خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
إن الدبلوماسية الاقتصادية الاستباقية التي تنتهجها “كوريا الجنوبية” في الشرق الأوسط، تنبع عن رغبة في خفض عجز حسابها الجاري، وهو ما يُضعف عُملتها. وباعتبارها دولة تفتقر إلى موارد الطاقة المحلية، تُنفق جزءًا كبيرًا من احتياطياتها من النقد الأجنبي على واردات الوقود. بحسّب ما استهل “نوريكو سوزوكي”؛ مستشارة أولى في (مركز الخليج للأبحاث)، في الجزء الثاني من دراستها التي أعدتها ونُشرت على موقع المركز.
ومن خلال تشجيع دول الخليج الغنية على زيادة وارداتها من السلع والاستثمار بشكلٍ أكبر في “كوريا الجنوبية”، بهدف تخفيف عجز حسابها الجاري وتحسين استقرارها الاقتصادي.
عطش كوري للطاقة النفطية..
بالنسبة لـ”كوريا الجنوبية”، فإن الحصول على الطاقة من منطقة “الخليج” يُشكل أولوية وطنية. وعلى غرار “اليابان”، تستورد “سول” أغلب احتياجاتها من الطاقة من هذه المنطقة، مع اعتماد كبير بشكلٍ خاص على دول “مجلس التعاون الخليجي” في الحصول على “النفط الخام”.
ووفق بيانات “رابطة التجارة الدولية” الكورية، كانت “المملكة العربية السعودية” أكبر مورد للنفط الخام لـ”كوريا الجنوبية” في العام 2023م، بنسبة: (36%) من إجمالي الواردات، تليها “الإمارات” بنسبة: (11%)، ثم “الكويت” بنسبة: (10%)، و”العراق”: (10%)، و”قطر”: (6%).
وانحسر اعتماد “كوريا الجنوبية” على دول الشرق الأوسط، ودول “مجلس التعاون الخليجي” من: (87%) في العام 2016م إلى: (73%) في العام 2023م، نتيجة زيادة وارداتها من “النفط الأميركي الخام”.
وقد كان اعتماد “كوريا الجنوبية” المتزايد على واردات “النفط الخام” من دول “مجلس التعاون الخليجي” خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا جزئيًا بتدهور العلاقات بين “كوريا الجنوبية” و”إيران”.
يُذكر أن بعد توقيع إدارة “باراك أوباما” على “خطة العمل الشاملة المشتركة”؛ مع “إيران”، 2016م، كانت “بارك كون هيه”؛ أول رئيس لـ”كوريا الجنوبية” يزور “إيران”؛ حيث كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتأمين واردات إضافية من “النفط الخام” الإيراني.
ونتيجة لذلك، تضاعفت واردات “كوريا الجنوبية” من “النفط الخام” الإيراني بأكثر من ثلاثة أضعاف في الفترة (2015-2017م)، حيث شكل “النفط الإيراني”: (12%) من إجمالي واردات “كوريا الجنوبية” في عام 2017م.
من إيران إلى الخليج..
لكن بعد انسحاب إدارة “دونالد ترمب”؛ عام 2018م، وإعادة فرض العقوبات على “إيران”، اضطرت “كوريا الجنوبية” إلى وقف وارداتها من “النفط الإيراني”، وبالتالي لجأت إلى دول “مجلس التعاون الخليجي” للتعويض عن النقص، فزادت وارداتها من “النفط الخام” من هذه الدول.
وتلعب كذلك دول “مجلس التعاون الخليجي” دورًا متزايد الأهمية في واردات “كوريا الجنوبية” من “الغاز الطبيعي”. ففي العام 2023م، احتلت “قطر” المرتبة الثانية بعد “أستراليا”؛ بتصدير: (21%) من “الغاز الطبيعي المسَّال إلى “كوريا الجنوبية”. وكانت “عُمان” رابع أكبر مورد بحصة بلغت: (10%).
وخلال السنوات الأخيرة، سعت “كوريا الجنوبية” إلى زيادة وارداتها من “الغاز” من الخليج مع انتقالها من توليد الطاقة بالفحم إلى توليد الطاقة بالغاز للحد من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.
بالإضافة إلى ذلك؛ تهدف إلى تأمين مصادر بديلة للغاز بعد الاضطرابات في إمداداتها من “الغاز الروسي” بسبب أزمة “أوكرانيا”.
بعد العملية العسكرية الروسية في “أوكرانيا”؛ في شباط/فبراير 2022م، انضمت “كوريا الجنوبية” إلى الدول الغربية في فرض عقوبات اقتصادية على “روسيا”، بما في ذلك القيود المفروضة على تصدير الآلات الصناعية التي يمكن إعادة استخدامها لتصنيع الأسلحة.
وأعربت “روسيا” بدورها عن خيبة أملها إزاء تصرفات “كوريا الجنوبية” وحذرت من التأثير السلبي الذي قد تُخلفه هذه العقوبات على التعاون الثنائي.
ونتيجة لهذا، من المُرجّح أن تُزيد “كوريا الجنوبية” من وارداتها من الغاز من دول الخليج للتعويض عن الخسارة المحتملة لـ”الغاز الروسي”، الذي يمُثل حاليًا: (4%) من إجمالي وارداتها. ومن شأن هذا التحول أن يُزيد بشكلٍ كبير من اعتماد “كوريا الجنوبية” على دول الخليج في إمداداتها من الغاز.