18 ديسمبر، 2024 3:18 م

“حسين حبش”.. الشعر في حالة يقظة لخلق الألفة والمحبة والتضامن

“حسين حبش”.. الشعر في حالة يقظة لخلق الألفة والمحبة والتضامن

خاص: إعداد- سماح عادل

في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام 2024 في مدينة كالكوتا الهندية منحت مبادرة “كاتاك” الشعرية في بنغلادش، هذا العام جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكوردستاني “حسين حبش” وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة.

تم منح هذه الجائزة في السنوات الماضية إلى الشاعرين “توبياس وجونا بوغارت” من ألمانيا، الدكتور “لي كوي- شين” من تايوان والشاعر “بيغنت بيرغ” من السويد والشاعر “ميلان ريشتر” من سلوفاكيا والدكتور “أحمد كمال عبد الله” من ماليزيا والشاعر “أغنيس ميدوس” من بريطانيا والدكتور “جويس أشونتانتاغ” من الكاميرون وآخرين.

حسين حبش..

“حسين حبش” شاعر كردي من ناحية شيه/ مدينة عفرين/ كردستان، ويقيم في ألمانيا منذ عام 1996.

صدرت له دواوين شعرية عديدة، منها:

– غرق في الورد/ دار أزمنة، عمان ودار ألواح، مدريد 2002.

ـ هاربون عبر نهر إفروس/ دار سنابل، القاهرة 2004.

ـ أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال/ دار ألواح، مدريد 2007.

ـ ضلالات إلى سليم بركات/ دار الزمان، دمشق 2009.

ـ ملاكٌ طائر “نصوص عن أطفال سوريا”/ دار مومنت، لندن 2013.

الحرية والإنسانية..

في حوار معه أجرته “رشا أحمد” يقول “حسين حبش” عن شعره الذي يمجد الحرية والإنسانية كما ذكر  في حيثيات منحه جائزة «بوسناكي ستيجاك» من قبل اتحاد كتاب البوسنة والهرسك خلال مهرجان «أيام سراييفو الشعرية» : “أنا ابن شعب عانى وما زال يعاني من كل صنوف الظلم والقمع والقهر والاضطهاد، وكذلك من كل أنواع القيود المفروضة على كيانه ووجوده، وعلى لغته وانتمائه وكل تفاصيل حياته. كان لا بد أن ينصب تفكيري ووعي وخيالي على فكرة الحرية وتساؤلاتها الجوهرية، وكذلك الانشغال بإنسانية الإنسان وكيفية حفظ وصون كرامته على هذه الأرض، التي لم تعد مكانا آمنا للعيش، دون توجس وخوف وقلق.

ذهبت بعض كتاباتي منذ البداية في هذا المنحى بمعرفة ووعي تامين، منغمسة في تفاصيله وطارحة أسئلة كثيرة بخصوصه. وبالتالي لم يغب هذا السؤال الوجودي عن بالي أبداً: ما معنى وجود الإنسان إذا جُرد من إنسانيته وحريته؟ ربما سيكون مجرد كومة لحم وعظم ولا شيء آخر! إن الكتابة الحقيقية لا تكون ولا تنمو إلا في ظل الحرية أو اجتراح حريتها الخاصة بها في حال ضُيق الخناق عليها! لم تغب عن بالي فكرتها ومقامها وتجلياتها العظيمة لحظة واحدة، سواء في سياق الكتابة أو خارجها مهما كانت الظروف والأحوال. و«إذا كان الموت هنا، فهو يأتي ثانياً، الحرية دوماً تأتي أولاً» صدق ريتسوس”.

الاحتفاء الأوروبي ..

وعن الاحتفاء الأوروبي بالمبدعين الأكراد يواصل: “نعم، أكتب عن الوطن الكردي المدمر والممزق والجريح، الذي لم يتوقف نزيفه لحظة واحدة بسبب وحشية وشراسة الذين يغتصبونه وينتهكون حرمته طولا وعرضا دون أي رادع يردعهم أو قانون يوقفهم. أحاول من خلال الكتابة والخيال وكذلك على أرض الواقع لم أشلائه المتناثرة هنا وهناك ومداواة جراحه العميقة.

أما بخصوص الاحتفاء الأوروبي بالمبدعين الكرد، فلا يوجد هذا الاحتفاء إلا نادرا جدا، ويكاد يكون معدوما للأسف. كما أن هناك فروقا أوروبية واضحة في التعامل مع قضايا الشعوب وحقوق الإنسان، كذلك هناك فروق واضحة في التعامل مع آدابها وفنونها أيضا، وهذا الأمر مدعاة للحزن حقا!”

وعن الكتابة  بالعربية يقول: “أسباب كتابتي بالعربية معروفة للجميع، فاللغة الكردية كانت وما زالت ممنوعة ومحظورة في سوريا، كان ممنوعاً التحدث بها إلا في نطاق ضيق، أي نطاق البيت والعائلة. الثقافة الكردية كانت ممنوعة ومقموعة ومضطهدة حتى أن مجرد حمل كتاب أو مجلة كردية كان يمكن أن يعرض صاحبها للمساءلة والتحقيق والسجن؛ كما أنه لا مدارس، لا معاهد ولا جامعات تدرجها في محاضراتها ومناهجها الدراسية.

لذلك كان الخيار الوحيد الممكن أمامي حينها هو إتقان اللغة العربية والتدرج بها دراسة وقراءة وثقافة وكتابة. لكنني أود أن أضيف في هذا السياق، بأنني تعلمت الكتابة بلغتي الأم في منفاي هنا في أوروبا، وأكتب بها، منذ زمن بعيد، قصائدي ونصوصي وهواجسي التي حرمت من الكتابة بها سابقا في وطن لم يكن لي قط! وحاليا أكتب باللغة الكردية فقط، ونادرا ما أكتب بالعربية، منتقما من كل الحيف الذي لحق بلغتي الأم وقائمة القمع والممنوعات التي طالتها من كل حدب وصوب!”.

الهوية..

وعن سؤال الهوية ككردي يحمل الجنسية الألمانية يقول: “أنا حسمت أمري في هذا الخصوص منذ زمن بعيد، ففي كل مكان أوجد فيه أو أدعى إليه، أعتبر نفسي شاعرا كرديا من كردستان وأفرض هذا الأمر شرطا لقبول وجودي بينهم ومعهم، وبخلاف ذلك لا أحضر ولا أشارك في أي ملتقى أو أمسية أو مهرجان، حتى أنني رفضت المشاركة في بعض المهرجانات العربية المهمة لأنهم لم يحترموا هذه الخصوصية!

أما بالنسبة إلى الجنسية الألمانية، فهي قد منحت الاستقرار الحياتي والنفسي لي ولعائلتي الصغيرة، وكذلك منحتني جواز سفر بقوة ألف حصان، أجوب به العالم، كل العالم دون سين ولا جيم على الحدود أو في المطارات. لذلك أنا ممتن لهذا البلد الذي أوجد فيه الآن، وكذلك لمدينتي الجميلة بون، إلى الأبد”.

الشعر..

في حوار آخر أجراه “معتصم الشاعر” يقول “حسين حبش” عن الشعر: “الشعر هو مصدر وجودي وبقائي على قيد الحياة، وهو الذي يحقق لي التوازن مع نفسي ومع العالم، وهو آخر الكائنات الجميلة التي تعطي معنى للحياة وسط هذه الحروب والكوارث التي تغطي وجه الكون، لذلك ضحيت وما زلت أضحي من أجله بالغالي والنفيس، وبالمقدس والمدنس على حد سواء. أنا لا أعطي أي وظيفة للشعر سوى أن يكتب بجمالية شاهقة وأن لا يتنازل عن فنيته وعن كونه شعرا حقيقيا، لكنني رغم ذلك، أعتقد أن له دور كبير في خلق مساحات شاسعة من الحب والجمال والتقريب بين الناس وتقليص الهوة بينهم بغض النظر عن أعراقهم وأديانهم وآرائهم ومعتقداتهم وفلسفتهم في الحياة.

الشعر في حالة يقظة ونباهة دائمة لخلق الألفة والمحبة والتضامن وردم الهوة وتقريب وجهات النظر بين البشر، وهو يقظ ولا يغفل عن جراحنا، جراح الشعوب المضطهدة التي تعاني من الظلم والقمع والقتل والقهر والتنكيل. يقول رينيه شار إن المضطهدين يعرفون أن الشعر هو شقيقهم الأكبر. نعم، أن الشعر هو شقيقنا الأكبر وأختنا الكبرى والبوصلة التي توجهنا في محنة هذا الوجود!”

الغربة..

وعن العيش في ألمانيا، وماذا أضافت له الغربة يقول: “في بداية المنفى يكون الوضع كارثياً، حيث يعاني المبدع من الانكسار والخسران والتمزق والعجز والألم والإحباط والعزلة والخذلان وعدم التأقلم مع المحيط بسهولة، سواء مع البشر أو اللغة أو المجتمع أو نمط الحياة الجديدة والمغايرة. يكون عقله وخياله وروحه وكل تفكيره مركزا على الماضي والذكريات، على العائلة والأهل والأصدقاء، على الأرض والبشر والحجر وعالمه الذي تركه هناك، فيشعر بعجز شامل يكبح جماح إرادته، إرادة الحياة والكتابة والإبداع.

يودُّ في لحظة ما تحطيم كل شيء من حوله، لكنه يدرك بأنه لا يستطيع إلا تحطيم نفسه فقط، وأنا لم أكن استثناء من هذه الأقدار. لكن مع مرور الزمن يتأنسن هذا المنفى رويدا رويدا في داخله، وتتحول كل تلك الصدمات والخيبات التي تلقاها إلى حيوية وطاقة محرضة تدفعه نحو الكتابة والقراءة بجنون للتعويض عن كل ما فاته سابقاً. فتصبح الكتابة وطنه البديل، ولا يرى نفسه إلا في إبداعه ولغته وكلماته، بعد أن يكون قد تعلم وأدرك وخبر أشياء كثيرة لا غنى عنها. وعلاوة على ذلك فقد وهبني المنفى لغات جديدة ووهبني متعة السفر والجنون وعبور القارات. مكنني من الاطلاع على ثقافات العالم وحضاراته المتنوعة بمنتهى الحرية دون قيود أو عوائق أو خوف أو تابو يعيقني عن الكتابة بحرية مطلقة والانطلاق نحو المدى الواسع للعالم. فإن لم يكن الشاعر منفيا دوما وإن لم يعش في الحافات القلقة من العالم كيف له أن يبدع ويكتب ويستمر؟ وأكاد أقول أن الشاعر يبقى منفيا في الزمان والمكان أينما كان وحيثما ذهب”.

قصيدة “أعلى من الشهوة وألذ من خاصرة غزال”

“حسين حبش”

أن تجاورينني لهذا المنام الطويل، الطويل…

لهذا الرقاد الفاحش على صراط الشهوة والأنين

أن تنيرينني بحدِّ سيفيك اللامعين

والممتلئين برائحة الأبنوس

وبزوغ اللهب من خطوط الاستواء

المضمخة بالعبير.

أيتها المقطوعة الأوصال من الألفة،

أيتها المتوحشة كلبوة شرسة المنام والأنفاس.

تعالي ندَّخر قليلاً من الصبر ونغلق نداء السهول

حتى نبدِّل الوسائل بالوسائل،

وننفصل عند حدِّ السرير عاريين بعنف

ونبيلين على عرش الشوق والاقتراب.

أن تقيدينني من هالتك

وتقولي لي:

كم بودي أن أغتالك أيها الولد الجميل

وأن أشوي لحمك على موقد قلبي،

ثم أنهشك كطير جارح.

أن أسرقك من السماء والأرض وأطعنك لذتي،

نتجاوز بها كل حدود،

ثم أضعك على القبة ملكاً في صهيل الشفاه.

أن تتركينني في الفضاء معلَّقاً بين هدبيك،

توحين لي بالنقائض والزمن الذي يجري

كالنهر على عقارب الساعة

يرمي إليَّ حظوظ الآخرين،

ويترك ثيابك الجليلة مهملة

على عنق البرونز.

ينشدُّ منتصف بطنك كطاغية

وينفرج الورد بهالته الحمراء.

أن تأخذينني بجسدك البضِّ الذي يفوح

بالخناجر وإيماءات الجوع،

الذي يرمي إليَّ بالحيرة والحصار.

أن أتعلم لغة الجرأة وأرددُّ في السِّر

الذي يطغى على كلِّ وضوحٍ

ما أجمل النسيان في الهاوية الملآنة بالرمَّان،

ما أشهى خرير الشَّعر على الكتفين الصلبين

كالغرانيت.

أن ترسلينني مصحوباً بالبنفسج إلى الخطيئة،

أتبعك وتتبعينني، أنبع منك وتنبعين مني

رجلاً وامرأة ينغرزان في عظمة التيه

ويركضان في حقول الفراغ.

أجيئك وتجئينني، يزنبقنا الحلم

ويهذي العطر من دوني للرخام المنسفح

على الأرض بكل لغات الماء.

أن تتغلغلي في الشرِّ وتغيري نبرة الخطوات

أن تطاردي الدُّوار وتفتحي الأقفاص

أن تطَّيري الخوف، أن تكسري البلاط

وتشرحي للدَّرج رنين قدميك

أن تسرعي الصعود إلى النسائم العليا

وتتباهي بالشذرات.

أن تهيبني لكلك، لبلل عينيك

أن تروِّضي الصواعق

وتجمعي لها أرواحها الضالة

أن تزينيها وتختاري لها الأسماء العجيبة

ثم تتركينها في قاع الطمأنينة،

ترتِّب لكِ فوضى الأكواخ.

أن تخلقي كوكباً للقبة التي انبثقت

في الاشتهاء كمنارة.

أن أرسم على ذلك الكوكب شامة

أن نمارس الاندلاع برشاقة،

أن أنزل إلى الرجفة

وأتذوق طعم الرعشة تحت أرجوحة الذبح

أن أهجر الوحدة

وأسكن الذروة قرب الشامة هناك.

أن نقتل الرتابة

ونزرع قامة العشق الرهيفة في كل زمان،

في كل مكان وأوان.

أن ننتشل موتنا بقضمة حبٍّ ونبيذ.

أن تعلمينني الصعود إلى الشمس

من متاهات العتمة في منتصف الليل

وتفرمي لي قلبك الطازج كالفجر

وتقولي: هاك مجدي

أن تغمري الملكوت بالزعفران

وأن تولمي المنضدة بالورد وهفوات الربيع.

أن تنشغلي بما يؤجج الرغبة

أن تحققي الملذات

أن تكوني أعلى من الشهوة وألذُّ من خاصرة غزال

أن.. أن..

أن

أ

ء

نؤجج معاً أنشودة الحياة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة