يتسائل أحد ألأصدقاء عن المقولة الصوفية : (( الربا حرام الا في الحب فمن اعطاك حبا , رده ضعفين )) , وماموقعها بين الحلال والحرام , مما أوحى لي بكتابة هذه المقامة من كتاباتهم الصوفية .
كتب محمد الجزائري نصا شعريا يقول فيه : (( في زمن الأستنتاجات يظل النوريون يصلون بأباحية, صلاة الجسد العاري , وهو يحرق بخوره في أحواض السمك الشكسبيري اللاهث , وبطقوس عدمية , يتبادلون القبلات , ويطبعون بقعا من السم على شفاه بعضهم)) , ويقول أبو محمّد صالح المعروف بأبي البقاء الرندي الأندلُسيّ :
(( يا سالبَ القَلبِ مِنّي عِندَما مرقا/ لم يُبقِ حُبُّكَ لِي صَبراً وَلا رمقا
لا تَسألِ اليَومَ عَمّا كابدت كبدي/ ليت الفِراقَ وَلَيتَ الحُبَّ ما خُلقا
ما باِختياريَ ذُقتُ الحبَّ ثانيةً/ وإنما جارَتِ الأَقدارُ فاتفقا
كنتُ في كَلَفي الداعي إِلى تلفي/ مثلَ الفراشِ أَحَبَّ النارَ فاحترقا )) , الفكر يَسبَحُ في ملكوت المعاني , وليس أمام المريد إلا التَدبّر , وليس أمام العارف إلا التأمل , قلبي ارتوى , ورُوحي مسّها شغفُ الانبعاث , ونستذكر قول يحيى الرازي : (( إن لله عباداً اذامشوا على الأرض اهتزت تحت أقدامهم سرورا وفرحا بهم )) , وعند المتصوفة الذين فتح الله رؤاهم أيمان بأن : ((مَن عَشق فعفَ فمات فهو شهيد, وأن العاشق والمعشوق شريكان في السرقة, فلا حقّ ٌلأحد دون الآخر)) .
في سالف الزمان . كنا جميعا سمك نسبح في المحيط , غير واعين بأنفسنا ولا بالماء,
وفي تجل لحبه ورحمته , ألقانا المحيط على اليابسة , وها نحن نتأرجح ونتقلقل , نكابد آلام الفراق ونسميها عشقا , وسوف نظل نراوح ونكبو حتى يستعيدنا المحيط ثانية , حينها فقط سندرك ان الماء كان على الدوام مثوانا وموطننا , وكل انسان يشهد من الغيب بقدر صفاء قلبه , وهو الصفاء الذي يعتمد على عنايته بجلاء قلبه وتصفيته , فكلما أمعنت في جلائه , شهدت أكثر , حتى يصير مدد الغيب في كثافة حضور عالم الشهود.
لا ننسى ما رواه ابن المقفع قبل الذهاب إلى التنور: (( صارحه تفقده , انقده ينقلب عليك,
في كل خطوة لغم عداوة ينفجر تحت قدميك , بينما يداك مغموستان في ماء محبتهم )) ,
ماذا أفعل وكلما اقتربت , أدركت اكثر كم انا بعيد , وليس في الموت بعد , فالشمس تغرب , والقمر يغيب , لكنهما ليسا ببعيدين , وكل جزيئات هذا العالم عاشقة , وهي تنقب عن العشاق , والعشق لا يمكن تعلمه , او تعليمه , فالعشق يتنزل كرحمة ربانية , وانا اقسم لو انك أقبلت علي وحياتي تؤذن بالمغيب , طريح لم يبق في صدري سوى نفس واحد , سأعتدل جالسا وأشرع بالغناء.
تستحضر لنا هذه المقولة ما كان فينا من لسعِ الوردِ الأول , من شفافيةٍ أولى ودهشةٍ أولى , ومن شجنٍ أوّل , وهذا هوالشاعر محمود درويش يكتب لحبيبته الأسرائيلية (ريتا ): (( إني أُحبك رغم أنف قبيلتي , و مدينتي , و سلاسل العادات , لكني أخشى إذا بعت الجميع تبيعيني فأعود بالخيبات )) , وعندما اكتشف أنها تعمل لدى مخابرات الموساد الاسرائيلي قال : (( شعرت بأن وطني أُحـتل مرة اخرى )) , وكتب أيضاً : (( بين ريتا وعيوني بند.قية )) , وعندما تخلت عنه كتب لها : ((رُبما لم يكن شيئاً مهماً بالنسبة لك يا ريتا , لكنهُ كان قلبي )) , أيّهَا الْعمْرُ اْلفاتنُ ,كمْ يطيرُ فِي قلْبِكَ الْحمامُ ولَايحطُّ فِي قلْبِي سوَى الرّيشِ , بيْنَ الْحلُمِ والْواقعِ مسافةُ الْألْفِ ميْلٍ فهلْ سأكونُ خطْوتَكَ الْأولَى أمِ الْأخيرةَ فِي حسابِ الْإِيمَايْلَاتِ ؟ وانا أضمّ اسمك في الدعاء شوقاً وحباً واحتياج , أ يا خمراً سكِرتُ بها هي من أيام قبل الله معتقة , معانيها أغصان ترتعش , توقظ شجر الكلام , فعلا , أنت الفراشة لا تنسي أنني جناحك جموح عند الصعود والنزول.
تقول فوز حمزة : (( كالقمر أول المساء , يتدلى النور منه , سقط طيفك على أطراف ردائي )) , هل هناك أحلى من البنفسج ؟ أنه يعطيك الجمال ويبقى واقفًا على مسافة , ينظر إليك ويناغيك وهو صامت , كأنه حزين ولكنه ليس بحزين , أنه يتأمل , يقرأ ويكتب برزانة وحب , يريدك أن تقترب منه دون أن يقول , أو يرسل إشارات دون أن يشير ,إنه إله الحب الخالد , مولاي هل يبصر آلام الروح سواكْ ؟ هل تترك أزهارَ الأرضِ تضيعُ سدى ؟ فامنحنا حُبًا فوق الحبّ, ورفقًا فوقَ الرفقِ, وصبرًا وهدى , وامسح ارواحَ عبادِك أهل الصفّة بالنورْ , واحشر عُبّادَ السحرةِ في ضيقِ الذلّ وشتتهم بدَدَا مولاي هب للعاشقِ رشدا .
هل أبوح يا مولاي ؟هل أقولُ إنّني اتمرد ؟ فالوجدُ الّذي كتبَ عنه الدّراويشُ , لا يعنيني في شيءٍ هُم قرأوا عن العُشّاق , وما جرَّبوا العشقَ , قرأوا عن جلال الدّين الرّومي والنّفريّ وعن ابن سبعين والحلّاج وابن عربي , فاعتقدوا أنّ العشقَ مجرّدَ شريعة يكفي أن تُؤمنَ بها لتُكتبَ في زُمرة الواصلين , لأجل هذا فأنا لا أؤمن بعشقِ المساكين المخبولين ولا أحبُّ سِيَرَ العرفان المسطورة في الأسفار الرّكيكة , وطريقي ستبقى إلى يوم الدّين لا شأنَ لهَا بطريق الموهومين : طريقهُم فيها النّور والحور العين والفراديس , وطريقي فيها العتمة الشّديدة والحروب الطّاحنة , لذا فلا أحد يقوى على مرافقتي في الخلوات ولا في الفلوات.
(( لا تتواضعْ بعد اليوم لأحدٍ أيّها الدّرويشُ تلكَ كانت كذبة كُبْرى سُطِّرتْ للإيقاع بكَ في شراكِ الوهم عليكَ أن تعلم هذا , فلا تواضُع لعارف ببلاطُ القيّوم مسكنه , اكسر قيود الماضي , واعلم أنّ الواصلَ من حطّم أغلال الضّعة , وتمرّد على المادّة في وحدته , أدِرْ ظهركَ إذن لكلّ شيء , واسمع كلام هذه الدّرويشة المفتاح , التي أصبحتْ وحشاً نقيّاً تقيّاً جارحًا خطيراً بدائيّاً في عزلتها , وتذكّرْ أنَّ من يريدُ القمّة لا ينحني , يحتضنُ الإله ولا يُصاحبُ سواه , أتعلمْ , إنْ فعلتَ مثلي فمسكنكَ الجحيم )) .