصويت في الإنتخابات البرلمانية العامة التي أُجريت في العراق قبل عامين.
بالمحصلة فإن التعداد السكاني الذي أجراه العراق مؤخراً سيفجّر أزمات كانت مختبأة تحت الرماد وسيشعل صراعاً كان مختفياً وراء عدم معرفة الأعداد الحقيقية للعراقيين، وتلك هي متاهة أخرى تضاف إلى متاهات زمنهم الصعب الذي يعيشون أيامه.